بعد 70% من الفوسفات... 65% من الأسمدة لشركة روسية!
«خلال أيام وربما ساعات» سيتم توقيع العقد بين الشركة العامة للأسمدة، وبين الشركة الروسية الخاصة التي تستثمر «فوسفات الشرقية» في تدمر بحصة 70%، وستستثمر معمل الأسمدة. هذا ما نقلته صحيفة تشرين عن المدير العام لمؤسسة الصناعات الكيميائية بتاريخ 31-10-2018 والحديث الذي كان مجرد حديث عن استثمار الشركة، أصبح عقوداً ووقائع.
حققت الحكومة مرادها بتوقيع أول عقد تشاركية في الصناعة العامة، فما الحصص، وكيف يمكننا أن نقيم هذا النوع من العقود؟
لطاقته
ستسلم الشركة العامة للأسمدة أعمالها: أصول معاملها، وعمالها، وسوقها، إلى الشركة الروسية. التي ستنتفع بها خلال فترة التعاقد التي قد تصل إلى 40 عاماً، أو تقتصر على 25 عاماً، وفق عملية تقييم تجري بعد الـ 25 عاماً الأولى، ليقرّ بعدها هل يستمر التعاقد أم لا. علماً بأن التصريحات السابقة كانت تتحدث أن العقد سيكون لـ 15 عاماً فقط. (قاسيون 874)
وبمقابل هذا فإن الشركة الروسية، ستعمل على تأهيل المعامل خلال عامين، وتدفع خلالها استثماراً بمقدار 200 مليون دولار. عليها أن تنجز بها خلال عامين تأهيل وتطوير الأقسام الإنتاجية الموجودة، ورفع إنتاجيتها إلى طاقتها التصميمة، مع تحسين شروط العمل البيئية، وتخفيض التكاليف وتوطين التكنولوجيا. مع العلم أنها ستطور الأصول والموجودات الحالية، التي تقارب قيمتها 1-1,5 مليار دولار سنوياً، وفق تصريحات سابقة لإدارة المعمل. ولم يتضمن الحديث عن عملية التأهيل، توسيع خطوط الإنتاج، أو إضافة طاقة جديدة، إلى الطاقة الأصلية للمعامل. التي لم تكن تعمل بكامل طاقتها في الفترة السابقة. ليعود الإنتاج إلى 1600 طن يومياً، بينما كان في الفترة الماضية بحدود 350-400 طن يومياً.
الحصص والعمال
الشركة العامة للأسمدة ستحتفظ بملكيتها للأصول والموجودات التي ستعاد لها بعد 25 أو 40 عاماً، وتحصل على حصة 35% من الأرباح أو من الإنتاج سنوياً، حيث لم يتضح هذا في بنود العقد المنشورة. بينما تحصل الشركة الروسية على الحصة الغالبة المتبقية قرابة 65%.
يحق للشركة الروسية أن تصدر حصتها، ولكن يترتب عليها التزامات، بأن تؤمن حاجة البلاد من الأسمدة، أيضاً دون تحديد الكميات أو النسب. وهذه الكميات من حاجة البلاد، تباع لنا من قبل الشركة، «بأسعار معقولة» كما صرح مدير الصناعات الكيميائية، قائلاً بأننا في أغلب الأحيان سنستغني عن استيراد الأسمدة، أي: أنه من المحتمل أن نحتاج إلى استيرادها في أحيان أخرى! وفي حال صدّرت الشركة إنتاجها، فإنها تعطي الشركة العامة حصتها البالغة 35% ربحاً بالقطع الأجنبي.
أما فيما يخص العمالة، فقد أشار المنشور من أجزاء العقد، إلى أنه على الشركة أن تلتزم بالملاك العددي للعمالة في الشركة العامة للأسمدة، ولا تستطيع أن تصرف عاملاً إلا بالاتفاق مع الطرف الأول، أي الأسمدة العامة.
على ماذا ستحصل الشركة العامة للأسمدة؟
إذا ما ارتفع الإنتاج إلى 1600 طن، انطلاقاً من 350-400 حالياً، كما ذكر سابقاً فإن حصة الشركة العامة للأسمدة، سترتفع من 400 إلى 560 طناً يومياً تقريباً.
ما يعني: أن الشركة العامة للأسمدة، ستحصل على فروقات ضئيلة من حيث العائد، بعد توقيع العقد، فهي كانت تنتج حوالي 400 طن قبل التأهيل، وستحصل على 560 طناً فقط من أصل 1600 بعد التأهيل.
