تكلفة فرصة العمل بين الشركات المساهمة والصناعة
تتوزع رؤوس الأموال المستثمرة بين القطاعات الاقتصادية، وهي تتكدس عادة حيث يوجد مستوى ربح أعلى فيندفع أصحاب الأموال إلى هذه القطاعات، دون غيرها... ولكن محدد الربح لا يتلاءم غالباً مع محددات الضرورة الاقتصادية من زاوية التنمية، وتحديداً من زاوية تأمين فرص العمل، فترى الأموال مكدّسة حيث لا ينتج التشغيل والعكس بالعكس.
بناء على تقرير حوكمة الشركات الصادر عن هيئة الأسواق والأوراق المالية السورية لعام 2017، والذي يقيس مؤشرات 36 شركة مساهمة في سورية، تتوفر بياناتها الدورية من بين 46 شركة أخرى.
والـ 36 موزعة بين المصارف (14)، التأمين (7)، الصرافة (5)، الخدمات (3)، الاتصالات (2)، الصناعة (2)، الزراعة (3).
187 مليون ليرة
لتوظيف عامل!
يشير التقرير أن هذه الشركات قد زادت قيمة موجوداتها* خلال عام بمقدار 244 مليار ليرة. ومقابل هذا التوسع الاستثماري في الأصول والإنفاق، فإنها قد وظفت 1300 عامل إضافي فقط، ما يعني أن تكلفة تأمين فرصة العمل في هذه القطاعات تقارب: 187 مليون ليرة! طبعاً لا يحصل العامل منها إلّا على نسبة قليلة، قد لا تتعدى 0,5% إذا كان رابته الشهري 70 ألف ليرة!
ربحية وسطية 28%
تصل لـ 161% في الاتصالات
حققت هذه الشركات أرباحاً محققة فعلياً بما يقارب 70 مليار ليرة في 2017، مقابل زيادة قيمة موجوداتها بمقدار 244 مليار ليرة. بمعدل ربحية أو عائدية اقتصادية 28%.
ولذلك فإنك ترى في أعضاء مجالس إدارة هذه الشركات، كل أسماء عائلات الثراء السورية، حيث يسعى الجميع لحجز مقعد في قطاعات الريع الاقتصادي، التي تحصل على حصة من دخل جميع القطاعات الأخرى، والإنتاج الحقيقي. وتحديداً في المصارف وخدمات المال والتأمين، وطبعاً في الاتصالات، حيث أعلى معدل ربحية 161% (42 مليار ليرة ربح إضافي مقابل زيادة الموجودات 26 مليار ليرة في سيريتل مثالاً).
الصناعة أقل من 3 مليون لفرصة العمل
مقابل هذا فإن الاستثمارات الصناعية السورية، المتوسطة وذات الترخيص الصناعي، والتي توسعت أعدادها أكثر من 3 مرات بين 2013-2017. قد استثمرت في 2017 استثمارات صناعية لا تتعدى 11 مليار ليرة، وأمنّت بالمقابل 2828 فرصة عمل معلنة ومسجلة. ما يعني أن تكلفة فرصة العمل فيها تقارب: 4 مليون ليرة.
مع العلم أن عدد العمال الفعلي في هذه المنشآت يكون أعلى من هذه الأعداد، وتكلفة فرصة العمل فيها أقل، حيث يتجنب الصناعيون الإعلان عن كل فرص العمل التي يشغلونها، لتجنب تكاليف تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية.
أما إذا نظرنا إلى الاستثمار الصناعي الحرفي الصغير، فعملياً بملياري ليرة، تأمنت 843 فرصة عمل، وتنخفض تكلفة الفرصة إلى 2,3 مليون ليرة.
تتكدس الأموال المستثمرة في الشركات المساهمة ذات الطابع المالي والخدمي بالدرجة الأولى، وهذه الاستثمارات يقابلها عدد عمال ومستوى تشغيل قليل جداً... ولا يدل هذا على «كثافة تكنولوجية»، بل يدل على تركز الاستثمار في قطاعات المال والخدمات، حيث يمكن تحقيق معدل ربحية أعلى، وحيث تعتاش رؤوس الأموال على الإنتاج الحقيقي في القطاعات الأخرى. وبالمقابل فإن الإنتاج الحقيقي في الصناعة مثلاً لديه مستوى استثماري منخفض المستوى، ويعتمد على كثافة العمالة ورخصها في رفع ربحيته.
*(الموجودات مجموع ما أضافته الشركة على استثماراتها وأصولها، وقد تكون موجودات ثابتة، أو متداولة، وقد تكون أيضاً قروضاً، أو مبالغ مستحقة الدفع بعد فترة، ولكن تغيّرها هو أقرب رقم معبر عن حجم توسع العمليات الاستثمارية خلال سنة).