مساحة بحجم درعا وطرطوس معاً... يمكن زراعتها الأراضي الزراعية السورية: أين الزيادة والنقصان؟

مساحة بحجم درعا وطرطوس معاً... يمكن زراعتها الأراضي الزراعية السورية: أين الزيادة والنقصان؟

10% من الأراضي السورية التي زرعت في عام 2010 لا تزال غير مزروعة في عام 2019. ورغم أن النسبة قد تبدو قليلة بالقياس إلى كل النسب العالية والأرقام القياسية التي تسجّلها الأزمة السورية، إلّا أنّنا نتحدث عن مساحة تقارب 520 ألف هكتار: أي: ما يعادل مساحة درعا وطرطوس مجتمعتين! مساحة يمكن بإعادة زراعتها أن تزيد كميات إنتاج الحبوب والبقول وسطياً بمقدار 900 ألف طن.

تتبّع مواضع خسارة الأراضي وفقاً للمحافظات يبدو منطقياً... فالخسارات الكبرى هي في مناطق التوتر، ولكن على الضفّة الأخرى، فإن الاستقرار المجتمعي عامل هام في زيادة المساحات، وليس فقط تعويض ما تمّت خسارته كما يتبين من الزيادة المسجّلة في بعض المحافظات.

الخسارة في مناطق التوتر والمناطق المقسومة!

نصف المساحة غير المزروعة في الحسكة، حيث خسرت الجزيرة 248 ألف هكتار من مساحاتها الزراعية... فالأراضي الشاسعة في المحافظة لا يمكن تخديمها إلّا بأهلها واستقرارهم في مناطقهم، وعلى الرغم من الاستقرار الظاهري في الحسكة إلا أن المحافظة قد خسرت جزءاً كبيراً من أبنائها بدافع الهجرة، وهي أيضاً تشهد أقل معدلات عودة النازحين إلى قراهم الأصلية.
فعملياً قاربت حركة النزوح في الحسكة 540 ألف شخص تركوا مناطق استقرارهم ضمن المحافظة إلى مناطق أخرى... ولكن حتى عام 2020 لم يعد منهم إلّا 92 ألف نازح! وبينما مئات آلاف الهكتارات متروكة بلا زراعة في الشريط الجنوبي الشرقي، وبعض المناطق التي احتلتها تركيا، فإن مزارعيها يعملون في العسكرة ويتجمعون في مناطق النزوح!

الرقة المنكوبة أيضاً خسرت 132 ألف هكتار من أراضيها المزروعة في 2010، بنسبة 22%... أراضي الرقة موزعة من حيث مناطق السيطرة وبشكل تقريبي، فإن السيطرة في الشريط جنوبي وغربي البحيرة والنهر ضمن نطاق سيطرة ما، في جزئها الشمالي تتبع لسيطرة أخرى. وينجم عن هذا أن المحافظة نقطة تماس، وتجري في أراضيها الواحدة سياسات زراعية مختلفة، وبنى مؤسساتية متباينة. الأمر الذي يجعل استعادة الأراضي فيها أبطأ رغم التقدم الحاصل منذ عام 2017 بعد أن خرجت داعش منها مع دمار واسع طال كل شيء. ويزيد من الصعوبة أن زراعة الرقة كانت مخدّمة إلى حد بعيد وترتبط بالدّعم والتمويل الحكومي أكثر من غيرها، باعتبارها مناطق ري وزراعة قطن بجزئها الأعظم، وهي بذلك تحتاج إلى استعادة البنى التحتية الزراعية والتمويل وتوحيد الإجراءات.
في مناطق سيطرة الحكومة مجمل البنية المؤسساتية الزراعية ضعيفة، إذ يظهر مثلاً من الريف الجنوبي الغربي للرقة، حيث وضعت خطة زراعة القمح لتغطي 17200 هكتار، ولكن عملياً تمت زراعة أكثر من 7 آلاف بقليل!

