أزمة الغذاء العالمية تضرب الأمريكيين بقسوة
أدّى المناخ القاسي لهذا العام، والذي تسبب به التغيّر المناخي، إلى التأثير على المحاصيل بشكل شديد ومتطرّف لم يشهد له الفلاحون والمزارعون مثيلاً في حياتهم.
تسببت موجات الحر والجفاف التي طال أمدها في الولايات المتحدة في انهيار إنتاج الذرة وفول الصويا واللوز والعسل والحمضيات والأفوكادو لهذا العام، وارتفعت أسعار هذه المنتجات بشكل يثير الرعب.
فإذا أخذنا مزارع الذرة في مينيسوتا كمثال، وقبل عدّة أسابيع من حلول موسم الحصاد، تعرّض مزارعو الذرة لضربة مزدوجة من الجفاف والأضرار الناجمة عن الرياح والعواصف في جنوب غرب الولاية. حيث كانت هناك أراضٍ هائلة قد تمّ تسوية إنتاجها بالأرض، وما بقي بالكاد يصلح للحصاد.
وقد علّق الخبراء على محاولات الفلاحين إنقاذ الذرة الموجودة على الأرض بأنّها أمر صعب، ويمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسيّة على المدى الطويل، فالفلاحون يخاطرون بجرّ النباتات من جذورها، ما سيسحب التربة معها ويؤدي غالباً للإضرار بنقاء الحبوب.
قال ميتش آغر، صاحب مزرعة الذرة الكبيرة في المنطقة: «أفكّر مع عائلتي بأن نأتي بمربي الماشية إن كانوا يستطيعون قطعها بينما لا يزال لدينا الوقت... لا نعلم ماذا نفعل، ولهذا نلجأ لخيارات قاسية».
يمكننا أخذ مثال آخر عن الكارثة: النحل. حيث ضرب الجفاف منتجي العسل، وقتل أعداداً هائلة من النحل في شمال داكوتا، وهي الولاية الأكثر إنتاجاً للعسل في الولايات المتحدة. إنّ آثار الجفاف لن تقتصر على منتجي العسل وحسب، فالنقص في مستعمرات النحل القوية يعرّض جميع محاصيل الساحل الغربي الأمريكي، مثل: اللوز والخوخ والتفاح، للخطر. يعني هذا أنّ تأثير الجفاف على شمال داكوتا سيصل إلى ما أبعد من حدودها بكثير.
توجد واحدة من كلّ خمسة مناحل في الولايات المتحدة، البالغ إجماليها 2,7 مليون، في شمال داكوتا، وهذه المناحل ضرورية لتلقيح عشرات المحاصيل في الساحل الغربي بأكمله، بما في ذلك الكرز والخوخ واللوز والتفاح. في 2020 بلغ إجمالي الدخل من التلقيح في المنطقة 254 مليون دولار وفقاً للبيانات الحكومية، حيث اعتاد النحّالون على نقل مناحلهم إلى المناطق ذات الأجواء الأكثر اعتدالاً في فصل الشتاء والخريف، مثل: كاليفورنيا.
توقّع ميلر، النحّال والخبير في المناحل، أن ينخفض إنتاج المنحلة الواحدة إلى 30 رطلاً، وذلك بالمقارنة مع 50 رطلاً في السنوات الماضية، وهو الرقم الأسوأ منذ 52 عاماً. ارتفعت أسعار العسل هذا العام بنحو 15 إلى 20% مع شحّ الإمدادات.
أعلنت الشركة التي تنتج 25% من عسل الولايات المتحدة بأنّها تتوقّع انخفاضاً في الإنتاج هذا العام يصل إلى 40%. وقد أعلنت الخبيرة الاقتصادية الزراعية من جامعة كاليفورنيا، بأنّ إنتاج اللوز في كاليفورنيا، والذي يمثّل 80% من الإنتاج العالمي، سيتعرض لضربة كبيرة في الشهرين القادمين بسبب آثار الجفاف في شمال داكوتا، والجفاف في كاليفورنيا.
الضربة القاضية
وجّه إعصار آيدا الضربة القاضية: الموانئ الزراعية الرئيسية في نيوأورلينز مغلقة اليوم،اونخفضت أسعار الذرة في شيكاغو إلى أدنى مستوى لها في سبعة أسابيع، حيث أثار تعطّل مصاعد الحبوب وانقطاع التيار الكهربائي في أكثر الموانئ الزراعية ازدحاماً في الولايات المتحدة مخاوف بشأن إمدادات الحبوب العالقة.
إعصار آيدا أدّى إلى قطع الكهرباء عن أكثر من مليون منزل وشركة في جنوب لويزيانا، وأدّى إلى إغلاق محطات التصدير في نيو أورلينز. مع الأخذ بالحسبان أنّ سلاسل الإمداد الغذائي كانت تعاني بالفعل من ضغط شديد بسبب الوباء، مع النقص في كلّ شيء: من مستلزمات التعبئة إلى سائقي الشاحنات.