ولن تزيد عائدات الشركة العامة للأسمدة، والمال العام، إلّا إذا سمحت للشركة الروسية أن ترفع أسعارها! وبالحالتين فإن المصلحة العامة تتضرر. فإما أسعار منخفضة وحصة قليلة للشركة العامة، أو أرباح مرتفعة مقابل ارتفاع أسعار الأسمدة، التي لم ينص العقد على تحديد أسعارها أو هامش الربح فيها!
على ماذا ستحصل الشركة الروسية؟
تحصل الشركة الروسية على إيرادات وأرباح بنسبة 65%، أي: على ما يقارب 1050 طناً من أصل 1600 طن.
وهذه الكمية تحقق لها إيرادات تقارب 29 مليار ليرة سنوياً بالحد الأدنى، إذا ما بقي سعر مبيع الطن من الأسمدة 110 آلاف ليرة وسطياً كما هو اليوم! وهو احتمال ضعيف.
ما يعني: أن الشركة الروسية التي ستدفع 200 مليون دولار، وحوالي 87 مليار ليرة للتأهيل، تستطيع أن تسترد أموال استثمارها بثلاث سنوات بالحد الأقصى! وتبقى تستثمر المعمل لمدة قد تصل 25-40 عاماً.
ما يعني: إيرادات بالحد الأدنى: 720- 1160 مليار ليرة، حسب مدة العقد.
يُذكر أن الشركة الروسية المذكورة، قد حصلت على حصة 70% من عقدها في فوسفات الشرقية، بكميات فوسفات سنوية تقارب: 1,54 مليون طن، تستطيع أن تؤمنها لمعملها بسعر التكلفة، حيث الفوسفات من المستلزمات الأساسية في صناعة الأسمدة.
أسئلة لموقعي العقود
«حُماة المال العام»
نضع هنا خلاصة العقد والأسئلة الموجهة للجهات التي وقعته، والتي عليها أن تصل إلى أفضل العقود من موقع مصلحة المال العام:
لماذا تصل مدة العقود إلى عشرات السنين، بينما المستثمر يحصل على حصة تصل إلى 65% طول مدة العقد 25- 40 عاماً، وتمكنه من استرداد استثماره بإيرادات ثلاث سنوات فقط؟
لماذا تصل حصة المستثمر من الأسمدة إلى 65%، بينما يحصل على عقد لتأمين مادته الأولية، الفوسفات، بنسبة 70%، ليحتكر إيرادات المادة الأولية، وإنتاجها الصناعي؟
لماذا ترضى الحكومة بحصة تبلغ 35% فقط، وتتخلى عن ثلثي إنتاج الأسمدة، على مدى عشرات السنين، بينما الاستثمار المدفوع 200 مليون دولار لا يتجاوز نسبة 2,2% من الموازنة الموضوعة في عام 2019؟
لماذا ترضى الحكومة أن ينص العقد على تأهيل الموجودات والأصول، وليس إنشاء معامل جديدة للأسمدة، وتعطي المستثمر موجودات بقيمة 1-1,5 مليار دولار ليستثمرها لعشرات السنين؟ بينما سورية تمتلك احتياطياً من الفوسفات لا تصنع منه إلّا نسبة 9%، وتحتاج إلى طاقات تصنيع إضافية، وليس تأهيل الموجود فقط!
إذا ما كانت الغاية رفع الإنتاجية، وتوطين تكنولوجيا جديدة في صناعة الأسمدة، ألا يجب أن نسأل عن جدوى هذه التكنولوجيا، والمعدات بعد 25- 40 عاماً؟!
إذا كانت هذه شروط المستثمر، ألم تستطع الحكومة أن تبحث عن أطراف متعاقدة أخرى، تقوم بعملية التأهيل، ودراسة التكاليف والجدوى في المعمل، وتأخذ أجوراً مقابل هذه العملية، وليس الحصة العظمى من الإنتاج لمدة عشرات السنين؟
أليس من الأجدى للحكومة أن تدفع من إنفاقها العام، لتقوم بتأهيل المعمل بشكل تدريجي، وتبقي إنتاج الأسمدة ملكاً للمال العام. حيث لو أنفقت 200 مليون دولار، فإنها تستطيع استردادها خلال ثلاث سنوات؟
ألا تعني هذه العملية المسماة بالتشاركية، تسليم المعدات والجزء الأكبر من الإنتاج للمستثمر الخاص، لعشرات السنين، مقابل ماذا؟ عوائد مال عام منخفضة، وأسمدة قد تغطي أو لا تغطي حاجات البلاد، وبأسعار لا يشير العقد إلى إمكانية تحديدها حكومياً؟