مجلس الشعب يناقش: «صناعة» استيراد السيارات
عرض في معرض دمشق الدولي، سيارات «تجميع سوري» ووصل سعر بعضها إلى 110 مليون ليرة، وعادت على إثر ذلك سيرة تجميع السيارات، على كل لسان، و«رفع أعضاء مجلس الشعب صوتهم عالياً»...
في إحدى جلسات مجلس الشعب المنعقدة خلال الأسبوع بين 23-27 من الشهر التاسع، تم التركيز على موضوع السيارات المجمعة مجدداً. إذ انبرى أعضاء مجلس الشعب، وجزء هام منهم من أصحاب الأموال المستقلين، بانتقاد هذه الظاهرة. ليقول أحدهم مثلاً: «الحكومة منعت استيراد السيارات السياحية للحفاظ على القطع الأجنبي، وبالمقابل سمحت باستيراد القطع، الأمر الذي يتطلب القطع الأجنبي كذلك الأمر». واعتبر آخرون أن هذا القرار هو «لمصلحة أشخاص محددين... وأن الأرباح تصل إلى 300%»، وأكد آخر بأن «الشعب يطالب بفتح باب استيراد السيارات السياحية لتنخفض أسعارها».
وتكرر الحديث عن السماح باستيراد السيارات السياحية، وعدم حصر الموضوع بأشخاص محددين، حيث أن العديد من ممثلي الشعب في مجلسه، يعودون إلى العائلات المالكة لوكالات استيراد السيارات السياحية المتوقفة حالياً، وهي جزء طبعاً من جملة الأعمال التي تمتلكها هذه العائلات.
«صناعة» وأية صناعة!
«صناعة» تجميع السيارات في سورية، توسعت وتمركزت في العامين الأخيرين من الأزمة، حيث أصبحت مملوكة لشركة قابضة واحدة، بعد أن اندمجت مجموعتا: حميشو، وأمان القابضة. إذ حصلت الأخيرة على وكالة كيا الحصرية، من وكيلها السابق الذي تم الحجز على أمواله، وحصلت أيضاً على وكالة هيونداي لاستيراد الشاحنات في العام الحالي.
قيل الكثير حول كون هذه «الصناعة» هي آلية للتهرب من دفع الرسوم الجمركية، وكل ما قيل أقرّته الحكومة، وإن جزئياً، ولكنها اعتبرت أن هذا كان مؤقتاً وأنها اتخذت إجراءات بشأنه. فعملياً الشركات التي رُخّص لها، لإقامة معامل التجميع، بعضها يقوم بأعمال جزئية جداً ونهائية لتجميع قطع السيارات، وعليها رسوم جمركية 30%، والآخر يقوم بأعمال تجميع أوسع وتنخفض جماركها إلى 5% للقطع. والأولى تعمل في صالة واحدة، بينما الثانية تعمل في ثلاث صالات. وفي كلتا الحالتين تختلف درجة التجميع، ولكنها تبقى هامشية.
المصدّرون يقولون أننا نستورد سيارات كاملة!
إن بيانات الاستيراد السورية، لعامين متتالين: 2016- 2017، والمعتمدة على مصادر دولية من الجهات المصدّرة لسورية، تشير إلى أن استيراد السيارات في سورية، السيارات الكاملة، وليس قطعها فقط، هو واحد من البنود الأساسية في المستوردات السورية.
بلغت قيمتها في عام 2016: 124 مليون دولار، بينما انخفضت في عام 2017 إلى: 104 مليون دولار، وتأتي في المرتبة الرابعة ضمن تصنيف البضائع المستوردة، مصدرها الأول، هو: كوريا الجنوبية، بوزن 7871 طن، وبقيمة وسطية للوحدة 8490 دولاراً، وحوالي 4 مليون ليرة، أما المستوردة من الصين فأوزانها بلغت 1126 طناً، بقيمة وسطية للواحدة 11300 دولار تقريباً، وحوالي 5 مليون ليرة، أما مصدرها الثالث فهو: تركيا. (من بيانات منظمة ICT – مستوردات سورية- البضائع المصنفة تحت الرقم 8703).
