أسعار الغذاء العالمية ترتفع 10,7% عتبة جديدة بعد أزمة 2020
ليلى نصر ليلى نصر

أسعار الغذاء العالمية ترتفع 10,7% عتبة جديدة بعد أزمة 2020

ارتفعت أسعار الغذاء العالمية إلى أعلى مستوى مسجّل لها منذ سبع سنوات، إذ أشار مؤشر الفاو في شهر 1-2021 إلى ارتفاع بنسبة العشر تقريباً عن بداية عام 2020، ولكن الارتفاعات في بعض المواد الأساسية وصلت إلى مستويات قياسية.

ما إن يخفت الحديث عن آثار أزمة عام 2020 الاقتصادية حتى يظهر مؤشر جديد يعكس حجم الآثار واستدامة التفاعلات... وهذه المرّة تتصدّر أسعار الغذاء العالمية العناوين! ارتفاع سنوي كبير في مؤشر أسعار الغذاء التابع لمنظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعةFAO  قارب 10,7% مع توقعات بالمزيد!

الارتفاع الأكبر تسجّله الزيوت النباتية 27%، ومن ثمّ الحبوب 24%، وهي السلع الغذائية الأكثر حساسية في سلة الغذاء للدول الأفقر في سلة الغذاء. بعض المواد ارتفعت بمستويات قياسية: فمثلاً الصويا ارتفعت بنسبة 56%، الذرة الصفراء 45% بينما ارتفع القمح بمعدل 16%، والرز 27%.

من الصين إلى أمريكا إلى روسيا الأسباب الأعمق

العديد من العوامل والأسباب المباشرة يمكن رصدها لتفسير هذه الارتفاعات، مثلاً: رفعت الصين استيرادها للذرة بمعدلات قياسية، ومن مستوى وسطي 3-5 ملايين طن مستورد من الذرة الصفراء في السنة، انتقلت إلى استيراد 11 مليون طن في 2020 ولهذه الزيادة تأثير كبير في الطلب العالمي.
تراجعُ الإنتاج في الجنوب الأمريكي سببٌ آخر، أثّر تحديداً على أسعار الصويا والذرة، هنالك أيضاً اتجاه لدى المصدرين العالميين للحبوب لزيادة رسوم التصدير، حيث تمّ تطبيق سياسات كبح الصادرات الغذائية جزئياً في 19 دولة، وهو ما يتجلى وضوحاً في روسيا المصدر الأكبر عالمياً للقمح، التي سترفع الضريبة على تصدير الطن بنسبة 100% بين آذار وحزيران 2021.

ولكن هذه الأسباب المباشرة بدورها تعبير عن الأزمة بأوجهها الاقتصادية والسياسية والبيئية، فارتفاع الصادرات الصينية يتعلق بتوقعات اضطراب العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، والتجهيز الصيني لارتفاع قادم في أسعار المحاصيل... وتراجع الإنتاج الأمريكي للحبوب يرتبط بتأثيرات أزمة الجفاف بحدّة على مناطق الجنوب الأمريكي، إضافة إلى أن التراجع في عرض الغذاء أوسع من الأثر في هذه المنطقة، حيث سجّل عام 2020 أقل مستوى لمخزونات المحاصيل العالمية منذ خمسة أعوام وفق الفاو، وهي أحد تعبيرات تراجع الإنتاج وزيادة الطلب. أما كبح وتقييد الصادرات الغذائية فهو سياسة تقوم على أساس توقّع مخاطر في الأمن الغذائي، وحاجة الدول المصدّرة لضمان سوقها المحلية على حساب التصدير.
يضاف إلى كل هذا وذاك، أثر الاستثمار المالي في الأزمات، حيث إن توقعات الأسواق المالية بارتفاع سعر الغذاء منذ منتصف عام 2020 دفعت كتلة هائلة من المال الفائض العالمي إلى سوق السلع الأساسية لتساهم في الطلب الوهمي، ورفع التسعير، وتحديداً لمنتجات الحبوب الأساسية الأكثر تداولاً في البورصة.

أزمة الغذاء مرحلة في الأزمة الاقتصادية

أسعار الغذاء ترتفع وترافقها أيضاً أسعار النفط، وهي الاتجاهات المتوقعة عقب الركود الاقتصادي والتعطّل الواسع في سلاسل الإنتاج والتبادل العالمية الناجمة عن الأزمة... وهذا هو الاتجاه المتوقّع منطقياً، وعلى الأقل بالقياس إلى الأزمة الأقرب في عام 2007-2008 التي أعقبتها أزمة غذاء عالمية، لترتفع أسعار الغذاء إلى مستوياتها الأعلى في عام 2011.
اليوم، لم تصل الأسعار إلى مستويات أزمة الغذاء نهاية العقد الماضي، ولكن اتجاه الارتفاع متسارع. البعض يتوقع أن العالم لن يشهد أزمة حادّة، وأنّه قد تعلّم من دروس الأمس: فإنتاج الحبوب العالمي ضِعف مستويات عام 2007-2008، وكِلفُ النقل أقل بـ 20 مرّة... ولكن هل ستكفي هذه المؤشرات في ظل تعمّق الأزمات المالية وارتفاع الهشاشة.

منطقتنا مجدداً... دورة الغذاء والنزاع!

المنطقة الأكثر عرضة لمخاطر أزمات الغذاء، هي منطقتنا... التي تسمى في الأدبيات الدولية (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا). حيث التقديرات الوسطية تشير بأن نسبة 57% من مجمل الوحدات الحرارية المستهلكة غذائياً تعتمد على الاستيراد أي: أكثر من نصف الغذاء يرتبط بالتجارة الدولية والأسعار العالمية للغذاء، وتحديداً الحبوب. إن ارتفاع أسعار الغذاء والقمح والرز تحديداً، أزماتٌ يصعب مواجهتها في هذه المنطقة بالمعطيات الحالية، حيث تتراكب: أزمة نقص المياه الأكثر حدّة عالمياً، مع واحدة من أعلى مستويات الكثافة السكانية، وأكثر المناطق تأثراً بالنزاعات وعدم الاستقرار، مع أعقد التداخلات الدولية، وأكثر بنى الحكم السياسي تخلفاً، وأقلها قدرة على مواجهة الأزمات.

موجات الحراك الاجتماعي، ومن ثم النزاع، اللذان شهدتهما المنطقة منذ عام 2011 يربطهما الكثيرون بحدّة التعرض للأزمة المالية، وأزمة الغذاء بين 2007-2010، وهشاشة الأداء في مواجهتها. أي: إننا من أزمة الغذاء السابقة انتقلنا للنزاع الذي فاقم كل الأزمات، وسيجعل أزمة الغذاء القادمة أعقد وأوسع أثراً بالمقارنة بمطلع العقد الماضي. فشعوب المنطقة أكثر احتقاناً وفقراً، وأنظمة الحكم أكثر وهناً وتخلفاً وأقل تدبيراً، والعالم تغير كثيراً في سنوات عشر مضت، فهل ستكون هذه المنطقة مرشّحة مجدداً لتقدم مثالاً عن كيفية تراكب الأزمات وتعقّدها نحو موجات جديدة من الانفجار الاجتماعي؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1004
آخر تعديل على الإثنين, 08 شباط/فبراير 2021 00:47