الولايات المتحدة هي أكبر مورّد للذرة في العالم، وحوالي ثلث صادراتها من الحبوب والصويا تخرج من الموانئ المحيطة بالعاصمة الجنوبية. قد يؤدي الأمر إلى حدوث تخمة في العرض يكسر الفلاحين في الغرب الأوسط من البلاد، الذين بدؤوا الآن بحصاد محاصيلهم.
انخفضت العقود الآجلة على الذرة لشهر كانون الثاني في شيكاغو بنسبة 3,2%، إلى قرابة 5,2525 دولار لمكيال الحبوب البوشل، وهي أدنى ثمن منذ منتصف حزيران. كما أنّ حبوب صويا تشرين الثاني يسقط ثمنها. كما تراجعت العقود الآجلة على فول الصويا بنسبة 3,4%.
كندا بدورها عانت من الجفاف بشكل كبير. ففي البلد الذي يحوي أكبر مزارع للكانولا في العالم، يتوقّع المزارعون حصاد أصغر محصول من البذور الزيتية منذ تسعة أعوام. كما يمكن أن يصل تدني الإنتاج إلى أدنى مستوى في 14 عام. وانخفضت عقود الكانولا الآجلة في الولايات المتحدة بنسبة 1,3%.
وقد أكّد العلماء بأنّ شدّة وكثافة إعصار آيدا ناجمة عن تغيّر المناخ، حيث أنّ أهمّ عامل في اشتداد قوّة الإعصار هو الماء الدافئ في الخليج، والذي كان أكثر سخونة من المتوسط العام بشكل كبير. وقد نوّه الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيرّ المناخ في تقريره البحثي إلى احتمال حدوث هذه الأعاصير القاتلة.
ما الجديد هنا؟
تسري نقاشات كثيرة بين المزارعين، باعتبارهم قد تضرروا بالفعل من الآثار الصحيّة والاقتصاديّة التي خلفها انتشار وباء كوفيد-19، تتعلّق بالتوقّف عن الزراعة كليّاً.
لقد تسببت موجات الحر منذ شهرين في ولايتي أوريغون وواشنطن بمقتل مئات الأشخاص، وتعرّض العمال للخطر في جميع أنحاء المنطقة. ولم تزد الكارثة الطبيعية المتمثلة بالجفاف إلّا اللعنة التي تضرب الولايات المتحدة وخصوصاً جزأها الغربي، حيث ناشدت السلطات في كاليفورنيا الناس لتقليل استخدامهم للمياه بنسبة 15%، وتداعيات ندرة المياه وارتفاع أسعارها كان واضحاً.
أجبر هذا المزارعين ومربي الماشية على الأخذ بالاعتبار مستقبلاً- بلا مياه كافية. منذ 2015- كمثال، والقصص تتابع عن قيام أصحاب مزارع اللوز باقتلاع أشجارهم مجبرين لكونها عطشى، وتأمين المياه لها يكلّف أكثر بكثير ممّا تجلبه من مال، بعد أن كانت يوماً من أكثر الأشجار تحقيقاً للعائدات إلى جانب الخوخ والحمضيات والأفوكادو والجوز.
قرر بعض المزارعين إخراج جزء من أرضهم من الإنتاج، بينما بدأ آخرون بالشعور بأنّ الأمر لا يستحق الجهد الذي يبذلونه، ويقومون اليوم بهجر الزراعة. يمكننا أخذ مثال ما نشرته دراسة لسوميني سينغوبتا، من أنّ قلب كاليفورنيا الزراعي: وادي سان خواكين، يتوقّع أن يفقد بحلول عام 2040 أكثر من عُشر إنتاجه الزراعي. ومن المهم أن ندرك بأنّ كاليفورنيا مسؤولة عن إنتاج ثلثي الإمدادات الأمريكية من الجوز والفواكه، وأكثر من ثلث الإنتاج الأمريكي من الخضراوات.
القادم قد يكون أسوأ
كما قال مارك مولر، مدير رابطة مزارعي الذرة في آيوا: «في عام طبيعي كنّا سنشهد موجة حر واحدة، أو موجة جفاف واحدة، أو موجة برد واحدة. لكننا شهدناها جميعها هذا العام».
ارتفعت أسعار الأغذية بشكل هائل، فمتوسط أسعار الذرة وفول الصويا وصل أعلى مستوياته هذا العام، حيث ارتفعت الأسعار قرابة 63% و48% على التوالي منذ آب 2020. كما ارتفع سعر القمح بنسبة 40% في الفترة ذاتها.
كانت مستويات الجوع العالمية في ارتفاع منذ ما قبل الوباء. وكما حذّرت الأمم المتحدة في أواخر العام الماضي، فلن يتمكن العالم من تحمّل تكاليف إنتاج الغذاء إذا لم تحلّ مشاكل الصحّة والمناخ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1034