غيوم ملبّدة في السوق الأمريكية
(يبدو أن النمو الاقتصادي قد توقف عن الارتفاع... والبيانات لا ترسم صورة لنموٍ قوي في المستقبل) هذا ما قاله الاقتصادي الأمريكي جويل ناروف تعليقاً على مؤشرات محددة صادرة في السوق الأمريكية مؤخراً..
تراجع الطلب على المعدات الرأسمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، كالآلات والمعادن الأساسية، ما يشير إلى تراجعٍ في إنفاق الأعمال على مستلزمات الإنتاج، الأمر الذي قد يؤدي إلى تخبطات في النمو الاقتصادي.
وزارة التجارة الأمريكية أشارت إلى أن الطلبات على السلع الرأسمالية لغير الأغراض الدفاعية والطائرات، قد شهدت انخفاضاً بنسبة 0,7%. كما أن ما يسمى الطلب على السلع الرأسمالية الأساسية تراجع بنسبة 1%.
وبالعموم فإن مشتريات قطاع الأعمال من المستلزمات يتباطأ منذ شهر 3-2018. الأمر الذي ينعكس على توسع الأعمال اللاحقة.
كما ترافقت هذه المؤشرات مع تراجع في مبيعات التجزئة في شهر 12-2018، وتراجع في الإنتاج الصناعي في الشهر الأول من العام الحالي.
البيانات الحكومية للربع الأخير من عام 2018 لم تصدر بعد، ولكن مستشار ترامب الاقتصادي، لا يزال متشبثاً بتوقعاته السابقة لمعدلات نمو 3% لهذا العام، قائلاً: إن النمو سيستمر عند معدل 3% على الرغم من المؤشرات التي تقول بالتراجع.
أما بنك جي بي مروغان، فقد قلص تقديراته لنمو الناتج الأمريكي في الربع الرابع من عام 2018 بِعُشر نقطة مئوية، بينما الحكومة ستنشر توقعاتها في الأسبوع المقبل. بعد أن كانت قد أشارت أن الاقتصاد الأمريكي قد نما بمعدل 3,4% في الربع الثالث من 2018.
يقول البعض إن رؤية الفيدرالي لهذه المؤشرات، هي الدافع نحو سياسة تجميد رفع أسعار الفائدة الذي كان مقرّاً سابقاً، وإبطائه من تطبيق برنامج تقليص ميزانيته العمومية، باتجاه إيقاف الإقراض رخيص الثمن. السياسة التي تحتاج إلى نمو مرتفع لتسديد تكاليف رفع الإقراض.
أسواق المال الأمريكية تحتار الآن في تقييم مؤشرات التراجع هذه، فهل هي عملياً تدل على تراجع مؤقت نتيجة عدم اليقين حول الظروف التجارية، والإغلاق الحكومي، أم أنها تدل على مؤشرات أعمق لتراجع قادم؟! لا يبدو أن الأسواق تستطيع أن تحسم بعد..
المخاطر الأساسية التي تقف في وجه النمو الاقتصادي الأمريكي والعالمي، هي عدم اليقين حول وضع التجارة العالمية، ومصير النمو في الصين، بالإضافة إلى المخاطر المالية المحيطة بالاتحاد الأوروبي، عدا عن عدم اليقين الناشئ عن خروج بريطانيا من الاتحاد.
مؤشرات سوق العمل
المؤشر الذي يستمر بالتحسن أمريكياً بحسب التقديرات والتصريحات، هو المؤشر المتعلق بسوق العمل، التي لا تزال قوية رغم الغيوم المسودّة، كما صرحت وزارة العمل الأمريكية.. حيث أشارت إلى انخفاض إعانات البطالة في 16-2-2019. الأمر الذي يعتبر مؤشراً على اشتغال هؤلاء وعدم حاجتهم للإعانات.
وبشكل عام، إن المؤشرات الرسمية غالباً ما تقول أن نسب التشغيل مرتفعة في الولايات المتحدة. ولكن مشكلة التوظيف في الاقتصاد الأمريكي أنه أصبح مهيمناً عليه من قبل الكفاءات الكبرى، والأجور المرتفعة، مقابل الكفاءات المنخفضة والأجور المنخفضة. بينما تختفي شريحة الكفاءات المتوسطة ولا تستطيع أن تجد فرصاً.
ففي التصنيع على سبيل المثال: نسبة 25% من الوظائف قد اختفت خلال عقدين من الزمن، بفعل تأثيرات العولمة، والمكننة.
ومقابل التحولات في نوعية التوظيف، إلّا أن ظاهرة أخرى تسود سوق الأجور، وهي ثباتها وعدم تغيرها. فخلال 100 شهر مضت، لم تشهد أرقام كتلة الأجور الأمريكية تغييراً، لا إيجابياً ولا سلبياً.
وفي شهر 12-2018 كانت قد ارتفعت بمعدل سنوي 3,2%، وهو المستوى الأعلى منذ عام 2008، ولكنها عادت في شهر 1-2019 لتنخفض بالنسبة ذاتها تقريباً 3,1%.
بينما تشير تقديرات أمريكية إلى أن الأجور ينبغي أن تنمو بمعدل 3,5-4% حتى يستطيع العامل الأمريكي المتوسط أن يشعر بأن هذه الزيادة قد تحققت فعلاً. حيث أشار استطلاع للرأي أن 62% من الموظفين لم يتلقوا أية زيادة في الرواتب في 2018، وأن 25% منهم يريدون البحث عن عمل أفضل.
يشكك الأمريكيون في المؤشرات الكمية لسوق العمل، وعدد الوظائف، لأن الكثير من المؤشرات الأخرى تقول: إن سوق العمل الأمريكية شديدة القسوة والتقشف. حيث تسود في الأعمال الأمريكية ضعيفة المهارات، طريقة الدفع بشيكات يومية، على الرغم من أن العمال يعملون دواماً كاملاً. وطريقة الدفع هذه عدا عن أنها تجعل التسريح أسرع، فإنها قد أدت خلال الفترة الماضية، فترة الإغلاق الحكومية إلى فوات يومين تسديد على أكثر من 800 ألف عامل عبر الولايات المتحدة، وتجاهل يومي العمل ومدفوعاتهم.
وبشكل عام فإن الكثير من العمال الذين لا يحصلون على شيكاتهم اليومية، لا يملكون من المدخرات شيئاً، حيث إنهم اضطروا للجوء إلى بنوك الطعام لتعويض هذه الأيام.
في استطلاع حديث أجراه Bankrate.com فإن نسبة 40% فقط من الأسر الأمريكية تمتلك مدخرات مالية تعادل نفقات الطوارئ البالغة 1000 دولار. بينما نسبة 60% من الأمريكيين لا يملكون مدخرات بهذا الحجم..