80 ليرة للكيلو واط ماراتون تكاليف الكهرباء... يَحْمى شتاءً
حيث تكثر الأموال تزداد كثافة المشكلات، وهذا حال قطاع الكهرباء بمئات مليارات التكلفة، ومئات مليارات الدعم، وعشرات مليارات الاستثمار، وأزمة شتوية متكررة... يتكرر فيها التقنين الواسع، مع استمرار عدم العدالة في الحرمان، فبينما حصة مركز دمشق من التقنين 3 ساعات بأسوأ الأحوال، فإن الضواحي العشوائية تفوق حصتها 12 ساعة!
خصصت الحكومة في موازنة عام 2019: 700 مليار ليرة، لدعم الكهرباء. أي: أن الحكومة تقول: إنها ستغطي 700 مليار ليرة من تكاليف إنتاج وتوزيع الكهرباء، بينما سيدفع المشتركون الباقي.
فإذا ما كان الدعم بـ 700 مليار ليرة، فما هي التكاليف الإجمالية للكهرباء إذاً؟!
في موسم الانقطاع الكهربائي، تكثر التصريحات الحكومية، والمصادر المختصة من وزارة الكهرباء، التي تحاول أن توضح أسباب الانقطاعات...
فالوزير صرح بأن الأحمال ارتفعت بنسبة 60% مع دخول فصل الشتاء، كما أشار إلى أن الإنتاج اليومي قد وصل إلى 83 مليون كيلو واط ساعي، أي: حوالي 31 مليار كيلو سنوياً.
أما معاون وزير الكهرباء فقد تحدّث عن تكلفة للكيلو واط الساعي تقارب 80 ليرة للكيلو، وهي تكلفة قياسية لم يصل أي: تصريح سابق إلى مستواها...
وبناء على هذه الأرقام الماراتونية، فإن تكاليف إنتاج 31 مليار كيلو واط ساعي، قد تصل إلى 2500 مليار ليرة سورية تقريباً! الحكومة تنوي أن تدفع 700 مليار منها، والباقي علينا.
ولكن هل يعقل أن تكون تكلفة إنتاج الكهرباء، تقارب نصف الناتج الإجمالي؟! وهل يعقل أن تصل إلى آلاف المليارات... فمن أي معدن نادر تنتج الكهرباء السورية؟!
البيانات الحكومية ذاتها، تشير إلى أن هذه التكاليف المقاسة مُبالغ بها، وكذلك رقم الدعم...
في عام 2016 بلغت تكلفة الكيلو واط الساعي المنتج: 25 ليرة. وذلك وفق بيانات تكاليف الإنتاج العام من المكتب المركزي للإحصاء.
حيث تم إنتاج 17,6 مليار كيلو واط، وبمعدل يومي 46 مليون كيلو واط.. وكانت تكاليف التوليد قد بلغت: 430 مليار ليرة، يضاف إليها تكاليف نقل وتوزيع، تُوصل التكاليف الإجمالية إلى 444 مليار ليرة.
فكيف ارتفعت تكلفة الكيلو الوسطية من 25 ليرة في 2016، إلى 80 ليرة وفق التصريحات الحالية؟
هل ارتفعت أسعار الوقود المحلية أو العالمية؟ لا... بل على العكس تراجع سعر برميل النفط من 71 دولاراً 2016، إلى 67 دولاراً في 2018 ويتجه نحو الانخفاض. هل ارتفع سعر الدولار مقابل الليرة؟ أيضاً لا... ففي نهاية 2016 كان سعر الصرف 480 ليرة مقابل الدولار، ووصل إلى 600 خلالها، بينما سعر الصرف في 2018 كان مستقراً عند حدود 450 ليرة. وكوسطي في السوق، فإن سعر الدولار كان 500 ليرة تقريباً في 2016، وفي 2018 دون تغيرات كبرى.
والأهم أن إنتاج الوقود محلياً من النفط والغاز قد ازداد، ما يتيح أن يتم تزويد الكهرباء بنسبة أكبر من وقود رخيص التكلفة، فالإنتاج المحلي تكلفته لا تتعدى 10% من قيمته بالأسعار العالمية.
حيث إن إنتاج النفط السوري أصبح في نهاية 2017: 10 أضعاف ما كان عليه في عام 2016، والإنتاج الغازي المحلي ازداد بمقدار: 2,2 مرة.
فما الذي قد تغير إذا كانت تكاليف التوليد المتمثلة بكل ما سبق، لم تشهد تغيرات؟ هل ازدادت تكاليف النقل والتوزيع؟
إن تكاليف النقل والتوزيع لا تشكل إلا نسبة 3% من التكاليف الإجمالية تقريباً. وهي تزيد على سعر الكيلو 1.5 ليرة فقط، إذا ما افترضنا أن الوزارة أنفقت كل مخصصاتها الاستثمارية البالغة 46 مليار ليرة في موازنة 2018 على شراء معدات جديدة، وإصلاح وصيانة محطات ومراكز التحويل، وخطوط النقل على التوترات المختلفة، والكابلات والأعمدة وغيرها.
(وهي غالباً لم تفعل هذا، ولم تقم بتحسينات بمجمل هذه المبالغ على الشبكة، لأننا لم نلمس تحسناً ملموساً وزيادة في قدرتها على استيعاب الحمولات الزائدة).
-37%
الإنتاج الكهربائي الحالي يشكل نسبة 63% من إنتاج عام 2011 وبتراجع يفوق الثلث.
+72%
إنتاج عام 2018 ازداد بنسبة 72% عن أقل مستوى إنتاج مسجل في 2016.
لا يعقل أن تكون تكاليف إنتاج الكيلو واط الساعي في سورية قد وصلت إلى 80 ليرة للكيلو، وتضاعفت ثلاث مرات عن تكاليف إنتاجه في عام 2016...، بل من المنطقي أن تكون التكلفة عند حدود عام 2016، أي: 25 ليرة للكيلو، بل إن المنطقي أن تكون قد انخفضت نتيجة زيادة القدرة على تزويد الكهرباء بالوقود المستخرج محلياً، والذي تكاليفه الفعلية 10% من تسعيرته... ولكن وزارة الكهرباء كما مستهلكي الوقود يدفعون سعراً عالمياً حتى لقاء الوقود المحلي، ويظهر هذا في أرباح الصناعة الاستخراجية التي تتوقع الحكومة أن تصل في 2019 إلى 588 مليار ليرة! وبالمقابل يُسجّل هذا الربح دعماً في قطاع الكهرباء...