المعابر.. بين الضرورة والتلاعب
يركّز الغرب اليوم على ملف المعابر، ويضع قضية مصير معبر باب الهوى الملف رقم واحد في الأزمة السورية الآن، والمسألة ستحسم في اجتماع 10 تموز لمجلس الأمن لمناقشة تمديد القرار 2533: هل سيمدد فتح معبر باب الهوى، أم سيستأنف إعادة فتح معابر أخرى خارج سيطرة الحكومة، أم ستغلق كل المعابر الحدودية، وتصبح المساعدات محصورة بالوصول إلى دمشق وعبر المرافئ السورية؟!
تشير تقديرات منظمة OCHA للأمم المتحدة، بأن حجم المساعدات المتدفق عبر الحدود في عام 2020 قارب: 300 مليون دولار، وصلت عبر معبر باب الهوى في إدلب. وهذه المساعدات هي المخصصات الدولية التي يعتمد عليها ما يقارب 2,6 مليوني نازح في منطقة إدلب، والتي تديرها حكومة الإنقاذ التابعة عملياً لجبهة النصرة/ هيئة تحرير الشام. هذه الكتلة من المساعدات التي تمر عبر الأمم المتحدة، هي شريان بقاء للملايين في إدلب، ولكنها أيضاً شريان تمويل لحكومة الجولاني، في واحدة من المفارقات الجنونية للأزمة السورية.
القرار 2533 والمساعدات العابرة للحدود
منذ عام 2014 وفي ذروة الصراع المسلّح في سورية، وبدايات انقسام المناطق السورية باعتبارها: (خارج السيطرة- ضمن السيطرة). بدأ المجتمع الدولي بتنظيم المساعدات الدولية لتأخذ شكل مساعدات مخصصة لمناطق بعينها، وقد أخذ هذا التنسيق شكل قرار مجلس الأمن 2533. وبناء عليه شكّلت مجموعة من الدول الغربية صندوق سورية للمساعدات العابرة للحدود، وهو الأكبر من نوعه عالمياً، وأبرز مموليه: الولايات المتحدة، وألمانيا. الصندوق مع منظمات ومشاريع إغاثية متعددة تديرها الأمم المتحدة، بدأ بنقل المساعدات عبر المعابر التي أصبحت بمعظمها خارج سيطرة الحكومة السورية: باب الهوى في إدلب، باب السلامة في حلب، اليعربية في الجزيرة، والرمثا في درعا، وتحوّلت خطوط الإغاثة هذه إلى أساس اقتصادي تستفيد منه بالمحصلة القوى العسكرية المتحكمة بالمناطق التي يرفدها المعبر، ويتحكم الممولون من خلالها بمصائر هذه القوى والمجتمعات في هذه المناطق.
استمرت هذه العملية تقريباً حتى العام الماضي 2020 عندما قلّص الفيتو الروسي والصيني المعابر التي تمرّ منها المساعدات الدولية إلى معبر واحد هو: باب الهوى. وذلك بعد مفاوضات أراد منها الطرفان أن يتم توزيع المساعدات عبر الجهات الرسمية السورية، لتوزّع لاحقاً إلى المناطق والمحتاجين السوريين في كافة المناطق عبر المعابر الداخلية.
بينما الأطراف الغربية اعتبرت أنّ هذه العملية لن تضمن وصول المساعدات إلى المناطق الأخرى، واستنفرت قوى سياسية وجمعيات دولية للحيلولة دون إغلاق المعبر الأخير الخارج عن سيطرة الحكومة. وأيدتها الأمم المتحدة ومنظمة OCHA في تقريرها قائلة، بأن 2020 مثّل تجربة لمدى نجاح انتقال المساعدات من مناطق الحكومة إلى المناطق الأخرى، حيث بعد إغلاق معبر اليعربية لم تنجح العديد من عمليات نقل المساعدات إلى المنطقة الشمالية الشرقية عبر مطار القامشلي، وتمّ تأخير معظمها، أي بالعموم، تقوم الذريعة الغربية على فكرة عدم الثقة بالسلطات السورية «المعاقبة».
وظيفة معبر باب الهوى
عملياً معبر باب الهوى يحقق عوائد لهيئة تحرير الشام، والمساعدات الدولية التي تمر عبره تمر تحت غطاء الأمم المتحدة، ولكن جزءاً هاماً منها يتحول إلى مصدر تمويل لهذه المجموعة الإرهابية. وعلى هذا الأساس تحديداً فإن الموقف الروسي للدفع نحو إغلاق معبر باب الهوى، هو ضغط سياسي لبحث وضع جبهة النصرة وتواجدها في إدلب.
فحكومة الجولاني تفرض رسوماً على عبور المساعدات، بأكثر من 1000 شاحنة شهرياً، وفق تصريحات مارك لوكوك مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية. وتستطيع أن تتحكم بتوزيع ما قيمته 300 مليون دولار تمر عبر (المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية) العاملة في المنطقة.
