نظرية قيمة قوّة العمل وما غيرها هرطقة
ينشر الإعلام «اليساري» و«الاشتراكي الديمقراطي» موادّ أقلّ ما يُقال عنها: «هرطقةً علميّة» يحاولون فيها تحميل فرضياتهم اللا علمية على المنهج العلمي، في محاولة لإيهام القارئ والمتابع بأنّ «العصر تغيّر» وأنّ هناك نظريات تناسب «الذوق المعاصر» أكثر، ولهذا يجب التوقّف عن اتباعها في محاولة تفسير ما يحدث في الاقتصاد الرأسمالي. لكنّ الاختبار يظهر دوماً عكسَ ما يشتهون.
ترجمة: قاسيون
يقول بول كوكشوت: هل الاقتصاد المعاصر حقاً مجال للاستقصاء التجريبي، أم الأفضل أن ننظر إليه على أنّه مجال للصراع الإيديولوجي؟ إنّه مجال تحاول فيه الطبقات الاقتصادية المختلفة أن تدافع عن مصالحها من خلاله. هل هناك دلائل تجريبية تخطّئ نظريّة ماركس عن قيمة قوّة العمل، أم أنّ الأمر مجرّد مصالح سياسية؟
يمكنني أن أزعم بأنّ التهديد السياسي الواضح للحركة الاشتراكية هو الذي حفز رفض نظرية قيمة قوة العمل، ففي حال قبولها فهذا سيعني حتماً قبول انتقال ماركس للاستغلال الرأسمالي. لن يكون من المحتمل سياسياً بالنسبة لمجموعة من الدول الرأسمالية أن تستمرّ جامعاتها بتدريس نظرية قيمة قوة العمل بعد أن حازت الطبقة العاملة على حقّ التصويت، ولهذا كان عليهم أن يخلقوا مناهج جديدة ويقدمونها للتدريس.
علم بلا موضوع
تحاول المناهج الاقتصادية «الهامشيّة»، التي بدأت بريادة جيفونز ومارشال في العالم الناطق بالإنكليزية، أن تبدو وكأنّها مناهج علمية. كان جيفونز يستخدم بشكل مكثف حسابات التفاضل في رياضياته. لكن كان هذا النوع من العلم هو الذي يفتقد إلى الموضوع.
في العلوم التجريبية الحقيقية، مثل: الفيزياء، يعتمد استبدال نظرية بأخرى على أن تكون قادراً إمّا على إثبات زيادة في إمكانية التنبؤ التجريبي باستخدامها، أو على القدرة بالتنبؤ بظواهر غير ملحوظة بشكل كبير. استند استبدال نظرية الجاذبية لنيوتن بالنسبية العامة على تنبؤات جديدة صحيحة.
تنبأ أينشتاين بأنّ الأجسام الضخمة ستحرف مسار الفوتونات، وتمّ إثبات ذلك في 1919 أثناء كسوف الشمس، عندما تغيّر الموقع الظاهر للنجوم بالقرب من الشمس، تماماً كما تنبأ أينشتاين. بالنسبة للعلم فمثل هذه الملاحظة هي تجربة حاسمة تختبر من خلالها جوهر النظرية.
نشر جيفونز «نظرية السعر» في 1871، لكن لم يكن هناك اختبار حاسم يتمكن من التحقق من صحتها. لم تكن هناك ملاحظات تجريبية منهجية تقارن بين تنبؤات جيفونز مع ريكاردو وماركس. ولكن رغم ذلك حازت «النظرية» على القبول لأنّ النخب لمست قدرتها على تقليد الشكل العلمي.
نظرية السعر النيوكلاسيكية تأخذ شكلاً رياضياً. لكن الكثير من الفرضيات يتمّ التعبير عنها بشكل رياضي. لكنّ إدخال بعض المعادلات الرياضية والتعبير عنها ليس كافياً لجعلها علمية، فعلى العلم أن يكون قابلاً للاختبار.
إن كانت النظرية تحوي صيغاً، فيجب أن تكون قابلة للقياس، أو أنّها حائزة على موافقة رياضية مسبقة، مثل π أو أن تكون مشتقة من الملاحظة. مثال: سرعة الضوء القابلة للتحقق التجريبي.
النظرية التي تحوي على ما يسمّى متغيرات حرة، أي مؤشرات قياس لا يمكن تقييدها بالملاحظة، أو حتّى الملاحظة غير المباشرة، غير قابلة للاختبار. نظرية السعر الهامشي غير قابلة للاختبار تماماً لهذا السبب. لنفكر بمخططات العرض والطلب الكلاسيكية التي يتمّ تدريسها في كليات الاقتصاد.
ستكون لدينا الكمية المباعة «q» والسعر «p». سيتم تدريس تنبؤ المبيعات كتداخل بين S«q» وD«q».
