الاتفاقية الاستثمارية الشاملة الأوروبية الصينية خطوة إستراتيجية أخرى مع نهاية 2020

الاتفاقية الاستثمارية الشاملة الأوروبية الصينية خطوة إستراتيجية أخرى مع نهاية 2020

بتاريخ 30-12-2020 أعلن كل من الرئيس الصيني ورؤساء ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي عن الوصول إلى الاتفاقية الشاملة للاستثمار الصينية- الأوروبية. الإعلان الذي أتى سريعاً وغير متوقعاً وبعد سبع سنوات من التفاوض، لا يزال ينتظر الإقرار التشريعي في البرلمان الأوروبي على الأقل... ولكنّه يحمل دلالات على المتغيرات الدولية السريعة التي تحيكها الصين عادة بهدوء، ولكن مرّات بخطوات سريعة.

الكثير من التقارير والتحليلات التي تداولت الحدث تربط توقيت إعلانه المفاجئ بتغيرات سياسية... منها مثلاً: انتخاب جو بايدن في الولايات المتحدة، وما يتوقع أن يحمل معه من محاولات إعادة التقارب مع الحلفاء التقليديين وتحديداً أوروبا، ما دفع الصين إلى التعجيل. وعلى الضفة الأوروبية السبب ذاته، فالحليف الغربي الأطلسي لم يعد مضموناً حتى مع تغير الإدارات ووسط انقسامه العميق، ومن مصلحة القوى الأوروبية الأساسية أن تحمل معها ورقة تفاوض هامة في وجه الولايات المتحدة متمثلة باتفاقيه استثمارية مع الصين، يضاف إلى هذا وذاك تقديرات تقول بأن انتهاء الرئاسة الدورية لألمانيا على الاتحاد الأوروبي مع مطلع العام الحالي 2021 دفعت الطرفين إلى التعجيل، وألمانيا هي أبرز الأطراف الأوروبية المستفيدة من الاتفاقية. 

ولكن أياً تكن الأسباب التي دفعت إلى اختيار توقيت الإعلان، فإن العوامل الموضوعية كلها تدفع بهذا الاتجاه، فالتجارة والاستثمار لا ينفصلان عن بعضهما البعض... والصين هي الشريك التجاري الأول لأوروبا بعد الوباء، ولكن المستوى الاستثماري بين الطرفين منخفض إلى حد بعيد... فالاستثمار الأوروبي في الصين لا يشكّل إلا نسبة 5% من مجمل استثمارات الصين المباشرة، بينما استثمارات الصين في دول الاتحاد تقارب 3,4% من مجمل ما يتدفق إليه. وتوسيع الاستثمار المتبادل هو ما تركّز عليه الاتفاقية.

كان من المرتقب أن تغطي الاتفاقية جانبين في الاستثمار: الوصول إلى الأسواق، وحماية الاستثمارات. ولكن ما أعلن عنه يشمل النقطة الأولى فقط، بينما تركت الثانية لجولات تفاوضية أخرى. قدمت الصين مزايا وصول لاستثمارات الاتحاد الأوروبي إلى قطاعات محددة في الصين، مثل: قطاع السيارات، والطاقة البديلة، وفي قطاع الصحة ورفعت قيوداً كانت موجودة في حجم الاستثمار وحجم ملكية الأصول في هذه المجالات داخل الصين. بينما سهلت الوصول إلى مجالات أخرى، مثل: الأبحاث والتطوير الصيني في قطاع الموارد البيولوجية، خدمات الاتصالات والإنترنت، والنقل البحري والجوي. أما في مجال الخدمات المالية، فقد فتحت الصين لأوروبا بمقدار ما تفتح للاستثمارات الأمريكية المالية وفق المرحلة الأولى من الاتفاقية التجارية الصينية الأمريكية. كما خففت الصين من إجراءات الإلزام بنقل التكنولوجيا التي كانت مطلوبة من الشريك في مشروع استثماري مشترك... وبالطبع، رغم المزايا التي قدمتها الصين للاستثمار الأوروبي إلّا أنها حافظت على وضع إغلاق وتحكم أعلى بتدفق الأموال والاستثمارات إلى البرّ الصيني، وذلك قياساً بما أتاحه الاتحاد الأوروبي للاستثمارات الصينية، وفق تقديرات مجلة diplomat، ولكن الاتحاد الأوروبي أبقى قطاعات استثمارية محمية، مثل: الطاقة النووية، والزراعة والأسماك والخدمات السمعية البصرية والخدمات العامة وغيرها، كما أن الاتفاقية لا تلغي آلية التدقيق على الاستثمار الأجنبي المباشر المطبقة في الاتحاد الأوروبي، التي تقيّد استثمارات تقنية الجيل الخامس الصينية في أوروبا.

لم تصدر ردود من الولايات المتحدة أو من بريطانيا التي تمّ توقيع الاتفاق في يوم خروجها النهائي من الاتحاد الأوروبي. ولكن جاك سوليفان أحد أعضاء فريق بايدن كمستشار للأمن القومي غرّد معلقاً على أنباء الاتفاقية، بأن الإدارة الأمريكية ستدعو العواصم الأوروبية للتشاور حول الإجراءات الاقتصادية الصينية التي تقلق الولايات المتحدة.

الاتفاقية الاستثمارية الصينية الأوروبية، وقبلها اتفاقية RCEP الشراكة الاقتصادية الشاملة عبر آسيا، هي أوراق جديدة تضعها الصين على طاولة التفاوض الدولي... في مسعى لعقلنة السياسة الأمريكية التي تهدف إلى «عزل الصين» ومحاصرتها وإيقاف التغيرات الموضوعية التي تقول بظهور قوّة اقتصادية جديدة لديها نموذج وطريقة ومشروع مختلف. تلك المحاولات التي عمدت إليها الولايات المتحدة سواء عبر اجتذاب الحلفاء وإبقائهم بعيداً عن الصين، كما حاولت في اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، أو اتفاق الشراكة عبر الأطلسي في عهد أوباما... أو عبر العقوبات والحرب التجارية في مرحلة إدارة ترامب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1001