كميات الطاقة المتاحة في النصف الثاني من 2020 هل هي أزمة نقص طاقة؟!

كميات الطاقة المتاحة في النصف الثاني من 2020 هل هي أزمة نقص طاقة؟!

أطلق رئيس مجلس الوزراء مجموعة تصريحات حول كميات الطاقة المنتجة والمستوردة خلال النصف الثاني من عام 2020، قاسيون تعالج هذه الأرقام وتبني عليها تقديرات للوصول إلى استنتاجات وتساؤلات حول واقع الطاقة المعقّد في سورية...

 

وفق التصريحات الرسمية حول كميات إنتاج النفط والغاز، وكميات استيراد النفط الخام والمشتقات النفطية خلال الأشهر الستة الأخيرة من عام 2020، يتبين أن كمية الطاقة المتاحة للاستهلاك في مناطق سيطرة الحكومة السورية قاربت خلال نصف عام: 4,37 ملايين طن نفط مكافئ، وهي وحدة قياس الطاقة الأحفورية التي تسمح لنا بتوحيد كميات الأنواع المختلفة. 

بالقياس بحصة المواطن السوري في عام 2010 من كميات الطاقة المتاحة، فقد تراجعت حصة الفرد في مناطق سيطرة الحكومة في عام 2020 بما يقارب 35% فقط، وهي نسبة قليلة بالقياس إلى تراجع الناتج الإجمالي، أي: مجمل النشاط الاقتصادي الذي يستخدم فيه الأفراد النفط والغاز والمشتقات لتلبية حاجات إنتاجهم واستهلاكهم وخدماتهم. 

فبأخذ تعداد سكاني 14 مليون بوسطي من التقديرات المختلفة لعدد السكان في المدن الرئيسة، فإن كل فرد منّا يتاح له وسطياً في الشهر: 0,36 برميل مكافئ نفطي، مقابل 0.55 برميل مكافئ نفطي في 2010 عندما كان مجمل المتاح سنوياً 22 مليون طن مكافئ نفطي، وتعدادنا 23 مليون نسمة!

الطاقة أصبحت في 2020 تستهلك بكميات أقل للإنتاج الصناعي والزراعي، وحتى للنقل مع تراجع النشاط الاقتصادي وعدد السكان، ما ينبغي أن يجعلها متوفرة بمستويات أكبر لإنتاج الكهرباء ووقود التدفئة وغيرها، ولكن مع ذلك فإن أزمة نقص الطاقة هي السمة العامة للأزمة الاقتصادية خلال سنوات الحرب، وتحديداً في العامين الماضيين.

1002-1

توزع مصادر الطاقة المتاحة في 2020

وفق تصريحات الحكومة، فإن هذه الطاقة المتاحة تأتي من الإنتاج المحلي للنفط والغاز الذي ينتج في المنطقة الوسطى والجنوبية بالدرجة الأولى، ومن تكرير النفط الخام المستورد، وأيضاً من الاستيراد المباشر لبواخر المشتقات النفطية والغاز المسال. وقد استخدمنا وحدات التحويل الدولية لتقدير كميات النفط المكافئ بناء على الكميات الواردة لكل نوع من أنواع الطاقة، وفق تصريحات رئيس مجلس الوزراء. وكانت على الشكل التالي:

1002-2

1002-3

الغاز نصف الطاقة ومن الممكن أن يكون أكثر!

48% ونصف الطاقة المتوفرة في الأشهر الستة الأخيرة من عام 2020 كان مصدرها إنتاج الغاز من حقول المنطقة الوسطى والجنوبية، هذا الغاز الذي ينتج وفق تصريحات رئيس مجلس الوزراء بمقدار يقارب 12,5 مليون متر مكعب يومياً. مع العلم أن هذه الكمية قد انخفضت عن التقديرات الرسمية لنهاية 2019 عندما أشارت الحكومة أن الإنتاج ارتفع إلى 17,5 مليون متر مكعب يومياً، ثم لم توضّح لماذا عاد للانخفاض، وما هي الشركات والعقود التي توقفت، والحقول التي كان من المفترض تشغيلها أو رفع طاقتها ولم يتم التشغيل. ومع ذلك فإن هذا الغاز المنتج محلياً والمستخدم بنسبة 90% منه لإنتاج الكهرباء يجب أن يؤمن إنتاجاً كهربائياً رابحاً وغير مدعوم... إلّا إذا كانت الحكومة تُسعّر إنتاجها للغاز بالأسعار العالمية! وحتى إن كانت كذلك، فالدعم المسجّل على وزارة الكهرباء يجب أن يقابله ربح مسجّل لوزارة النفط، وتحديداً لشركات الغاز. وعملياً مئات المليارات المسجّلة لدعم الكهرباء في موازنة 2020 ليست أرقاماً فعلية، بل حسابية فقط. فالطاقة تشكل ما يقارب 85% من تكاليف إنتاج الكهرباء... تحديداً مع عدم الإنفاق الجدي على الشبكة وصيانتها.
أما النفط المنتج محلياً، فأخذنا تقديره بأقل التقديرات التي أشارت إليها التصريحات الحكومية، وواقع يقارب 20 ألف برميل نفط يومياً، مع العلم أن بعض التصريحات السابقة قد أوصلته إلى 24 ألف برميل. وهو يساهم مساهمة تقارب 12% في تأمين الطاقة.

