10 تريليون دولار للإنقاذ في 2020 فقاعة أكبر والأزمة مستمرة
إذا ما نظرنا إلى عام 2020 اليوم فيمكن القول: إن الصدع نشأ وتتم تغطيته حتى الآن بالكثير من الدخان... مصطلح الأزمة الاقتصادية التي تعود إلى الربع الرابع من 2019 يتم امتصاصه بربط الأزمة بالوباء، وبينما تعبرُ بعض الدول المرحلةَ الأولى من الأزمة بإنجازات استثنائية، مثل: إنهاء الفقر في الصين، فإن دول المنظومة الغربية لم تنجز إلّا تضخيم فقاعة ثروات الشركات التي قد لا تستمر في 2021.
الأزمة الاقتصادية في عام 2020 شهدت ردود فعل اقتصادية كبيرة بناء على متغيرات سريعة، مثل: الوباء والإغلاق، وقد تراجع الناتج والتجارة وازدادت البطالة، وبدأت مؤشرات التضخم... وجميعها مؤشرات اقتصادية آثارها لا يمكن أن تكون قصيرة الأجل، حتى في المواضع التي لديها مرونة اقتصادية عالية ودرجة ضبط وتنظيم مرتفعة، كما في الصين، فاستمرار (التعافي) رهن بالمتغيرات الدولية.
2020 الغرب عدم تعافٍ وثروات رقمية
أتت آثار أزمة 2020 أعمق وأكثر حدة في مجموع الدول الغربية، ولا تزال تفاعلاتها مستمرة. إذ تتجلى الأزمة في جانبين متناقضين: عدم التعافي الاقتصادي مقابل الانتعاش المالي الاستثنائي.
وسطياً، تراجع الناتج الإجمالي لمجموع الدول المتقدمة بما يقارب 5.8% في 2020، وخسر العالم ما يقارب 3,6 تريليونات دولار من دخله السنوي، أي: ما يعادل دخلي فرنسا وإسبانيا سوية، وهو التراجع الأعمق منذ 1930. الأزمة أكبر في دول منطقة اليورو التي تراجعت وسطياً بنسبة 8,3%، أما في الولايات المتحدة الخسائر السنوية قاربت 4,3%.
لا مؤشرات صارخة حول التعافي الاقتصادي والعودة إلى النمو في دول المركز، ولكن المؤشرات المالية كانت صارخة منذ شهر 3-2020 وبدأ مستوى استثنائي من جني الأموال في أسواق الأسهم.
شهد شهرا 1-2 من عام 2020 تراجعات كبيرة في سوق الأسهم عالمياً، وأمريكياً على وجه التحديد... فالشركات الكبرى التي تطرح أسهمها للاستثمار في هذه الأسواق لم تكن قد نالت بعد التطمينات بضخ الأموال. وما إن أُقرّت الحزمة الأولى أمريكياً وأوروبياً في شهر 3-2020 حتى امتصت الشركات الأموال السهلة.
وفي عام 2020 ضخّت أربعة بنوك مركزية غربية أساسية: 10 تريليون دولار! وهي الفيدرالي الأمريكي، المركزي الأوروبي، إنكلترا واليابان. فيما أصبح متعارفاً على تسميته (مال الهيلوكبتر) أي: (أموال الضخ وحزمات التمويل التي تصدرها البنوك المركزية الغربية عموماً وفي الأزمات تحديداً).
تضخّمت سوق الأسهم العالمية خلال العام الماضي ثلاثة أضعاف حجم الحزمة، وزادت القيمة السوقية في 2020 بمقدار 30 تريليون دولار، لتصل رقمها القياسي تاريخياً: 100 تريليون دولار. وهي تعبّر عن قيمة رؤوس أموال الشركات الموجودة على شكل أسهم.
شركات تكنولوجيا المعلومات الأمريكية هي الرابح الأكبر بطبيعة الحال، حتى أصبحت القيمة السوقية لهذه السوق الأمريكية تعادل مجمل سوق الأسهم الأوروبية وبمبالغ قاربت 9,1 تريليونات دولار مقابل 8,9 تريليونات. بينما لم تكن المعادلة على هذا الشكل في 2007 حيث كانت السوق الأوروبية أكبر من الأمريكية أربع مرّات!
تضخمت بالدرجة الأولى شركات (وادي السيلكون) التي ازدادت بنسب قياسية خلال النصف الأول من 2020: أمازون 80%، آبل 66%، مايكروسوفت 42%، فيسبوك 40%، غوغل 20%، بينما تضاعفت شركات أخرى، مثل: تسلا تسعة أضعاف خلال عام واحد... وبالعموم هذه الشركات كانت (تقيم وليمة وقت المجاعة).