كذلك الأمر في حلب ودير الزور، حيث الخسارة بين 70-74 ألف هكتار في كل منهما... المساحات الخارجة عن سيطرة الزراعة والمزارعين، هي المناطق التي لا تزال تدخل في حمّى الصراع، وإذا ما استثنينا إدلب التي تزرع كامل مساحاتها تقريباً فإن مناطق التوتر هي مناطق خسارة الأراضي، وكل المحافظات المقسومة من حيث السيطرة لم تستعد كامل أراضيها.
ولكنّ، هذا ليس كل شيء، محافظات أخرى أصبحت تعتبر أمنياً مستقرة لا تزال مساحات واسعة من أراضيها الزراعية متروكة، ففي حمص وحماة لا تزال 80 ألف هكتار من الأراضي غير مزروعة: أي: ما يقارب ثلث مساحة سهل الغاب. إن هذه المساحات لم تعد ساحة أمنية، ولكن مناطق واسعة لا تزال خطرة مع تواجد الألغام وبعض الاستهدافات في حماة تحديداً وهذا أولاً، أما ثانياً: فإن المزارعين لم يعودوا إلى الكثير من القرى التي جرى النزوح منها في ريفي المحافظة، وبالتالي يتم استثمارها بشكل غير شرعي وعرضي وغير منظم دون تخديم جدي...

1008-i1

مساحات إضافية مفاجئة في السويداء ودرعا!

بالمقابل، هنالك محافظات شهدت زيادة في أراضيها المزروعة بين عامي 2010-2019... وأربع محافظات أضافت مساحات إلى الأراضي الزراعية قاربت 47 ألف هكتار.
الزيادة الأكبر في السويداء التي أضافت 20 ألف هكتار إلى مساحاتها الزراعية... وهو رقم كبير تحديداً كنسبة من مجمل الأراضي الزراعية، إذْ زاد أهل السويداء أراضي محافظتهم بنسبة 20% تقريباً! وهو رقم ملفت أيضاً بالقياس إلى الطبيعة التضاريسية لأراضي المنطقة، التي يصعب استثمارها أو توسيعها. الحاجة إلى زيادة إنتاج الغذاء وضيق سبل الأشغال الأخرى تدفع إلى توسيع المساحات الزراعية حتى في منطقة الجبل... فعملياً رقم المساحات المزروعة المسجّل في 2019 فاق الرقم الأعلى المسجّل خلال عقدين من الزمن في عام 2002 بمقدار 122 ألف هكتار لزراعة الأراضي.

الزيادة الملفتة في المساحات بالسويداء تشير إلى توسّع عمليات الاستثمار الزراعي والتمويل الخاص وتأجير الأراضي، إذْ لا يمكن أن تتوسع هذه المساحات بتمويل المزارعين الصغار أو المتوسطين... كما أنّ الحكومة لا يصل تمويلها الزراعي إلى أي مكان تقريباً، والسويداء وريفها بعيدان حالياً عن (مال الحكومة).
والزيادة الأخرى الملفتة في درعا، وبمقدار يقارب 13 ألف هكتار تشكّل نسبة 7% من المساحات المزروعة عام 2010! فدرعا التي عاد إليها معظم نازحيها تقريباً بنسبة فاقت 80% من مجمل حركة النزوح المسجّلة، والتي استطاعت طبيعة التسوية أن تبقي شبابها في المنطقة، تشهد نقلات زراعية هامة وملفتة سواء في المساحة، أو في الغلة، وهو ما سنعود إليه لاحقاً.