يضاف إلى هذا، أنه بعد قانون قيصر أصبحت المساعدات حتى لمناطق الشمال الغربي أكثر مراقبة سياسياً عبر الولايات المتحدة، وبالتالي أصبحت أكثر تنسيقاً وارتباطاً عبر تهديد أعمالها في حال عدم التنسيق مع الولايات المتحدة او منظومة العقوبات.
الفيتو لن يوقف المساعدات الإنسانية تماماً كما يُشاع، ولكنه سيرفع عنها غطاء الأمم المتحدة. وسيصبح الممولون مضطرين لإيجاد صيغ أخرى أكثر شفافية بالجهات الممولة، كما سيتطلب هذا تنسيقاً أعلى مع تركيا، وبالتالي مع أستانا.
إن نزع غطاء الأمم المتحدة عن معبر باب الهوى، سيجعل عبور التمويل أصعب، وهذا سيعقّد الوضع على إدارة هيئة تحرير الشام لمنطقة إدلب (المكتظة بالسكان والتي يتواجد فيها ملايين النازحين قرابة نصفهم في العراء)، ستصبح مهددة جدياً بالضغط الاجتماعي عالي المستوى فيما لو توقفت مساعدات الغذاء ولو لفترة قصيرة. وعملياً تعطيل المعبر قد يتحول إلى معطى سياسي هام لتغيير الواقع في إدلب، ولكن قد يحصل هذا عبر جوع السوريين، الأمر الذي قد يفتح احتمال تهديد تركيا بانتقال ملايين من السوريين الجوعى، وعبورهم للحدود.
فعملياً، وبغض النظر عن أرباح جبهة النصرة، فإن قساوة أمر الواقع السوري تقول: إن 75% من السوريين المتواجدين في إدلب وأجزاء من ريف حلب يعتمدون على هذه المساعدات كأساس لتأمين حاجات استمرارهم، وتحديداً أن من بينهم مليون نازح مقيم في مخيمات ريف الشمال السوري، وهؤلاء هم الشريحة السورية الأكثر ضعفاً.
المساعدات الواصلة إلى دمشق
إن المساعدات المهددة بالتوقف والبالغة 300 مليون دولار سنوياً، هي جزء قليل من مجموع المساعدات الدولية الداخلة إلى سورية والواصلة بالتنسيق مع الحكومة السورية، والتي قاربت في 2020: 2,4 ملياري دولار. (مجمل المساعدات 2,7 مليارين، 300 مليون منها عبر باب الهوى). وعملياً هذه الأرقام توضّح بعض الجوانب...
فهي أولاً: تسقط الذريعة الغربية بأن الإصرار على معبر باب الهوى هو من منطلق عدم الثقة بالحكومة السورية وبدافع إنساني، فعملياً نسبة 88% من المساعدات تمر بالتنسيق مع الحكومة. ولا نرى أية جهة دولية تندد بالممارسات الواقعية التي يراها السوريون بأمّ أعينهم في أسواق دمشق، حيث المساعدات الدولية هي مصدر هام لبضاعة السوق، وهذا ليس نتيجة هامشية لبيع السكان لحصصهم الغذائية أوغيرها، بل هو حصص سوقية لقوى الأمر الواقع التي يتم التنسيق معها، والتي تحصل على المساعدات من المنبع.
كما أنّه إشارة إلى مستوى ضعف وفشل المساعدات، وعدم نزاهتها... فعملياً لا يوجد أثر اقتصادي جدي لكتلة مساعدات عينية ومالية تزيد عن 10% من الناتج السوري. والمساعدات أيضاً هي وسيلة إثراء للقوى المتنفذة التي تستطيع أن تنسق بين منظمات الأمم المتحدة والمنظمات المحلية والدولية، التي تنبت كالفطر وتعتاش على مليارات المساعدات.
مجلس الأمن سيناقش في 10 تموز تمديد العمل بالقرار 2533 وتحديداً إبقاء معبر باب الهوى أم لا، ومصير هذا النقاش قد يحمل دلالات سياسية للمرحلة القادمة، وتحديداً حول مصير التمويل غير المباشر لحكومة الجولاني عبر مساعدات معبر باب الهوى. ولكن هذا النقاش لن يعني شيئاً هاماً بالنسبة لملايين السوريين المحتاجين بشكل ملح للمساعدات من إدلب إلى الجزيرة وحتى دمشق ودرعا. لن يعني سوى تحوّل جوعهم إلى ورقة سياسية، بينما كل المساعدات الدولية سواء الواصلة إلى قوى النفوذ في إدلب أو المليارات الواصلة عبر المعابر النظامية، ليست أكثر من أداة إثراء لقوى الأمر الواقع المتوزعة على مناطق البلاد. ولا سبيل للوصول إلى مساعدات جدية للسوريين إلا عبر نظام سياسي جديد يشمل البلاد كلها، ويثق به السوريون جميعهم، وحينها فقط يمكن للمساعدات والتعويضات الدولية المستحقة لبلادنا وشعبنا أن تتحول إلى (مساعدات إنسانية) لأنها اليوم أداة سياسية بالدرجة الأولى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1025