(مصنع النهب) السوري... والأسمدة مثال آخر أعلى من السعر العالمي بـ 64-80%!
رفعت الحكومة أسعار الأسمدة بنسب أقلها 41% وتصل إلى أعلى من 100% بقرار لم تعلن عنه رسمياً، بل أبلغته بتعاميم تداولها الإعلام المحلي، وأكَّدها اتحاد الفلاحين الذي استنكر الرفع... غالباً الحكومة لا علاقة لها بوضع هذا السعر، إنها لا تملك إلّا الموافقة على ما يمليه (مستثمرو البلاد) المتنفذون الذين وزّعوا قطاعات هامة على شركائهم في شركات خاصة، والأسمدة من ضمنها، ليسعّروا على هواهم وندفع نحن كلف الفساد كما نفعل تاريخياً.
سعر السماد السوري كان أغلى من السعر العالمي، والأسعار في الإقليم حتى قبل الرفع الأخير، واليوم أصبح أعلى بنسب هامة وبمعدلات ربح استثنائية، كما نبين في الشكل.
فما الفارق في كل طن، وما حجم الربح الإضافي للمبيعات المحلية؟
السوبر فوسفات أعلى بنسبة 80% وربح إضافي 9 ملايين دولار
سعر سماد السوبر فوسفات ارتفع من 151 ألف ليرة إلى 305 آلاف ليرة، بنسبة زيادة: 102%، وعلى سعر الدولار 700 ليرة فإن سعر الطن يبلغ 435 دولاراً.
ومقابل هذا السعر فإن السعر الوسطي العالمي لطن السوبر فوسفات في شهر 1-2020 قد بلغ: 240 دولاراً للطن. وحتى السعر المستورد في الإقليم والذي تستورد وفقه تركيا على سبيل المثال لا يتعدى: 289 دولاراً للطن. وهي أسعار بيع أي إنها تتضمن التكلفة والربح وكلف الشحن الدولي.
ومع هذا فإن سعر الإنتاج المحلي السوري أعلى من العالمي بنسبة 80%، وبفارق في سعر الطن يصل إلى 195 دولاراً. الأمر الذي يعني أنه وفق هذا التسعير فإن الربح الإضافي الذي لا يمكن تسميته إلا (تكلفة احتكار وفساد) يبلغ خلال سنة: 9 ملايين دولار تقريباً، إذا ما باع المصرف الزراعي 45,5 ألف طن من السوبر فوسفات كما في 2019.
اليوريا أعلى بنسبة 64% وربح إضافي 8 ملايين دولار
في سماد اليوريا الذي ارتفع سعره من 175 ألف لليرة للطن إلى 248 ألف ليرة، بنسبة زيادة 42%. فإن سعر الطن المحلي أصبح 354 دولاراً وفق سعر الدولار 700 ليرة. أما سعره العالمي في شهر 1-2020 لم يتعدَ: 215 دولاراً للطن. وسعر استيراده إلى تركيا 241 دولاراً للطن.
أي إن السعر السوري المحلي أصبح أعلى من السعر العالمي بنسبة 64%، وفارق حوالي 140 دولاراً في الطن. وهو ما يعني ربحاً إضافياً سنوياً يقارب 8 ملايين دولار خلال عام، إذا ما باع المصرف الزراعي للفلاحين السوريين 57 ألف طن كما في 2019.
اختارت الحكومة الصمت أمام هذا القرار، لأنه من الصعب تقديم ذرائع تفسّر أن يصبح سعر السماد السوري أعلى من السعر العالمي بنسب استثنائية... كيف يمكن تبرير أن يكون سعر منتج تمتلك الدولة حصة منه، ومنتج بأقل التكاليف حيث استلمت الشركة الخاصة المعمل الموجود بأرضه ومعداته وخبراته، أي كلف الإنشاء الأساسية قُدّمت بالمجان مقابل تطوير الإنتاج وتخفيض التكاليف! وأجور العمال هي أقل الأجور العالمية، وإحدى المواد الخام الأساسية الداخلة في التصنيع، وهي الفوسفات سورية المنشأ، بل ومستثمرة من الشركة ذاتها، أي إنها تستطيع الحصول عليه بكلفة الاستخراج، والأهم أن البيع مضمون في السوق المحلية، فالمصرف الزراعي يستلم الكميات ويوزعها على الفلاحين وسواء اشتروا، أم لم يشتروا فإن المال العام متكفّل بجزء هام من منتجات المعمل...
إنّ العقد الموقّع بين الدولة والشركة الخاصة كان ينص على رفع الطاقة الإنتاجية للمعمل خلال عامين، وحتى الآن لم تعلن المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية ما مدى الالتزام بالاتفاق وتوسيع الطاقة الإنتاجية، وكان يتضمن أن تحصل الشركة على 65% من الأرباح، مقابل أن ترفع الطاقة الإنتاجية للمعامل وتخفّض التكاليف وأن تؤمن شروط إنتاج بيئية أفضل عبر استثمارها لمبالغ لا يجب أن تقل عن 200 مليون دولار خلال 40 عاماً، ولكننا حتى الآن لم نلمس أي أثر إيجابي لهذا الاستثمار، حيث استمر استيراد الأسمدة بمقدار 100 ألف طن لهذا الموسم، واستمر ارتفاع سعر السماد، فالسعر الوسطي للطن المباع في 2018 كان: 87 ألف ليرة، والسعر الوسطي للطن المباع في 2019 كان 160 ألف ليرة، بينما سيرتفع الطن الوسطي المباع وسيكون أعلى من 275 ألف ليرة، بزيادة 200% على سعر عام 2018.
العقد الاستثماري لمعمل الأسمدة يفترض أن يخفّض التكاليف ويخفض الاستيراد ويزيد الإنتاج، ولا يوجد ما يفسّر ارتفاع التكاليف ورفع الأسعار إلا محافظة سماسرة المعمل ومستثمريه على حصة من الربح التي لا يمكن التراجع عنها، ورفع الأسعار إلى مستوى أعلى من مستوى ارتفاع سعر الدولار. ضاربين بعرض الحائط كل النتائج المتوقعة من رفع أسعار الأسمدة. فبالنسبة لهم البلاد مجال استثماري، وكلما كانت المادة أكثر أهمية ومحورية للمجتمع، كلما أصبحت موضع نهب أعلى... وحصة النهب الإضافية ينبغي أن يدفعها مستهلكو الأسمدة من منتجي سورية الزراعيين، ومستهلكي الغذاء الذين سيدفعون أسعاراً أعلى مقابل كل حبّة بندورة، وكل ربطة خبز، وكل كيلو تفاح... وإلخ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 956