صناعة السيارات الكهربائية والاتحاد الأوروبي: انهيار آخر؟
ماتيو غادي وناديا غاربيليني ماتيو غادي وناديا غاربيليني

صناعة السيارات الكهربائية والاتحاد الأوروبي: انهيار آخر؟

في أوروبا، خلق كلّ من عدم التوازن في بنية قطاع صناعة السيارات– وهو ذاته ناجم عن تحرير حركة رأس المال والشركات– وكذلك عدم وجود سياسات صناعية واضحة، مزيجاً قاتلاً خطراً على وظائف ملايين العمّال الأوروبيين، تماماً كما يخلق خطراً على تغيير قطاع السيارات الأوروبي بشكل حاسم.

ترجمة: قاسيون

تتطلب التغييرات في أنماط التنقل والبيئة تحولاً في أنظمة تسيير المركبات، الأمر الذي يعني تدخلاً سياسياً قوياً، قادراً على الجمع بين الأهداف الصناعية والاجتماعية والبيئية. السماح للسوق بتحديد كيف ومتى وبأيّة تكلفة يحدث هذا التحوّل، سيعني حتماً نتائج كارثية للعديد من الصناعات، والكثير من العمّال بالتأكيد، وكذلك قد يؤدي لفواجع لبلدان بأكملها.

شهدت أوروبا في العقود الأخيرة إعادة توزيع هائلة لقدرات وحجم إنتاج السيارات بين بلدانها. تقلصت كميات الإنتاج بالعموم، وقلّت معها الوظائف المصاحبة لها، رغم حدوث ذلك بشكل متباين بين البلدان. ففي الوقت الذي حافظت فيه ألمانيا على دورها كبلدٍ صناعي رئيسي، شهدت إيطاليا انخفاضاً في إنتاجها للسيارات لتصل إلى مستوى دول مثل رومانيا وهنغاريا. على النقيض من ذلك، شهدت بلدان وسط وشرق أوروبا– إلى جانب تركيا– زيادات كبيرة جداً في أحجام الإنتاج. شركات تصنيع السيارات الكبرى هي التي حددت ونفذت إستراتيجيات الموقع والاستثمار في هذه البلدان، ولا سيما المنتجين الألمان والفرنسيين.

من سمات الاتحاد الأوروبي في هذه العملية غيابه التام عن صوغ السياسات الصناعية في قطاع السيارات. أو ربّما الأصح. غياب الاتحاد الأوروبي هو خيار يهدف لضمان قدرة صانعي السيارات الكبار على إعادة تنظيم إنتاجهم على أساس المزايا الاقتصادية للبلدان التي ينشؤون فيها مصانعهم «تكاليف عمالة منخفضة، وتشريعات اجتماعية متدنية... إلخ».

الخطط الوطنية الناقصة

في غياب وجود إجراءات منسقة، اعتمدت العديد من البلدان خططاً وطنية تتضمن تدابير وإجراءات على كلّ من جانب الطلب «حوافز لشراء سيارات صديقة للبيئة، وحوافز لتجديد أساطيل المركبات المملوكة للدولة والبلديات... إلخ»، وكذلك من جانب العرض «دعم الاستثمارات، والسلاسل الصناعية... إلخ».

كان لهذه الخطط الوطنية جانبان على الأقل مثيران للقلق: أولاً: هناك عدد قليل من البلدان التي تمتلك مثل هذه الخطط الوطنية «ألمانيا وفرنسا وإسبانيا»، بينما لم تجهّز البلدان الأخرى نفسها بأيّة أدوات للعمل. ثانياً: لهذه الخطط آفاق وطنية حصرية تزيد من خطر زيادة المنافسة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدلاً من التعاون والتنسيق فيما بينها.

يُظهر هذا النقص في السياسات الصناعية الأوروبية خلاصة هشاشته في مجال بطاريات السيارات الكهربائية– منتج المستقبل. يتم بهدف اللحاق بالمنتجين الآسيويين التخطيط لاستثمارات جديدة في أوروبا لبناء القدرة الإنتاجية، لكنّ تقرير وتخطيط إنشاء وتشغيل مصانع البطاريات الجديدة للسيارات الكهربائية هو امتياز حصري للشركات الخاصة، دون أيّ تخطيط أو توجيه من جانب السلطات العامة الأوروبية.

من هنا نرى بأننا قريبون من أن نشهد منافسة جديدة شرسة على وشك الانطلاق بين الدول الأوربية.