المنطقة الثانية التي شهدت زيادة في المساحات الزراعية هي دمشق وريفها، حيث زادت مساحاتها المزروعة بمقدار 12 ألف هكتار قياساً بعام 2010، تشكّل 10% من المساحات. فالأراضي الخصبة لريف دمشق وتراجع النشاط العقاري الذي كان يلتهم الأراضي الزراعية في الريف، إضافة إلى القرب من مراكز السوق والتجمعات السكنية، وكثافة الحاجة للغذاء جميعها تجعل المكاسب مغرية وتذلل الصعوبات في وجه توسيع الزراعة. ونتيجة الارتفاع الاستثنائي في أسعار الغذائيات في سوق دمشق وقربها من مراكز التصدير، فإن كل متر قابل للاستثمار الزراعي يتم استثماره، والأراضي التي لا تزال خطرة نتيجة الألغام في بعض مناطق الغوطة الشرقية تمّ تعويضها في ريف دمشق الجنوبي والغربي.
أخيراً، هنالك زيادة أيضاً في طرطوس، ولكن بنسب أقل، حيث توسعت المساحات بحوالي 2000 هكتار، وبنسبة 1,6% قياساً بـ 2010، مدفوعة أيضاً بالعوامل الاقتصادية.

1008-i2

خلاصة

إنّ إعادة زراعة الأراضي تشير إلى عدة مؤشرات، بعضها اقتصادي يشير إلى قدرات الاستثمار الزراعي والدخل المرتقب، واجتماعي يشير إلى استقرار السكان واستعادة مصادر دخلهم. ولكن بقاء 520 ألف هكتار خارج الاستثمار الزراعي يدل على العكس، فالأراضي غير المزروعة تتركز في النقاط التالية:

الحسكة لا يمكن تفسير خروج كل هذه المساحات: 248 ألف هكتار زراعي من أراضيها إلّا بعوامل سكانية بالدرجة الأولى، حيث لم يعد كثير من النازحين إلى قراهم التي خرجوا منها في مرحلة محاربة داعش في 2016-2017.
في الرقة أيضاً لا يمكن أن تعود الزراعة دون بنية تحتية: ري وتمويل بالدرجة الأولى، وكلاهما مفقودان سواء في مناطق سيطرة الحكومة، أو الإدارة الذاتية.
في حمص وحماة الأسباب أيضاً ترتبط بعوامل سياسية، فمستوى عودة نازحي الريف إلى قراهم منخفض، وأراضٍ واسعة يتم استثمارها بشكل عشوائي ومن ميليشيات.

أمّا الزيادات فقد حصلت في مناطق محددة:

السويداء التي زادت مساحاتها بنسبة 20% وهي نسبة استثنائية تشير إلى وجود عمليات تمويل محلية لاستثمار الأراضي الزراعية وتوسع ظاهرة تأجير الأراضي، إذ لا يمكن تمويل هذه الزيادة بدخول المزارعين فقط، وقد يكون لنظام الحوالات دور في زيادة قدرة أهالي الريف على إعادة استثمار أراضٍ متروكة منذ عقدين تقريباً!

في درعا الزيادة قاربت 7% أيضاً و13 ألف هكتار زادت أيضاً بفعل حركة تمويل محلية واستثمار زراعي، إضافة إلى أن كلتا المحافظتين الجنوبيتين بوضعهما الخاص تتوفر فيهما القوّة العاملة الشابة المطلوبة للزراعة، والتي تفتقد في العديد من المناطق الأخرى، مثل: حمص وحماة وتحديداً من أهالي المناطق التي كانت موضع صراع وأصبحت مدارة من الحكومة.

ريف دمشق وسّع مساحات زراعته أيضاً بنسبة 10%، والدوافع الأساسية قد تكون اقتصادية، ونتيجة لارتفاع عوائد الزراعة في المنطقة أكثر من غيرها من المناطق! فالسوق الكبيرة والقرب من مراكز التصدير يرفع أسعار المنتجين نسبياً.
إن عودة أهالي الريف النازحين إلى قراهم الأصلية كفيلة باستعادة جزءٍ هامّ من المساحات... كما أن استقرار البيئة وعدم استنزاف شبابها بالهجرة عامل يبدو مؤثراً في الزيادة. الأراضي المتروكة تنتظر سكانها قبل كل شيء ليعيدوا لها الحياة، لتكون كل المطالب الزراعية الأخرى تالياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1008
آخر تعديل على الإثنين, 08 آذار/مارس 2021 15:59