فالجهات المصدّرة لسورية، تصدّر لنا سيارات كاملة، وليس قطعاً، إذ أن قطع السيارات لها بند مستقل، بلغت قيمته 66 مليون دولار تقريباً في عام 2017. فالسيارات تستورد كاملة، وتدخل إلى البلاد على شكل قطع، لتقوم عليها عمليات جزئية، ويتخذ رسم 5-30% وكلاهما منخفض، بالقياس إلى أن السيارة السياحية سلعة كمالية، يفترض منع استيرادها.
فإذا ما كان السعر الوسطي للوحدة بين 4-5 مليون، بينما سعر سيارات الكيا وصل في معرض دمشق الدولي إلى 24 مليون ليرة، بعد أن كان يقارب 19 مليون قبله، كما أشار أحد النواب المعترضين، فإن الأرباح قد تصل نسبتها إلى 600%!
«الموضوع منتهٍ»
وزير الاقتصاد الذي وجهت إليه، تساؤلات أعضاء مجلس الشعب، رد عليهم بالتأكيد بأن الموضوع يستمر وسيتوسع، حيث ستدخل وكالات سيارات فرنسية وكورية وصينية وإيرانية في إطار التجميع. أما حول التجاوزات المقرّة سابقاً باستخدام بعض الشركات لاستيراد القطع كآلية لاستيراد السيارات الخاصة، والتهرب من الرسم الجمركي، فقد اعتبره الوزير «خللاً في إحدى مديريات الصناعة وتمت محاسبة المسؤول عن هذا الموضوع»، بينما الشركة المتورطة في هذا الموضوع، والتي جرى الحديث عن الحجز على أموالها الاحتياطية، عادت لتندمج مع شركة أخرى وتعمل في المجال ذاته! أما رئيس مجلس الشعب، فقد اعتبر أن المسألة أشبعت بالنقاش، وارتأى إغلاق الموضوع.
5 مليون ليرة
يرد في بيانات تصدير السيارات إلى سورية في 2017 أن السعر الوسطي للوحدة المستوردة من كوريا يقارب 8500 دولار تقريباً وحوالي 4 مليون ليرة، بينما الوسطي للمستورد من الصين حوالي 5 مليون ليرة.
104 مليون دولار
يرد في بيانات التصدير الدولية إلى سورية في 2017 مبلغ يقارب 104 مليون دولار قيمة السيارات المستوردة إلى سورية مصدرها الأول: كوريا والثاني: الصين بينما واردات قطع السيارات تقارب 66 مليون دولار فقط.
عملية تجميع السيارات، تلقى معارضة في مجلس الشعب، ولكن ليس حرصاً من الأعضاء على القطع الأجنبي، وليس حرصاً منهم على المال الحكومي. بل أثيرت الضجة حولها، لأنها آلية استيراد للسيارات ملتفّة، بجمارك منخفضة، ولأنها تعيد التوزيع في سوق وكالات السيارات السياحية، التي أغلقتها الأزمة أمام أصحاب أموال سابقين، وفتحتها لأصحاب أموال بعينهم... كما تجري في سياق اقتصاد حرب يُدار بعقلية ومصلحة كبار الأموال فقط لا غير! فأعضاء المجلس اعترضوا على الظلم الكامن في إصدار قرارات وآليات تخدم متنفذين بعينهم، وهذا صحيح، ولكن ليس ليقولوا بأن الشعب يريد ويحتاج آليات نقل عامة، بل من وجهة نظرهم الشعب يطالب باستيراد السيارات السياحية لتنخفض أسعارها، ولكن السؤال إذا كانت السيارة بـ 10 مليون ليرة فقط الآن... ما عدد السوريين الذين سيشترون سيارة حالياً؟!