مليارات الدولارات (مساعدات إنسانية) حفاظاً على الكارثة!
منذ عام 2012 وفي ربيع كل عام يُعقد ما يسمى بمؤتمر دعم مستقبل سورية والمنطقة، أو ما أصبح متعارفاً عليه بمؤتمر المانحين... وهو المؤتمر المعني بتأمين التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية للأزمة السورية. المؤتمر الذي ينعقد في بروكسل للسنة الثالثة على التوالي، يحشد الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية، متحدثاً بمليارات الدولارات لإغاثة ملايين السوريين..
17 مليون سوري الهدف المعلن
أعلن المؤتمر أن احتياجات المساعدات للأزمة الإنسانية السورية تبلغ بالمجمل 8,8 مليار دولار. وهذه المبالغ من المفترض أن تكون معنية بالحاجات الإنسانية الأساسية لأكثر من 17 مليون سوري بين داخل سورية وخارجها. موزعة على قطاعين أساسيين، الأول: داخل سورية بمبلغ حوالي 3,3 مليارات دولار. والثاني: للسوريين في الإقليم فيما يسمى خطة الاستجابة الإقليمية 3RP والتي تبلغ 5,5 مليارات دولار.
وبينما المبلغ الأول يفترض أن يغطي حاجات 11,7 مليون سوري يحتاجون للمساعدة كما تشير الأمم المتحدة. فإن المبلغ الثاني يقسم إلى شقين: 3,2 مليار دولار لحوالي 5,6 ملايين لاجئ سوري في الإقليم. بالإضافة إلى 2,3 مليار دولار للدول المضيفة، أو كما تسمى دعم المجتمعات المضيفة للاجئين السوريين في تركيا، لبنان، الأردن، والعراق، ومصر.
شبكة من المنظمات والشركاء
الأموال المقدمة من الدول والجهات الدولية، يفترض أن تصل إلى السوريين عبر شبكة الشركاء، من المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية.
فبينما شارك في حوارات المؤتمر 1000 مشارك، كان بينهم 400 من ممثلي المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية. هذه الشبكة تنسق مع الجهات المانحة، وهي دول وشركات وجهات أخرى.. ويفترض أن تجد أوجه إنفاق هذه المبالغ، ضمن إطار خطة الأمم المتحدة.
الأموال لا تتحول إلى أهداف محققة
المبالغ الموضوعة في هذا المؤتمر منذ عام 2012، تصل من الدول والجهات المانحة أقل مما يلزم. فعلى سبيل المثال لا الحصر: إن ثلث التعهدات لم يتم الالتزام بها في خطة الاستجابة الإقليمية لعام 2018، وبلغ نقص التمويل مبلغاً يفوق الملياري دولار لم يتم تأمينها، وبالتالي كان وصول المساعدات والحاجات أقل للاجئين في الإقليم.
وحتى المبالغ المؤمنة لا تنعكس تأميناً لتحقيق الأهداف الموضوعة، ففي منتصف عام 2018 أشارت الأمم المتحدة إلى أنّ جميع قطاعات المساعدات الأساسية لم تسجل إنفاق نصف الاحتياجات لعام مضى، بل تم تغطية نسب أقل من ذلك بكثير...
فبينما تضع الخطة عدداً للمستهدفين في كل نوع من أنواع المساعدة، فإن نسباً قليلة من هذه الأعداد قد حصلت فعلياً. فعلى سبيل المثال: حصل أقل من ربع الأطفال المستهدفين على الحاجات المسماة بحاجات الحماية ورعاية الأطفال ودعمهم، وضمن مخصصات قطاع التعليم فإن نسبة 18% فقط من غرف المدارس المقرر بناؤها قد بنيت، و4% فقط من المساعدات الزراعية قُدّمت، وتطبب 22% فقط من المرضى الذين يفترض أن يحاطوا بالرعاية الصحية الأولية، بينما حصل 10% فقط من اللاجئين الموجودين خارج المخيمات والمحتاجين لإقامة على دعم ومساعدة. (تقرير خطة تتبع الاستجابة الإقليمية 3RP منتصف 2018).
ولا يختلف الأمر كثيراً في المساعدات المقدمة في داخل سورية، إن لم يكن أسوأ، حيث تعمل مئات المنظمات غير الحكومية المحلية، وحوالي 26 منظمة غير حكومية دولية، وأكثر من 12 وكالة من وكالات الأمم المتحدة، إضافة إلى الصليب والهلال الأحمر، وجميعها تنسق مع الحكومة السورية، وتأخذ تراخيص دخولها منها، وتتمول من تعهدات الدول المانحة عبر الأمم المتحدة بالدرجة الأولى.
وضمن هذه الشبكة، فإن تقارير الأمم المتحدة ذاتها، تشير إلى أن دراسة على عينة من 6332 من المجتمعات المحتاجة، قد أشارت إلى أن نسبة 55% منهم فقط قد قالوا أنهم حصلوا على بعض المساعدات خلال شهرين ماضيين. مشيرة إلى وجود نقص في وصول المساعدات إلى محتاجيها داخل سورية (تقرير الحاجات الإنسانية السورية- UNHCR 2019). دون وجود تقديرات دقيقة للتتبع والنقص داخل سورية كما في الإقليم.
قروض للمساعدات بـ 20 مليار دولار!
البيان النهائي للمؤتمر، أشار إلى أنه استطاع أن يجمع تعهدات بـ 7 مليارات دولار من الدول المشاركة المانحة... كما أشار إلى أن مؤسسات مالية دولية ومانحون قد أعطوا قرابة 20,7 مليار دولار أمريكي وفق قروض ذات شروط ميسّرة، دون أن يتضح من سيدفع هذه القروض! والأهم: أن هذه الأموال يفترض أن تستهدف المساعدة الإنسانية العاجلة وتأمين الحاجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون سوري، داخل سورية، ولاجئين في إقليمها... أما (صِدْق) هذه النوايا، فواضح المعالم، ليس فقط من تقارير الأمم المتحدة التي تشير إلى نقص التنفيذ، بل الأهم ما يتضح من المواقف السياسية لثلة الدول المانحة المشاركة، التي تطبق وتلتزم جميعها بالحصار المطبق على سورية، وتكرر دون توقف الموقف السياسي القائل بعدم المشاركة في إعادة الإعمار إلا مقابل شروط سياسية.
مليارات دولارات المساعدات الدولية سنوياً، قد تسعف السوريين بسلة أو خيمة أو معاينة طبية أو حلقة مدرسية... وكل هذا ضروري ومفيد، ولكن بالمقابل فإن هذه المليارات تقابلها كل الاستعصاءات الغربية والإقليمية الموضوعة في وجه حل الأزمة السورية، وتمر عبر ترسيخ شبكة كبيرة من العلاقات التي تربط المال الدولي المسيس، بالمستفيدين من العقوبات والمهيمنين على توزيع المساعدات داخل سورية وفي الإقليم. شبكة من المنتفعين الذين لا يعنيهم إزالة العقوبات أو حل الأزمة طالما أن مئات مليارات الدولارات تتحرك سنوياً في فضاء الكارثة الإنسانية السورية.
55%
ضمن عينة درستها الأمم المتحدة على محتاجي المساعدات في سورية، فإن 55% منهم فقط حصلوا على بعض المساعدات أما الباقي فلا!
16 مليار دولار
مجموع الأموال المنفقة عبر الأمم المتحدة في إطار مساعدات اللاجئين السوريين ودول الإقليم بين 2012-2018.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 905