أزماتنا الكبرى تُواجَهُ (بصيحات الصبر)

أزماتنا الكبرى تُواجَهُ (بصيحات الصبر)

لا تلبث الأزمة الاقتصادية السياسية الاجتماعية التي تشهدها البلاد تصل إلى عتبة، حتى تقفز إلى عتبة أخرى... فمن انهيارات الليرة وتقلبات الدولار وموجة ارتفاع كبرى في أسعار الغذاء، إلى تعطل واسع في حركة المواصلات خلال أقل من شهر مضى، وكل هذا في ظل استمرار أزمتي الوباء والخبز، وكل منهما حمل ثقيل حتى على بلاد تقف على قدميها، فما بالكم بسورية المتعبة!

وسط كل هذا تتعالى صيحات (الصبر وتوصيات الصمود) وإجراءات من الطابع: (التنظيمي الإداري). كأن نُغير طريقة توزيع الخبز وسط نقص القمح، وأن نُغير طريقة وتوقيتات توزيع البنزين وسط انعدام البنزين، وآخر الصيحات أن نُغير طريقة توزيع (الصدقة والزكاة) ونجعل الإحسان أكثر تنظيماً وفعالية ينتقل بسلاسة من (المتصدّق إلى المتصدَّق عليه)، بينما الجشع وتبييض الأموال والطغاة يحومون في كل مكان، وهم الظل الذي يغطي كل (النور والعطاء الرسمي) وربما يجعلنا غير قادرين على رؤيته!

بالفعل، اليوم يتفاعل السوريون بطريقة واحدة مع كل ما يتعلق بالإجراءات المتبعة لمواجهة الأزمة رغم اختلاف تجلياتها: جميعهم (نفضوا أيديهم) من أية عملية انتشال، بل حتى ترميم أو إسعاف تأتي من دوائر صنع القرار المحلي.

فمن الهائمين على وجوههم وسط الجوع ومستحقات الاستمرار اليومي، إلى الغاضبين المنتقدين الذين سقطت الغشاوة عن أعينهم مؤخراً، مروراً باللاجئين للسخرية، الباحثين عن تأويلات لهذه الإجراءات، وكيف تفصّل على مقاس إفادة قوى الظل الكبرى التي تجمع كل ما يمكن جمعه (إلى أن يفرجها الله)، وصولاً إلى من يوجهون أنظارهم إلى المعطيات الإقليمية والدولية مترقبين ما سيحدث وسط هذا الجنون الذي لا يمكن أن يستمر... وهو سائر لا بدّ إلى واحد من اثنين، إمّا أن يُقْدِم المجتمع على مرحلة جديدة فيها ملامح محتملة من التفتت والتقسيم وصولاً إلى الفوضى والتقوقع في بيئات ضيقة محميّة... يحكمها العنف، وذلك مع التراجع المحتوم في قدرة ما تبقى من سلطات مركزية على ضبط الأزمات ومواجهة التغوّل وإدارة المرحلة. أو أن تأتي الدفعة لتحريك ما هو غير قابل للتحريك بالمعطيات المحلية حالياً، وهي دفعة متمثلة بتوفير بيئة سياسية يتحرك من خلالها (السوريون الأحياء) لفك الألغام الكبرى التي يعيش عليها المجتمع اليوم. بيئة سياسية تمنع التوغّل في التوحّش الذي نشهده حالياً. مفاتيحها الأساسية: أن يُعاد ربط البلاد ببعضها البعض على الأقل بالمنافذ الاقتصادية، وأن يلجم المتشددون جنونهم ويضطروا تحت ضغط الخوف على أنفسهم (لأنهم لا يخافون على البلاد) أن يمتثلوا مع رغبة كل القوى الإقليمية، ومعظم القوى الدولية لإنهاء المستنقع السوري، والسير نحو أيّ توافق يمكن أن يسمح بإيقاف السقوط الحر. بيئة سياسية عدوّها الأول هم الأمريكيون: أصحاب المصلحة الأساسية في منع تشكيلها، الذين إن تجاهلوا الملف السوري كما يدّعون، فإنّ جوهر هذا التجاهل هو استدامة الواقع الحالي نحو الهاوية، بينما مستوى الحركة الدولية والإقليمية للقوى الأخرى يعيقه من ضمن ما يعيقه الجمود والتشدد السوري حتى الآن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1013
آخر تعديل على الإثنين, 12 نيسان/أبريل 2021 13:47