-28% - في نهاية عام 2019 أشارت التصريحات الحكومية بأن كميات إنتاج الغاز قاربت 17,5 مليون متر مكعب يومياً ولكنها انخفضت في التصريحات الحكومية اليوم إلى 12,5 مليون وبنسبة 28% فلماذا انخفضت هذه الكميات دون تصريح عن الأسباب؟! وهي التي يمكن أن تضيف مليون طن مكافئ نفطي خلال ستة أشهر وقرابة ثلث الكميات المتوفرة حالياً!

العقوبات لم تؤثر على مستوردات النفط الخام!

المصدر الثاني الأكبر لتأمين الطاقة في النصف الثاني من 2020 كان من تكرير النفط الخام المستورد في المصافي، وقد تمّ استيراد ما يقارب 1200 طن مكافئ نفطي، وهي كميات كبيرة نسبياً ساهمت بثلث حاجات الطاقة. وينبغي الإشارة إلى أن هذه الكميات تقارب الكميات المسجّلة في عام 2018 عندما تمّ استيراد نفط خام بمقدار 2,64 مليون طن خلال العام بأكمله، وبمقدار وسطي: 1,32 مليون طن في ستة أشهر... أي: عملياً لم تتراجع مستوردات النفط الخام كثيراً بالقياس إلى المرحلة التي كان لا يزال فيها الخط الائتماني الإيراني فعّالاً نسبياً، ولم تكن العقوبات قد شُدّدت إلى المستوى الحالي الذي شهدته في عام 2020. ما يشير إلى أن الأزمات والاختناقات الحالية لا ترتبط كثيراً بظرف العقوبات، أو حتى بالكميات المورّدة، ومستوى تصاعد أزمة الوقود في 2020 قياساً بـ 2018 لا يتناسب مع مستوى التغير في تدفقات النفط الخام! إذ يبدو أن النصف الثاني من 2020 لم يشهد عملياً ما تحدّث عنه رئيس مجلس الوزراء من إيقاف للنواقل مؤخراً، رغم أن العقوبات كانت موجودة!
كما من المهم الإشارة إلى أن مستوردات النفط الخام الوسطية أتت على سعر 53 دولاراً للبرميل، بينما كان السعر الوسطي خلال النصف الثاني من 2020 يقارب 45 دولاراً للبرميل، والزيادة في التسعير هنا تقارب: 18% من السعر العالمي و8 دولارات إضافية في كل برميل، وهي نسبة ليست قليلة عموماً... ولكنها قليلة بالمقارنة مع المستوردات السورية التي تفوق الكلف العالمية بنسب تقارب 40% وما فوق في معظم المواد.

-9% - رغم تشديد العقوبات والحديث عن إيقاف البواخر فإن البيانات تشير إلى أن مستوردات النفط الخام في 2020 لم تتراجع كثيراً عن مستوياتها الوسطية في نصف عام خلال 2018، والتراجع قارب 9% من الكميات المستوردة في حينها! فهل تؤثر العقوبات فعلياً في توريد الكميات أم أن هنالك أسباباً أخرى؟!

المشتقات المستوردة 6% فقط!

اللافت في تصريحات رئيس الحكومة حول بيانات الطاقة في النصف الثاني من 2020، هو أن المستوردات من المشتقات النفطية الجاهزة كمياتها قليلة نسبياً، وهي لا تساهم إلا بنسبة تقارب 6% من مجمل الطاقة المتاحة.
الكمية الأكبر هي من البنزين بحوالي: 265 ألف طن مكافئ نفطي، يليها المازوت 196 ألف طن، والغاز ما يقارب 97 ألف. أما باقي حاجات المحروقات فيتم تأمينها من تكرير النفط الخام.
المحروقات ترتبط عملياً بالدولار لأنها تعتمد على الاستيراد، سواء أنتجت من النفط الخام المستورد أو استوردت مباشرة. فالإنتاج المحلي من النفط بعد تكريره لا يعطي إلا ما يقارب 196 مليون ليتر من المازوت في ستة أشهر، وهي تغطي 23% من حاجات المازوت اليومية بفرض أنها 4,5 ملايين ليتر وفق تصريحات الحكومة.
أما بالإشارة إلى الكلف، فإن الكلفة الوسطية لاستيراد الليتر من المازوت والبنزين تقارب 0,36-0,35 دولار لليتر خلال الأشهر الستة المذكورة. وهذه يفرق كثيراً كلفتها بناء على سعر الدولار الذي تسعّر به الحكومة. فعلى سعر 1250 ليرة، فإن ليتر المازوت والبنزين لا يكلّف أكثر من 450 ليرة. أما تصريحات وزير التجارة الداخلية التي أوصلت كلفة استيراد الليتر إلى 1000 ليرة، فهي تعني أن سعر الدولار محسوب على ما يزيد عن 2700 ليرة!

1002-4

2700 ليرة دولار المشتقات؟!
صدرت تصريحات لوزير التجارة الداخلية تقول: إن كلفة استيراد الليتر على الحكومة وصلت إلى 1000 ليرة، بينما التصريحات الحكومية أيضاً تشير إلى أن الكلفة الوسطية لاستيراد الليتر 0,36 $ فهل يحسب الدولار للمستوردين بـ 2700 ليرة؟!

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1002