3 تريليونات $ هل تكفي؟ والمدراء يبيعون حصصهم
يتوقع بنك أوف أمريكا ألّا تزيد حزمة الضخ في 2021 عن 3 تريليونات دولار... ولا أحد يمتلك جواباً شافياً فيما إذا كانت هذه الحزمة ستستطيع أن تروي عطش سوق الأسهم، وتبقيها جذابة للمال الدولي ومتضخمة، أم إن هذه الفقاعة ستحتاج إلى مزيد من الضخ الذي قد يفقد العملات الأساسية الدولية جزءاً هاماً من قيمتها؟!
وكالة بلومبرغ أشارت إلى وقائع تفصيلية من مطلع عام 2021، فعملياً بدأت من داخل هذه الشركات- وفي السوق الأمريكية تحديداً- معالم عملية بيع معاكسة. حيث وفق واحد من المؤشرات الهامة لحركة السوق، فإن المدراء الكبار في هذه الشركات، وكبار المساهمين بأكثر من 10% أي: أصحاب القرار في مجالس إدارتها وما يسمّون بالـInsider ، وهم المطلعون على أمور الشركات والشركات المنافسة من الداخل، بدأوا بعملية بيع لحصصهم واستثماراتهم في هذه الشركات. ومراقبة سلوك هؤلاء الاستثماري يعتبر واحداً من المحددات في السوق، ووفق بلومبرغ، فإن حوالي ألف منهم باعوا حصصاً في شركاتهم، وفي سوق الأسهم خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من مطلع العام، و128 فقط قاموا بعملية شراء. والفارق الأكبر هو بين قيم الحصص المباعة والمشتراة، حيث بلغت قيمة المبيعات 300 مليون دولار في ثلاثة أسابيع فقط، وهي أعلى من قيمة المشتريات 16 مرّة! وهو بطبيعة الأحوال مؤشر غير حاسم، ولكن لن تتجاهله السوق في ظروف هشّة كالتي يعيشها الاقتصاد العالمي.
(شركات الزومبي)
يسمّي الاقتصادي الأمريكي ريتشارد وولف شركات التكنولوجيا الأمريكية وغيرها من كبار الرابحين في سوق الأسهم (بالزومبي)! في إشارة إلى كونها شركات ضخمة ومخيفة، ولكنها ميتة عملياً. إن مستوى الأموال في هذه الشركات لا يعكس بالضرورة مستوى ربحها، أو مستوى استثماراتها المعرفية وناتجها الحقيقي، بل هي مع التضخم المالي الهائل أشبه باستثمار عقاري ويتربع مدراؤها على قائمة أغنى أثرياء العالم، لأن قيمة أسهم شركاتهم ترتفع بدافع من حركة المضاربة وضخ الأموال الرخيصة. كمن يسكن منزلاً لا يمتلك غيره، وترتفع قيمته في السوق نتيجة الجمود العام، ودون أن يجني مالك المنزل شيئاً إلّا تضخم ثروته من رقم بيع العقار المحتمل!
فعملياً العديد من هذه الشركات خاسرة بمقياس أعمالها المباشرة، أي: فارق إيراداتها ونفقاتها، ولكنها تربح من عملية المضاربة على سعرها في السوق، ورغم كونها أهم معالم (قطاعات المستقبل) إلّا أنّها تعمل (بعقلية القديم) أي: تعتمد على قوّة الدولار، ووزن القطاع المالي، ودور كل منهما في عملية المضاربة، وتشكيل الفقاعات دولياً. إنّ عدم كفاية عملية الضخ في 2021 وما تفتحه من احتمالات لانهيارات مالية، وفي سوق الأسهم قد تخفّض قيمة أسهم هذه الشركات بنسبة 50% وفق تقديرات المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية الأمريكي في عام 2016، ما يعني تبخّر ما يقارب 50 تريليون دولار من الثروات المسجّلة في سوق الأسهم، وهو ما حدث في عام 2008 تقريباً. ولكن هذه المرّة قد تحدث الفقاعة على أرضية مستوى غير مسبوق من تراجع الناتج وتباطؤ التجارة وتوسّع البطالة... لتأخذ الوضع الاجتماعي والسياسي العالمي إلى مواضع أخرى أعقد وأعنف مما شهدناه حتى اليوم!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1007