الهجوم النفطي على إيران... والعلاقات الخليجية- الروسية
موجة جديدة قادمة من التصعيد في سوق النفط مع إعلان الولايات المتحدة إيقافها لاستثناءات عقوباتها لأطراف دولية مُستورِدة من إيران وهي: الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا، سعياً لإيصال صادرات النفط الخام الإيراني إلى الصفر، وأبعد من هذا لاستهداف التحالف النفطي بين دول أوبك وتحديداً السعودية وروسيا، المتجلي في (أوبك +)*.
اعتباراً من شهر أيار، ستطبق الولايات المتحدة عقوباتها على جميع الأطراف الدولية التي لا تلتزم بقطع التعامل النفطي مع إيران... الخطوة التي لم يأخذ أي طرف رداً واضحاً عليها، سوى الصين وتركيا اللتين أعلنتا أن الولايات المتحدة ليست في موقع تحديد علاقاتهما التجارية مع إيران. ولكن هذا لن يعني أن صادرات النفط الإيراني ستستمر، وتحديداً مع أطراف، مثل: اليابان وكوريا الجنوبية، وحتى الهند، ولكنه لا يعني أيضاً أن الصادرات ستصل إلى الصفر... حيث يصعب تخيل مصير 1,3 مليون برميل من النفط الإيراني يومياً في الفترة القريبة القادمة.
لماذا يُسعّر الأمريكيون الاضطرابات النفطية؟
الولايات المتحدة تثير الاضطرابات عالمياً، ولكنها تستهدف أيضاً نقاطاً تؤثر على سوق النفط، مثل: إيران وفنزويلا، وحتى في تصعيد الوضع الليبي الأخير. حيث تأتي هذه الخطوات في سياق الاستفادة من أمرين، الأول هو: إعادة ضبط حلفائها النفطيين وتحديداً في الخليج وأوبك، الذين دخلوا بتحالفات نفطية قوية مع الطرف الروسي، في اتفاق أوبك +، للتحكم بالتدفق العالمي في سوق النفط لضبط تراجع أسعاره. والثاني وهو الأقل أهمية: الإستفادة من ارتفاع أسعار النفط العالمية نتيجة الاضطراب، في تحقيق مكاسب لقطاع النفط الأمريكي، الذي تسارع نموه منذ عام 2013، لتصبح الولايات المتحدة المنتج العالمي الأول للنفط بفارق قليل مع روسيا، ولتضاعف من صادرات النفط الخام الأمريكي 27 ضعفاً خلال سبع سنوات. كما أن ارتفاع أسعار النفط يحقق ريعية للدولار الأمريكي الذي مازال عملة تداول النفط عالمياً، وتزيد من الطلب العالمي عليه.
أمريكا تعي خطورة رفع أسعار النفط
لكن بالمقابل، إن لارتفاع أسعار النفط تأثيرات سلبية على السوق العالمية، والأمريكية التي يعتبر ترامب أن أسعار النفط المنخفضة هي ميزة مطلوبة للنمو الذي يستهدفه برنامجه الانتخابي في الاقتصاد الأمريكي، وهو فشل سياسي للإدارة الحالية. إضافة إلى ما ينجم عن ارتفاع أسعار النفط من تأثيرات دولية، في مقدمتها مكاسب للمنتجين الكبار، مثل: روسيا، وردود فعل من المستهلك العالمي الأكبر الصين (17% من سوق شراء النفط العالمي)، التي فتحت باب استيراد نفطها باليوان المغطى بالذهب، والتي قطعت استيرادها للنفط الأمريكي وأعادتها كسلاح في وجه الاضطرابات الأمريكية. والأهم: أنها وسعت علاقاتها النفطية مع روسيا لتصبح في 2019 تقدم لها 40% من حاجاتها النفطية. ولكن الولايات المتحدة التي تعلم هذه الآثار، تجد نفسها في التعامل في سوق النفط مضطرة لأخذ خيارات تصعيدية تكتنف على مخاطرات... وتلجأ يائسة للتصعيد لأنه قد يجلب نتائج أكثر من ترك الأمور على ما هي عليه.
