اليوان الإلكتروني... خطوة لتصحيح اختلال توازنات القوى!
الصين في منتصف الطريق لإطلاق اليوان الإلكتروني في التداول العام... هذه الأسبقية المطلقة للصين لا تنفصل عن مشروع إزاحة الدولار، والنظام النقدي الأمريكي من موقع الهيمنة العالمية.
اختلال الوزن الاقتصادي والنقدي
إن وزن التعامل باليوان لا يتوافق أبداً مع الوزن الصيني الاقتصادي والتجاري العالمي، فمنذ عام 2016 ثبتت الصين عملتها اليوان كواحدة من العملات الاحتياطية الدولية في صندوق النقد الدولي. ورغم هذا فإنه لليوم لم يتجاوز حجم الاحتياطيات الدولية باليوان 2%، مقابل 62% تقريباً للدولار، 20% لليورو والباقي موزّع على العملات الدولية الأخرى: الين 5,7%، الجنيه الإسترليني 4,43% وذلك في نهاية الربع الأول من عام 2020.
والنسبة أقل من هذا في التداولات والتعاملات المالية والمصرفية التي تمر عبر منظومة swift العالمية للمدفوعات، حيث 1,79% من التحويلات فقط تجري باليوان مقابل 40,8% بالدولار، 32,9% باليورو والباقي موزع على الجنيه، والين الياباني والفرنك السويسري.
ومقابل هذه النسب القليلة، فإن الصين أصبحت الرقم واحداً اقتصادياً منذ عام 2014 وفق مقياس (القوّة الشرائية)، وأصبح الفارق بينها وبين الولايات المتحدة في عام 2019 أوضح، حيث تساهم الصين بنسبة 19,25% الناتج العالمي مقابل 15,11% للولايات المتحدة وفق صندوق النقد الدولي، وهي عموماً الرقم واحد أو اثنان في مقاييس الناتج والتجارة والاستثمار كافة.
تسعى الصين وضوحاً إلى تغييرات في النظام النقدي العالمي، المتمثلة بمقولة (إزاحة الدولار) وتحديداً مع ارتفاع مستوى العدوانية الأمريكية وسعيها إلى استخدام هيمنتها على النظام النقدي والمالي العالمي في المواجهة، وإدارة التراجع والأزمة العميقة للمنظومة التي يقودها الدولار. وما العقوبات والإجراءات الحمائية التجارية إلا جزء من هذا الاستخدام الذي سيتوسع مع الوقت إلى أن (تختمر البدائل).
الصين ليست الوحيدة والفيدرالي يلتحق
جملة من الخطوات الصينية تعكس عملية التجهيز لمرحلة نقدية دولية جديدة، ولكن آخرها وأكثرها تداولاً اليوم هي العملات الإلكترونية، وإعلان الصين أنها ستكون الدولة الأولى عالمياً التي ستطلق عملتها الإلكترونية للتداول لتكون أول عملة إلكترونية صادرة عن بنك مركزي.
الصين ليست الوحيدة، ولكنها ستكون الأولى، ووفق تقرير لبنك التسويات الدولية فإن 70% من البنوك المركزية العالمية تنخرط في أبحاث لإصدار عملتها الإلكترونية، الأكثر جاهزية من بينها الصين، والسويد وكوريا الجنوبية.
وبالمقابل، فإن البنك الفيدرالي الأمريكي يشهد انعطافة في الموقف من العملة الإلكترونية، فبعد الموقف السلبي من العملات الإلكترونية بالمجمل تحوّل الفيدرالي إلى أحد الداعمين لمشروع (الدولار الإلكتروني) الذي لا يزال قيد النقاش في الولايات المتحدة.
الموقف السلبي في الولايات المتحدة من العملات الإلكترونية يحيله البعض إلى أن تكنولوجيا هذه العملات ستؤدي عملياً إلى إلغاء الدور الوظيفي الذي كانت تلعبه البنوك التجارية في المنظومة المالية العالمية... فإذا ما كانت البنوك المركزية تصدر النقد الورقي، وتحيل إلى البنوك التجارية عبر الإقراض لتصدر المضاعفات الإلكترونية عبر الإقراض، فإن العملة الإلكترونية تلغي هذه الوظيفة لأنها تصدر عن البنوك المركزية وتتوزع فقط عبر البنوك التجارية، مجرية تغييراً هاماً في بنية النظام المصرفي القائم.
التجهيز بدأ منذ 2014
بالعودة إلى الصين فإن عملية التجهيز للعملة الإلكترونية بدأت منذ عام 2014، والبداية كانت من نظام المدفوعات الإلكتروني.
فإذا ما كان الدولار يصدر عن الفيدرالي الأمريكي فإنه يتحرك ويُتداول ضمن نظام مدفوعات تمثله مجموعة بنى مؤسساتية للخدمات المالية الإلكترونية مثل: (سويفت، فيدواير، تشيبس).
وقد بدأت الصين بتجهيز نظام مدفوعات ليتم تبادل اليوان الإلكتروني الصادر عن بنك الشعب الصيني. حيث تمّ تشكيل نظام المدفوعات الدولية الصيني CIPS الذي يشمل 33 مساهماً مباشراً و936 غير مباشر يغطي 96 دولة. إضافة إلى ذلك كانت هنالك عملية التطوير المحلية الهائلة لأنظمة الدفع الإلكترونية داخل البلاد عبر تطبيقات وخدمات علي بابا، وويتشات الصيني... حيث إن الدفع الإلكتروني يشمل المدن الصينية عموماً ويتوسع إلى الريف.
عملية تجريب واسعة بدأت لليوان الإلكتروني في نيسان 2020، شملت أربعة بنوك مملوكة للدولة، ومجموعة من الشركات الكبرى من ضمنها هواوي وشاينا تيليكوم، وغيرها 22 شركة أخرى. والمرحلة الثانية الأوسع من التجريب ستجري في 2022 مع الألعاب الأولمبية في الصين، حيث سيزود الجمهور بمحافظ إلكترونية من اليوان للتبادل والمدفوعات ضمن الصين.
اليوان الإلكتروني لن يكون عملة إلى جانب اليوان الورقي، بل سيكون بديلاً تاماً عنه وسيكون أداة أيضاً للصين في التداول الدولي... وسيسبق العملات الإلكترونية المركزية الأخرى. حتى الآن لا يبدو واضحاً كيف ستتحول العملة الإلكترونية الصينية إلى بديل في التعامل الدولي الصيني، أو الكيفية التي سيتم عبرها ضبط عملية الإصدار... ولكن الأسبقية التكنولوجية ستعطي الصين قبل غيرها ميزات العملات الإلكترونية، ومنها: مستوى الأمان والسرعة في التحويل والمعاملات، والأهم، ضبط حركة النشاط الاقتصادي، والوصول إلى تحديد دقيق وتام لحجم التداول وحركته، وعندها يصبح من الممكن أن تتم عملية (ترميزه) بعملة إلكترونية أو بأي رمز نقدي آخر، مسألة خاضعة لمعطيات موضوعية دقيقة مبنية على قيمة البضائع وسرعة تداولها...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 975