سيبدو تداخلهما وكأنّه علمي ويمنح القدرة على التنبؤ، باستثناء أنّ المناهج التي تدرسها لا تعطينا صيغة صريحة على S«q» وD«q». لا يتمّ حتّى إخبارنا بالشكل الوظيفي لكلّ من S وD. هل يعملان كقطعٍ مكافئ؟ أم كقطعٍ زائد؟ أم بشكلٍ أُسّي؟
إن قال عالم فيزياء بأنّ مدار النجوم حول المجرة يمكن تحديده من خلال المسارات التي تتساوى فيها وظيفتان، ثمّ أهمل بعد ذلك تقديم أيّة صيغة للوظائف، فلن يؤخذ على محمل الجد. لكن بما أنّ نظرية السعر النيوكلاسيكية ليست علماً تجريبياً، بل فرعاً من فلسفة الأخلاق البرجوازية، فمسائل مثل الشكل الرياضي أو القابلية للتجريب يتمّ تجاهلها.
يُدَرّس البروفسورات هذه النظريات للتلاميذ السذج. يتمّ إبهارهم بتداخل منحنيات ثابتة بصرياً. لا يكلفون أنفسهم عناء إعطاء أيّ صيغ صريحة للمنحنيات التي يرسمونها. لكن لنفترض أننا سنأخذهم بكلماتهم. لنفترض بأننا سننظر إلى النص النموذجي للاقتصاد التمهيدي للولايات المتحدة، ونحاول أن نكتشف الصيغة التي يستخدمها المؤلفون من أجل منحنياتهم. سنخرج بالمعادلة التالية: S(q)=a+bq+ cq^2 + dq^3
لدينا 4 مؤشرات، ويجب أن تكون جميعها مثبتة بالملاحظة، لتخلق نظرية قابلة للقياس.
يُفترض بنظرية السعر أن تشرح رقمين: p وq. لكنّها تضطر من أجل ذلك إلى إنشاء ثماني قيم متغيرة مجهولة. لا تخبر المناهج التلاميذ بكيفية اشتقاق هذه المتغيرات. لنفترض بأننا سنأخذ بعض الصناعات في التصنيف الصناعي النموذجي، وأن نسأل كيف نشتقّ دالات S وD لهذه الصناعات، لن نجد أجوبة في مناهج التدريس... لكن لماذا؟
الهراء
السبب، أنّ النظرية قد تمّ تعريفها بحيث تجعل من المستحيل بشكل منهجي وضع معايير تجريبية. يمكن فقط ملاحظة رقمين من كلّ صناعة– مثال: أطنان من منتجات القمح المطحون، والسعر الكلي الذي بيعت فيه. ليست هناك من وسيلة للعودة إلى المتغيرات الحرة تبعاً لأنّ التغير في السعر أو الكمية كما يشرح ساميولسون هو نتيجة للتغيّر في كلّ من S وD أو كليهما. لذلك من المستحيل من حيث المبدأ استخدام الملاحظات لتصحيح المتغيرات الحرة، لأنّ أيّ تغيير في السعر أو الكمية يُعزّى إلى تغيير وظائف العرض أو الطلب. لدينا هنا نظرية غير قابلة للاختبار حتّى في المستوى البدائي.
بينما على العكس من ذلك، يمكن لنظرية قيمة قوة العمل أن تحدد العلاقات بين الملاحظات التجريبية:
λ_i هي عدد سنوات الجهد التي بذلها الشخص– بشكل مباشر أو غير مباشر– لإنتاج مُخرجات i th في صناعة في التصنيف الصناعي.
V_i هي القيمة النقدية لمخُرجات i th في التصنيف الصناعي.
تقول النظرية: إنّ هاتين القيمتين مرتبطتان بشكل خطّي، لهذا V_i=[(Mλ)] _i حيث هناك فقط مُتغيّر حر واحد فقط، هو M الذي يصفه الاقتصاديون الماركسيون بالمكافئ النقدي لوقت العمل.
كلّ مؤشر مرتبط بما يمكن ملاحظته كما ينبغي أن تكون عليه الحال في النظرية العلمية. ولهذا يمكن التحقق منها تجريبياً، وقد تمّ بالفعل التحقق منها تجريبياً. هناك العديد من الدراسات التي أجراها الاقتصاديون الماركسيون للتحقق من ذلك. لنأخذ مثالاً واحداً فقط: وجد كوتريل وكوكشوت أنّه ضمن 49 صناعة أمريكية في التصنيف الصناعي النموذجي، الارتباط بين λ و Vهو 98.3٪. هذا ترابط قوي بكلّ تأكيد، فهو يعني بأنّ محتوى العمل في الناتج الصناعي يفسّر أكثر من 98٪ من التباين في القيم النقدية لتلك الصناعات.
يتطلّب العلم نتائج قابلة للتكرار. نظرية قيمة قوّة العمل قادرة على منحنا هذه النتائج. هناك ارتباطات شبيهة تمّ الحصول عليها في دراسات في ألمانيا والسويد و12 اقتصاداً رأسمالياً آخر.
لهذا نعلم أنّه وفقاً لمعايير الصرامة المعتمدة في العلوم، فأعمال جيفونز ومارشال وساميولسون... إلخ هي عبارة عن تنجيم، والذين لا يزالون حتّى اليوم يأخذون بهذا التنجيم لا يمكن أن نأخذهم على محمل الجد.
بتصرّف عن:
Jacobinism and the labour theory of value
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1076