شهادات الإيداع وفتح الإقراض في اقتصاد بلا طاقة
ازدادت كتلة الليرات السورية الصادرة عن المصرف المركزي خلال سنوات الأزمة بمقدار قارب 4000 مليار ليرة تقريباً حتى عام 2016*، وتوزعت هذه الكتلة في السوق ليودع جزء منها في المصارف العامة والخاصة ويبقى القسم الأكبر يدور في السوق...
إن هذه الكتلة اليوم بآلاف المليارات من الليرات السورية، هي هدف السياسات النقدية والمالية التي تريد مزيداً من التحكم بالعرض النقدي في اللحظة الصعبة الحالية.
في سياق التحكم بكتلة السيولة بالليرة السورية، صدرت شهادات الإيداع عن مصرف سورية المركزي. وبعد جلستها الأولى، تبين أن حجم الإصدار قد بلغ: 131 مليار ليرة.. اكتتبت عليها 16 من المصارف العاملة في السوق، سواء المصارف العامة أو الخاصة غير الإسلامية.
المصارف الخاصة مساهمة أقل
لم يتحدد بعد حجم مساهمات المصارف، ولكن على ما يبدو، إنّ مساهمة المصارف الخاصة قليلة، فعملياً ساهم المصرف التجاري وحده بنسبة 30% تقريباً من مبلغ الشهادات، وبقيمة قاربت 39 مليار ليرة*، بينما توزع الباقي على 15 مصرفاً آخر. لا بدّ أن تكون مساهمة المصارف العامة الأخرى كالعقاري والصناعي وغيرها أعلى وأكثر تجاوباً مع توجه المركزي.
المصارف الخاصة السورية تمتلك كتلة هامة من الودائع، ولكنها عملياً تمتلك النسبة الأكبر منها بالقطع الأجنبي. ففي نهاية عام 2017 كانت كتلة الودائع في المصارف الخاصة تقارب 530 مليار ليرة، ونسبة تقارب 10% من كتلة الليرات السورية المصدرة والموجودة في السوق في عام 2016: 5100 مليار ليرة تقريباً. والمصارف الخاصة لن تقوم عملياً بالمساهمة الجدية في شهادات الإيداع، مع معدل فائدة 4,5%، إلّا بمقدار كتلة الودائع الجارية بالليرة السورية التي لا تدفع عليها فوائد، أو تعطي عليها فوائد أقل من المعدل المذكور، وإلّا فإن هذه العملية ستكون خاسرة. لذلك فإن تجميع كتلة السيولة عبر شهادات الإيداع يستهدف حالياً كتلة السيولة الموجودة في المصارف العامة قبل غيرها.
فتح الودائع والإقراض
يقول المصرف المركزي بأنّ هذه العملية، يجب أن تشجع المصارف العاملة في السوق السورية، على إيقاف عمليات تقييد إيداع الأموال فيها. إذ شهدت المصارف ظاهرة وقف استقبال الودائع، أو وضع سقوف لها، مع تراكم الودائع في المصارف وعدم القدرة على تحريكها.
ولذلك فإن المركزي يريد أن يخفف من تكلفة الأموال المودعة عبر إعطاء المصارف نسبة 4,5% فوائد عليها.. وبالمقابل يعمل على مساعدة المصارف على تحريك العمليات الإقراضية، بعد أن أزال قيود الإقراض السابقة.. وبعد أن عوّم سعر الفائدة لتحدده المصارف وفق ما تريد، ولكن بناء على الحد الأدنى لسعر الفائدة 7%.
وبالفعل بدأت المصارف العامة قبل الخاصة تتحدث عن عروض الإقراض التي بدأت أو القادمة...
