الطوابير: (أين الطحين يا وزير»؟
ازدادت طوابير المواطنين أمام الأفران، وأصبحت كميات الخبز المتدفقة يومياً أقل من الفترة الماضية. أما السبب فهو تراجع كميات الطحين الواردة إلى المخابز، ولكن ما سبب التخفيض؟! الجواب غير واضح، إذ تنفي التصريحات الرسمية الأسباب المنطقية، وتربط المسألة بمحاربة الفساد وسرقة الطحين، بل يربطه البعض بـ (صغار الباعة» خصوم الوزارة اللدودين.
المؤكد أن الحكومة خفضت كميات الطحين المتدفقة إلى المخابز بنسبة تراوحت بين 10-20%، وفق قرار صادر عن الوزارة أكده مديرو المخابز، وأكده لاحقاً مدير المطاحن مهند شاهين، معتبراً أن التقليص موجود، ولكنه مدروس، وأنه يسمح بتأمين حاجات كل منطقة. فلماذا تم التخفيض: هل السبب يرتبط بالنقص في الاحتياطي، أم أن السبب فعلاً يرتبط بتقليص الهدر في الطحين؟
الاحتياطي واحتمالات تقلصه
تحتاج سورية فعلياً إلى استيراد سنوي أكثر من نصف مليون طن من القمح حالياً، لتأمين الدقيق الضروري للخبز فقط. فوفق التقديرات نحتاج قرابة مليون طن من القمح لإنتاج خبز الدولة في الشركة العامة للمخابز، وفق تقديرات الربع الأول من العام الحالي. بينما ما يؤمنه الإنتاج المحلي المسلّم للمؤسسة العامة للحبوب، يقارب 460 ألف طن تقريباً في الموسم الحالي.
وعملية الاستيراد التي تتم وفق العقود مع روسيا منذ عام 2016، كان من المفترض أن تضمن 1,2 مليون طن في العام الماضي على 6 دفعات. ويتم الحديث عن التعاقد على 1,5 مليون طن للعام القادم. أي أن قيمة المستوردات وفق العقود المعلنة تكفي احتياجات القمح الضرورية للخبز، وتزيد. ولكنها أقل من الحاجات الإجمالية للقمح التي قدرها الوزير في إحدى جلسات مجلس الشعب بحوالي 2,5 مليون طن من القمح.
وأي اختلال في توريد القمح عبر هذه العقود قد يؤثر على كمية الاحتياطي الضرورية لصناعة الخبز. ولكن الوزارة تؤكد أن المشكلة ليست هنا، بل أكد الوزير بأن احتياطي الطحين الموجود حالياً يكفي لثمانية أشهر في تصريح نقلته وكالة رويترز عنه في الشهر السادس من العام الحالي، بينما رفض مدير المطاحن حالياً أن يشير إلى كمية الطحين الإستراتيجي، أو المدة التي يغطيها.
مواجهة هدر الطحين!
طالما أن الوزارة تؤكد أنه لا مشكلة في الاحتياطي، فإن السبب المتبقي يتعلق بالتقليص المتعمد لمخصصات الطحين الموزعة للمخابز العامة، إذ لا تظهر هذه الأزمة لدى الأفران الخاصة. بل ذهبت بعض التصريحات لتشير إلى أن التقليص يرتبط بتقليص الهدر في الطحين، وأن المخصصات الموزعة حالياً للمخابز تكفي بل تزيد لمدة شهر عن حاجة كل مخبز.
فهل هذا يعني أن المخصصات الموزعة سابقاً، كانت تتضمن كميات فائضة تتراوح بين 10 وتصل إلى 20%؟! فإذا ما كانت الفوائض اليومية، التي تذهب هدراً وتفوق الحاجات تقارب وسطياً 15%، فإن هذا يعني أنه من أصل 3500 طن طحين كانت تخصص للشركة العامة للمخابز، فإن حوالي 525 طناً كانت تهدر يومياً! وهو ما قيمته 115 مليون ليرة يومياً، وحوالي 42 مليار ليرة سنوياً، إذا ما أخذنا كلفة طن الدقيق 220 ألف ليرة، وفق ما قدره مجلس الشعب السوري.
إذا ما كان الهدر بهذا الحجم، فلماذا لم يظهر إجراء حكومي إلّا في هذه اللحظة؟ ولماذا تتعامل الحكومة بتكتّم مع مسألة الهدر في الطحين المدعوم؟! ألا يجب أن يتحول هذا الموضوع (المكتشف حديثاً» إلى ملف فساد كبير، يطرح التساؤل حول المسؤولية عن تخصيص كميات فائضة عن الحاجة تبلغ قيمتها عشرات المليارات!
تحتاج سورية إلى مليون طن من القمح تقريباً لتأمين حاجات الخبز الضروري في المخابز العامة للدولة، بينما الحاجات الإجمالية من القمح تقارب 2,5 مليون طن سنوياً.
تستلم الحكومة أقل من نصف مليون طن من محصول القمح المنتج محلياً، بينما تستورد أكثر من 1.5 مليون طن من القمح من روسيا تصل على دفعات.
إذا كان وسطي الهدر في كميات الطحين المخصصة للمخابز العامة 15%، وهو وسطي نسبة التقليص الحالية للمخصصات. فإن هذا يعني هدراً سنوياً بـ 42 مليار ليرة.
إن أزمة الخبز الحالية تعيد التأكيد على الأزمة الفعلية المرتبطة بتراجع استلام الحكومة للقمح المنتج محلياً، فكما أمَّن تغير الظرف الأمني استعادة جزء هام من مصادر الطاقة، فإن تغيّر هذا الظرف ينبغي أن يعيد عمليات استلام القمح إلى مستوياتها السابقة، وألّا تقتصر الكمية على أقل من نصف مليون طن فقط. المسألة التي يجب أن تضعها الحكومات نصب أعينها. أما في أسباب الأزمة الحالية، فإن التصريحات الحكومية التي لا توضح فعلياً سبب تخفيض مخصصات المخابز العامة من الطحين، تشير إلى التستر على واحدة من مشكلتين: إما أن عقود الاستيراد لا تؤمن تدفق القمح بشكل كافٍ، المسألة التي ينبغي نقل نقاشها للعلن، من أجل حلها. أو أن هناك فعلاً هدراً في الطحين المدعوم يقارب 15% من كميته، وهذه مسألة لا تكتشف فجأة، ولا ينبغي أن يتم التستر عليها، أو رميها على المخابز والباعة! بل إنها تعني: أن المسؤولية تقع على المسؤولين عن تخطيط هذه الكميات وتحديدها، وهي مسألة مركزية ولا تتعلق بسلوك أصحاب ومسؤولي المخابز الذين إن كانوا شركاء في هذا فإنهم الشركاء الأخيرون في سلسلة فساد من فوق إلى تحت.