السيارات الهجينة والسيارات الكهربائية

عندما يتعلّق الأمر بالمركبات الكهربائية– رغم أنّ اصطلاح «كهربائية» العام يستخدم للدلالة على جميع الأنواع، فهناك اختلافات كبيرة بينها في الواقع: هناك المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، والمركبات الهجينة، والسلاسل- الهجينة، والمتوازية- الهجينة، والمجموعة- الهجينة– وجميعها نماذج ذات اختلافات كبيرة فيما بينها. ضمن العائلة الكبيرة من المركبات الكهربائية، هناك الكثير من النماذج المختلفة، يستمرّ معظمها في استخدام محركات الاحتراق الداخلي. هناك فقط «مركبات البطاريات الكهربائية BEV» هي التي يتم دفعها باستخدام محركات كهربائية تعمل بالاعتماد على حُزم بطاريات توفر لها الطاقة، ويتم عادة إعادة شحنها باستخدام شبكة الكهرباء العادية.

يجب أن يكون هذا الاختلاف واضحاً من أجل قراءة بيانات حصص السوق لتقنيات دفع المركبات المختلفة بشكل صحيح، ووضع إطار لمسألة المكونات مع نتائجها الطبيعية لمستويات توظيف وتشغيل العمالة.

يستلزم إنتاج المكونات اللازمة لصناعة سيارة تعمل بالبطاريات الكهربائية عمالة أقلّ بكثير من تلك اللازمة لصناعة مركبات الاحتراق الداخلي، بينما تحتاج سيارات المحركات الهجينة إلى معظم الأجزاء والمكونات في الموجودة في السيارات التقليدية. لهذا يشير تيّار إلى أنّ السيارة الهجينة هي التي يمكنها أن تخدم الأهداف البيئية، وأن تحافظ على مستوى عمالة اجتماعية مرتفع نسبياً في أوروبا.

لكن حتّى في هذه الحالة، لم يعتمد الاتحاد الأوروبي أيّة مبادئ توجيهية بخلاف مستويات الانبعاثات، تاركاً جميع القرارات المتعلقة بالخيارات الصناعية والاستثمارية للسوق. كما أنّ غياب سياسات أوروبية مشتركة يهدد بترك مشكلة سلسلة التوريد اللازمة لإنتاج البطاريات دون حل، ما يجعل أوروبا في حالة اعتماد كبير على الدول الأجنبية.

ليست المسألة هنا مقتصرة على الاعتماد على المواد الخام، والتي يعتمد توافرها بشكل واضح على مناطق جغرافية مختلفة، ولكن أيضاً وقبل كلّ شيء على المراحل الصناعية. كمثال: تكرير الكوبالت والليثيوم والنيكل والمنغنيز، مرحلة مختلفة عن إنتاج الكاثود، وعن إنتاج خلايا البطاريات... إلخ. في جميع هذه المراحل الصناعية، تعتمد أوروبا بشكل كلّي على إنتاج الشركات في مناطق جغرافية أخرى، لا سيما في قارة آسيا.

لا بنية صناعية مناسبة

مع تطوير السيارات الكهربائية، دون وجود بنية صناعية أوروبية مناسبة، سيزداد اعتماد الأوروبيين على الخارج وما ينتج عن ذلك. لكن من جديد، اقتصر عمل المفوضية الأوروبية على إطلاق المبادرات المتعلقة فقط بالبحث والابتكار والنشر الصناعي للحلول المبتكرة. باختصار: لا يوجد استثمار مباشر في إنشاء هكذا بنية.

في إيطاليا كمثال، يواجه قطاع السيارات خطراً كبيراً بسبب تعريضه لنتائج إنشاء شركة Stellantis، وهي الناجمة عن دمج الشركة الفرنسية PSA مع الشركة الإيطالية FCA.

ستحدد القرارات التي يتخذها المكون الفرنسي في Stellantis مستقبل الشركة: مثال، تمّ تبني الهندسة التكنولوجيّة لـ PSA الفرنسية في إنتاج مركبات بكميات كبيرة للسوق، مع عواقب مؤثرة على جميع المكونات. يمكن قول الشيء ذاته عن خيارات توليد الطاقة.

بالنسبة للموردين الإيطاليين، ينتظرهم مستقبل مقلق للغاية، ولم تقم الحكومة الإيطالية باتخاذ أيّ إجراء لحماية مستويات التوظيف والتشغيل والهيكل الصناعي الوطني. لسوء حظّ العمّال الإيطاليين والشركات الموردة، حتّى «خطّة التعافي والصمود الوطني» التي تبنتها الحكومة الإيطالية للاستفادة من التمويل الذي توفره خطّة «الجيل القادم» الخاصة بالاتحاد الأوروبي، لا تنصّ على تزويد القطاع العام بقدرة تدخّلية بهدف توجيه وإرشاد قطاع صناعة السيارات والمركبات شديد الأهمية.

ليس من الصعب توقّع ما سيحدث في حال استمرار الأمور على حالها: تزايد الاعتماد الاتكالي «للجنوب الأوروبي» على «الشمال الأوروبي»، مع زيادة في هجرة وانتقال القيمة الزائدة من مواقع أوروبا الطرفية إلى المركز الأوروبي.

المصدر: Autos and the European Union: Another Crash?

معلومات إضافية

العدد رقم:
1048
آخر تعديل على الأحد, 26 كانون1/ديسمبر 2021 00:35