عروض التجاري بدأت
المصرف التجاري المساهم بنسبة 70% من نشاط الإيداع، أعلن عن جملة منتجات إقراضية ستحتاج إلى أسبوع أو أسبوعين لإطلاقها، كما تحدث مديره العام د.علي يوسف. وأهمها كان الحديث عن القروض متوسطة وطويلة الأجل: لتمويل المشاريع الإنتاجية المتضررة، سواء لتمويل رأس مالها الثابت دون تحديد سقوف تمويلية، وبضمانة المشروع المتضرر، ولمدة خمس سنوات كحد أقصى. إلى تمويل رأس المال العامل لمنشأة متضررة، ولكن بنسبة أقل من 50%، وبسقف مليار ليرة للقروض. بالإضافة إلى قرض شراء مشروع قائم، بتمويل بنسبة 50% للمشتريات، وبسقف 5 مليارات ليرة، وكذلك الأمر في قرض تمويل مشروع مقاولات. كما يمول المصرف نسبة 50% من مشتريات مشاريع توليد الطاقة البديلة، ولكن مع سقف للقرض ملياريّ ليرة.
أما القروض الاستهلاكية فلا تزال بضمانات عقارية تعادل 200% من قيمة القرض البالغ 10 ملايين ليرة لعشر سنوات، أو كفالة راتبين موطنين في المصرف للقرض بحد أقصى مليوني ليرة وخمس سنوات.
المصرف العقاري كذلك الأمر أعلن إعادة قروضه الإنمائية والاستهلاكية، ولكن بمبالغ أقل للقروض الإنمائية والإنتاجية. بينما المصرف الصناعي أعلن عن إقراض بقيمة 700 مليون ليرة في العام الماضي، بوسطي 12 مليون ليرة للقرض.
هل ينجح الإقراض!
إن جمع كتلة الليرة الموجودة في السوق، والتحكم بالسيولة ضرورة في الظروف الحالية لنقص السيولة العامة. وخاصة أننا في ظروف اقتصادية خطرة قد تعيد المضاربة على قيمة الليرة نشاطاً أساسياً لحائزي الأموال، وسط الاضطرابات التي تعم السوق السورية، والناجمة بالدرجة الأولى عن مشاكل نقص الطاقة والصعوبات المستمرة حتى الآن في حل هذه المسألة، مع مؤشرات على تفاقمها أسبوعاً بعد الآخر.. فبينما لم تحلَّ مشكلة الغاز والمازوت بعد، فإن الفيول قد دخل على خط الأزمة وزادت ساعات تقنين الكهرباء مجدداً.
أما مسألة فتح الإقراض، فرغم ضرورتها، وضرورة تحويل جزء من هذه الكتلة إلى نشاط اقتصادي، إلا أنها قد تكتنف على مخاطر في اللحظة الحالية، وسط صعوبة في استقرار وضع الطاقة، عصب استقرار أو تقدم العملية الإنتاجية. الأمر الذي يفتح احتمالات تحرك القروض إلى مواضع المضاربة في اقتصاد لا يستطيع أن ينتج...
هوامش:
*بحث د. علي كنعان السياسية المالية والنقدية في سورية.
*محاضرة د.علي يوسوف مدير المصرف التجاري في ندوة الأربعاء التجاري.
30%
ساهم المصرف التجاري السوري بنسبة 30% تقريباً من الاكتتاب على شهادات الإيداع الصادرة ومبلغ 39 مليار ليرة.
10%
تمتلك المصارف الخاصة السورية كتلة قليلة تقارب 10% من الودائع بالليرة السورية، وحوالي 530 ملياراً من أصل 5100 مليار
إن توسيع استخدام الأدوات المالية والنقدية ضرورة، وتحديداً من أجل تحويله إلى كتلة استثمارات تُعيد تحريك الاقتصاد السوري، ولكن هذا يبقى أشبه (بالعبث) الخطير إذا ما بقي الاقتصاد السوري بلا طاقة، وبقيت مواجهة العقوبات بالحدود الدنيا.. حيث يتم انتظار الاعتماد على الوسطاء ليلتفوا ويستوردوا الوقود بالدولار ومقابل عمولات، بينما يسوّف بعد ثماني سنوات من الأزمة الاعتماد على علاقات مركزة وبمستوى أعلى مع الدول القادرة على تجاوز العقوبات.