خطر الدور الروسي في الخليج
إن أكثر ما يقض مضجع واشنطن، والأمر الأكثر إلحاحاً للتصعيد في سوق النفط، هو علاقات التفاهم النفطي بين أوبك وروسيا. التعاون الذي أتى بعد الخسائر الكبرى للدول المنتجة للنفط بشكل أساسي في الخليج، نتيجة حرب النفط التي افتعلتها الولايات المتحدة، وخفضت أسعاره بين 2014-2016 بنسبة 50%. هذه العلاقات التي تؤسس لدور فعال روسي ومتصاعد مع الأطراف العربية، ومع الإيرانيين في الوقت ذاته، والتي تمهد الأرضية لتسويات اقتصادية، بل وسياسية، في المنطقة التي تريدها الولايات المتحدة مشتعلة.
تريد أمريكا أن تقدم للخليجيين، وتحت الضغط، فرصة سرقة سوق النفط الإيراني، مقابل تخليهم عن اتفاقهم النفطي مع الطرف الروسي. حيث أعلن ترامب وضوحاً أنه تحدث مع السعودية والإمارات لتعوضا النقص الناجم عن العقوبات على إيران، بزيادة إنتاجهما النفطي، ما يعني خروجهما من اتفاقهم مع الروس.
السعودية بالمقابل لم تعلن موقفها الواضح، بل أتت تصريحات مقتضبة تقول: (قد نزيد الإنتاج إذا تطلب الأمر ذلك)... الأمر الذي لا يعني بالضرورة التخلي عن اتفاق أوبك +، لأن السعودية لا تزال تمتلك هامش زيادة إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يومياً، وتبقى ضمن حدود الاتفاق. ولن يكون من السهل على الخليجيين أن يقدموا على التعويض الكامل للنقص الإيراني أي أكثر من مليون برميل يومياً، لأنه يعني عدم ترك خيار للإيرانيين، سوى بالتصعيد. الأمر الذي لوحوا به بشكل واضح، عبر الحديث عن إغلاق مضيق هرمز، في خطوة يلوح فيها الإيرانيون بالضغط على كل الأطراف كي لا تستجيب للعقوبات... تحت طائلة التصعيد الذي قد يأخذ بعداً اقتصادياً ويفتح احتمالات مواجهة أبعد من ذلك في المنطقة، يعلم الخليجيون تماماً أنهم غير مستعدين لها.
إن الولايات المتحدة تُرغّب الأطراف الخليجية، وربما تهددهم للخروج من اتفاق أوبك +، وقطع تعاونهم مع روسيا. فتقدم لهم فرصة الضغط الأقصى على إيران، وفرصة سرقة سوق نفطها... ولكن المكاسب المالية المتوقعة للخليج من هكذا إجراء، لا تقارن بالخسائر المتوقعة إقليمياً ودولياً من التصعيد الذي قد يقدم عليه الإيرانيون كرد فعل عبر احتمالات إغلاق مضيق هرمز ولو لفترات محددة. التصعيد الذي ستكون أكبر الخاسرين فيه، الأطراف العربية النفطية التي مصلحتها العميقة الحفاظ على الهدوء في الخليج المشترك. والأمر لا يقف عند الخليجيين فقط، فحتى الأمريكيون الذين يفتعلون هذه المعركة، يذهبون إلى خيار لا يحقق مصالحهم تماماً، فمنذ أن دخل النفط والغاز كسلاح في المعركة زادت علاقات الطاقة: الروسية الصينية، وحتى الروسية الأوروبية... وخسر ترامب أسعار النفط المنخفضة التي يعتبرها بمثابة إعفاءات ضريبية، وآلية لتحقيق هدف النمو المزعوم في برنامجه.
*اتفاق أوبك + هو اتفاق نفطي بين دول أوبك ومنتجين أساسيين خارجها، وفي مقدمتهم روسيا، على تحديد كميات الإنتاج اليومي من النفط العالمي، لمواجهة التدهور في أسعار النفط نتيجة زيادة العرض وتراجع الطلب العالمي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 911