التجارة الخارجية للغذاء السوري... لا تُفسر أسعار الغذاء المرتفعة
تشير البيانات الأولية لمستوردات سورية في عام 2019 إلى تراجع كبير في الاستيراد بنسبة قد تقارب 37%، وذلك وفق بيانات ict المركز الدولي للتجارة، فمن مستوى 6.7 مليار دولار في 2018 هبوطاً إلى 4.2 مليار دولار... ولكن مستوردات الغذاء بقيت ثابتة الحجم رغم التراجع الكبير في المكونات الأخرى.
فما هي مستوردات الغذاء الأساسية، وما نسبتها من جملة المستوردات، وما حجم تجارة الغذاء الخارجية السورية من مجمل ناتج الغذاء...
المستوردات تتراجع ولكن الغذائيات ثابتة
1.3 مليار دولار هو حجم مستوردات الغذاء السورية في عام 2019، وهي المصنفة ضمن 25 تصنيف تجاري دولي تتراوح بين مستوردات زراعية خام وصولاً لكافة مستلزمات الصناعات الغذائية، وبقي هذا الرقم ثابت تقريباً بين عامي 2018- 2019، حيث لم تتأثر مستوردات الغذاء بجملة التراجع في المستوردات السورية في 2019 مع تشديد العقوبات وتراجع الدخل وتوسع الركود الاقتصادي. لأن سوق الغذاء المحلية هي السوق الوحيدة التي يضمن استمرارها، كما أن جملة مواد استهلاك غذائي أساسي مصدرها استيرادي من الصعب أن تتراجع عن المستويات التي هي عليه اليوم.
أكبر المكونات الغذائية المستوردة هي المتعلقة بالزيوت النباتية والتي تشكل ما يقارب 240 مليون دولار، بينما قاربت مستوردات الحبوب 125 مليون دولار في مستوى قريب من مستوردات المشروبات من شاي وقهوة ومتة التي قاربت 126 مليون دولار. بينما منتجات حيوانية وتحديداً طيور الدواجن والحليب تأتي في المرتبة الرابعة بحوالي 106 مليون دولار.
إنتاج الغذاء وتجارته الخارجية
يشكل الدخل الآتي من المنتجات الزراعية السورية ومنتجات الصناعات الغذائية المعتمدة على هذا الإنتاج جزءاً هاماً من مجمل الناتج السوري، ففي عام 2018 مثلاً شكل الدخل الزراعي قرابة 3500 مليار ليرة، بينما دخل منتجات التصنيع الغذائي العام والخاص 259 مليار ليرة... أي إن مجمل ناتج الغذائيات قارب 3760 مليار ليرة شكلت نسبة 40% من مجمل الناتج السوري، وهي مصدر أساس لزيادة دخل البلاد في ظرف الأزمة.
مؤشر آخر هام حول واقع الإنتاج الغذائي يرتبط بتجارته الخارجية، فمقابل 5825 مليار ليرة قيمة مجمل بضائع الإنتاج الزراعي والصناعي، فإن البضائع الغذائية المستوردة والمصدرة تقارب 880 مليار ليرة ونسبة 15%. وهي نسبة قليلة نسبياً بالقياس إلى مساهمة الغذاء في الناتج.
حيث الصادرات الغذائية السورية تغطي تكاليف الواردات من القطع الأجنبي بنسبة 60%، فقد صدرنا في 2018 ما قيمته 337 مليار ليرة، واستوردنا غذائيات بقيمة 544 مليار ليرة... ما يعني أن تجارة الغذاء لا تشكل ضغطاً عالياً بالطلب على الدولار والقطع الأجنبي، وهي تشكل عجزاً في الدولار قارب: 470 مليون دولار في 2018، مقابل عجز في مجمل التجارة الخارجية بلغ 6 مليار دولار في 2018، أي لا يشكل إلا نسبة 10% من خسارة القطع الأجنبي الناجم عن التجارة الخارجية السورية في 2018.
إن المؤشرات السابقة تعطي الدلالات التالية:
أولاً والأهم: إن الدخل الآتي من الزراعة ومن الصناعات الغذائية والزراعية السورية يشكل نسبة هامة من مجمل الدخل المتولد في سورية في ظروف الأزمة، بنسبة قاربت 40%... وهو يدل على أهميته وإمكاناته ودوره الاجتماعي في تأمين الدخل والأساسيات.
ثانياً: قيمة البضائع الغذائية المستوردة والمصدرة تشكل نسبة 15% من مجمل قيمة الإنتاج الغذائي، وهي نسبة قليلة نسبياً، وتشير إلى أن 85% من قِيم الإنتاج الغذائي تُستهلك داخل البلاد. وبناءً على هذه الأرقام يُفترض أن يكون الغذاء السوري قليل الارتباط بالخارج وبالأسعار الدولية، ولكن الأسعار المرتفعة للغذاء داخل البلاد وعدم القدرة على تحصيل الغذاء الضروري للأسر، يشير إلى عدم دقة هذه النسبة بالدرجة الأولى نتيجة التهريب، وتحديداً إخراج المنتجات الغذائية من البلاد بالطرق غير الشرعية والتي لا تدخل في البيانات الرسمية.
ثالثاً وأخيراً: التجارة الخارجية للغذاء في سورية كما هي في الأرقام الرسمية لا تُشكل ضغطاً على القطع الأجنبي، فالصادرات المعلنة تغطي نسبة 60% من الواردات المعلنة وتستطيع أن تسترد جزءاً هاماً من القطع الأجنبي المدفوع مقابل استيراد الغذاء. فتجارة الغذاء تساهم بنسبة 10% فقط من مجمل العجز التجاري... ولربما تكون واردات القطع الأجنبي من تهريب الغذاء للخارج أعلى من مستورداته، تحديداً مع تهريب منتجات مرتفعة الثمن نسبياً مثل: اللحوم، ومنتجات الحيوانات، وبعض أنواع الفواكه، مثل: الليمون والبرتقال.
البيانات الدولية تقول: إن فائض عرض الغذاء في سورية يزيد عن حاجة الفرد بنسبة 27%، حتى بعد تراجع إنتاج الغذاء... حيث كان الفائض قبل الأزمة يقارب 34%. وبيانات التجارة الخارجية للغذاء تقول: إن الغذاء السوري لا ينبغي أن يكون مدولر ومرتفع السعر كما هو اليوم، لأن التجارة الخارجية المعلنة للغذاء قليلة قياساً باستهلاكه المحلي. ولكن الواقع يقول غير هذا... فعندما يكون ناتج الغذاء يشكل 40% من مجمل الدخل المتشكل في سورية لا بدّ أن يكون موضع اهتمام قوى السوق والفساد والفوضى التي تبحث عن مواضع الدخل الكبير لتأخذ حصة منها. فالغذاء المستورد يتم احتكاره وتسعيره بأسعار استثنائية، والغذاء المنتج محلياً يصدّر تهريباً بكميات كبيرة، والغذاء المتبقي للاستهلاك المحلي يتم التربّص بمفاصل تجارته الأساسية في أسواق الهال، وفي عمليات النقل للحصول على حصة هامة منه، والنتيجة تكاليف غذاء أساسية للأسرة تقارب خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور، وما يترتب على هذا المعدل الجائر 8 مليون من الجوعى في سورية، و11 مليون دون حدّ الأمن الغذائي الضروري...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 962