أزمة الغذاء السورية أرقام قياسية في 2020
مؤشر برنامج الغذاء العالمي WFP العامل في مناطق سورية المختلفة يشير إلى وصول عدد غير الآمنين غذائياً في سورية إلى 12,4 مليون في نهاية 2020. ليسجّل بذلك إضافة 4,5 ملايين شخص إلى طيف الجوع. وهؤلاء هم جميع السوريين غير القادرين على تأمين حاجات الغذاء الكافي والصحي بشكل دائم. بزيادة 57% خلال عام واحد، وهو معدل لم تسجّله سورية من قبل. وخلال العامين الماضيين 2019- 2020 ازداد عدد السوريين غير الآمنين غذائياً بنسبة استثنائية. وبينما كان ثلث السوريين في 2015 غير آمنين غذائياً ارتفعت النسبة إلى 60% في نهاية 2020.
سجّلت أزمة الغذاء في سورية خلال العام الماضي تسارعاً لم تشهده خلال سنوات الصراع الدامي كلها... وتقفز تقديرات أعداد السوريين غير الآمنين غذائياً بمعدلات كبيرة خلال أشهر. فالوصول إلى الغذاء أصبح أصعب مع ارتفاع أسعاره بالدرجة الأولى رغم استمرار توفّره نسبياً...
تقديرات WFP تقول: بأن ضمن هؤلاء هنالك 1,3 مليون شخص ضمن شريحة من يعانون من الانخفاض الحاد في الأمن الغذائي، وهذه الشريحة قد ازدادت بمعدلات أكبر خلال عام 2020 بنسبة زيادة سنوية 124%. ما يشير إلى أن الأزمة لم تتسع كمّاً فقط بل نوعاً، إذ ازدادت بمعدلات أكبر الشريحة التي تعاني من نقص الغذاء الأكثر حدّة. كما ازداد عدد من هم لا يزالون آمنين غذائياً، ولكنهم معرضين للتدهور ليقارب 1,8 مليون قد يدفعهم أي ارتفاع في الأسعار لينضموا إلى قافلة نقص الغذاء.
357 ألف سوري دخلوا شهرياً دائرة الجوع
الزيادة كبيرة في ظاهرة الجوع خلال عام 2020، وعملياً كل شهر في العام الماضي كان 375 ألف سوري إضافي يدخلون في دائرة الجوع وانعدام الأمن الغذائي، بينما كان العدد الوسطي في 2019: يقارب 90 ألفاً شهرياً.
ورغم الارتفاع الكبير في الأسعار في عام 2016 إذ تضاعفت أسعار الغذاء بمعدل سنوي 200%، إلا أن هذا لم يؤدِّ إلى توسع الجوع بالمقدار ذاته رغم ازدياد دائرة العنف والمعارك في ذلك العام. أما عام 2017 فقد كان العام الوحيد الذي شهد تراجعاً في أعداد (الجوعى) في سورية بمعدل شهري 40 ألف شخص استطاعوا أن يستعيدوا أمنهم الغذائي مع استقرار أسعار الدولار في ذلك العام، وتراجع أسعار الغذاء.
أسعار الغذاء والارتفاع غير المسبوق
المشكلة الأساسية تتمثل في ارتفاع أسعار الغذاء أكثر مما هي في مدى توفّره كمياً، إذ تضاعفت أسعار الغذاء 3.7 أضعاف خلال العامين الماضيين 2019-2020 وتضاعفت 2,5 مرّة خلال عام 2020 فقط، وانتقلت من مستوى 147 ألف ليرة نهاية 2019 وصولاً إلى 376500 ليرة في نهاية 2020، وفق مؤشر قاسيون لسلة الغذاء الضروري لأسرة من خمسة أشخاص، وهي تستمر في الارتفاع مع مطلع العام الحالي...
ليكون الارتفاع في أسعار الغذاء المسجّل في عام 2020، قد تجاوز الارتفاع القياسي المسجّل في عام 2016 عندما تضاعفت أسعار الغذاء مرتين.
وفق تقديرات قاسيون فإن نسبة 53% من تكاليف سلة الغذاء المذكورة مستوردة، ولكن حتى السلع المنتجة محلياً مسعّرة وفق تغيرات الدولار، فعملياً كل شرائح الدخل تسعّر على الدولار وتستخدم الليرة، باستثناء دخل العمل، أي: الأجور التي بقيت فقط مسعّرة دون الحاجات الضرورية.
الارتفاع الجنوني لأسعار الغذاء ترافق مع اشتداد العقوبات، واستعصاء أفق التسويات السياسية والخروج من الأزمة خلال العامين الماضيين، إذ ازدادت معدلات الربح الاحتكاري في تأمين الأساسيات مع تراجع مصادر الربح لقوى الأمر الواقع المتحكمة بحركة السلع وتدفقاتها في كافة أرجاء سورية، وكل ما يترافق مع ذلك من تراجع في قيمة الليرة وتضخم في الأسعار.
الإغاثة لن تُعيل أحداً
ينبغي الإشارة إلى أن برنامج الغذاء العالمي الذي يحصي هذه الأعداد يشير عملياً إلى أن حاجات تأمين المساعدات الإنسانية الغذائية لداخل سورية قاربت 1,16 مليار دولار متطلبات عام 2020، ولكن ما تمّ تمويله لا يتعدى 332,7 مليون دولار، ونسبة أقل من 30%. فالبرنامج وفق تقاريره استطاع أن يغطي مساعدات غذائية عامة لـ 4,9 مليون شخص، ولكن قد لا تكون مستمرة، بينما لم يستطع أن يطبق كامل برنامج دعمه الغذائي بسبب نقص التمويل.
وحتى مع البرامج الإغاثية الأخرى التي يتشارك معها برنامج الغذاء العالمي، فإن المبالغ التي تشمل مساعدات الغذاء والتغذية للأطفال لا تتجاوز: 586 مليون دولار، مقابل متطلبات إنفاق 1,18 مليار دولار.
ومع ذلك فإن تقارير البرنامج التابع للأمم المتحدة لا تشير إلى أثر العقوبات في جريمة الجوع المستمرة هذه، باعتبار أن منظومة العقوبات تدّعي أنها لا تمنع توريد الغذاء... ولكن الوقائع تشير إلى تزامن واضح في التدهور بين تشديد العقوبات ومستوى وفرة الغذاء وإتاحته، حتى إن مساعدات الغذاء تتراجع، وهي أقل من الضرورات، هذا عدا عن آليات توزيعها ومستوى الجدوى المتحققة منها. وعلى الضفة الأخرى، فإن المنظومة المحلية تحمّل العقوبات كل مسؤولية التدهور، بينما لا تقوم بأدنى فعل ضروري لفصل أسعار الغذاء عن الدولار، وتخفيض الربح الاحتكاري في عمليات استيراده، واستعادة قدرة الليرة على تسعير المنتجات المحلية التي أصبحت تُسعّر مع تقلبات الدولار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1005