SHOW... (الانتعاش الاقتصادي)
تشهد دمشق خلال هذا الشهر، معرض دمشق الدولي... تَعدّ الصحف المحلية، والمسؤولين الحكوميين: عدد المشاركين والصفقات، ومساحات العرض، وكل ما يمكن عَدّه للترويج للمعرض على اعتباره مؤشر (انتعاش)، حتى لو كان هذا من تصريحات فنانين عرب!
ولكن ما مدى مساهمة المعارض بالترويج التصديري، وما مدى مساهمة التصدير بحد ذاته بالنشاط الاقتصادي، وما علاقة كل هذا بالانتعاش؟!
عشتار محمود
التصدير لا زال متراجعاً و3,5% من الناتج فقط!
لم تنعطف التجارة الخارجية السورية، والصادرات تحديداً، نحو النمو بعد. ولا زالت كما الناتج في إطار التراجع الاقتصادي، ولكن وتيرة هذا التراجع قد انخفضت إلى حد بعيد بين العامين الأخيرين. وأصبحت بنسب أقل من 5% تراجع، بعد أن وصلت سابقاً إلى تراجع بمقدار الثلث، والربع خلال عام واحد.
أما ما مدى مساهمة المعارض في انخفاض هذا التراجع، فالأمر غير واضح. ولكن إذا ما قارنا مساهمتها، مع المساهمة المتوقعة لتراجع مساحات المعارك فيمكن القول: إنها ضعيفة في أحسن الأحوال.
التصدير بمستوياته المذكورة، يشكل مساهمة لا تزيد عن 3,5% من الناتج المقدر لسورية في عام 2017. وهو لا يزال يعتمد بشكل أساس على نشاط بعض قوى التجارة، من جامعي المواد الخام السورية، الزراعية بالدرجة الأولى.
ضوء أخضر للتصدير...
أي شيء لأي مكان
التصدير السوري، متدنٍ إلى حد بعيد، رغم أنه واحد من القطاعات التي لا تعاني من أية عراقيل حكومية. فلا موانع في التصدير: إذ يستطيع التاجر السوري أن يصدّر إلى أية وجهة يريد دون محددات سياسية، أو اقتصادية. ويستطيع أن يحتفظ بقطع التصدير الناجم عن عملياته، ويستطيع أن يسجل صادراته بمبالغ قليلة جداً لتخفيض رسومها، وذلك وفق آلية الأسعار الاسترشادية للصادرات. والأهم: أن بوابات التهريب كانت متيسرة دخولاً وخروجاً في ظروف العادية لسورية، وهي اليوم أكثر يسراً في الظروف الحالية للأزمة. وعدا عن هذا فإن أهم حوافز التصدير متوفرة في سورية، وهي حالة الاحتكار التجاري، وانخفاض استثنائي في أسعار المنتجات المسحوبة والمجمعة من المزارعين، والمنتجين، وتحديداً مع ليرة منخفضة القيمة بالقياس إلى الدولار.
إن العوائق الجدية في وجه الجدوى الاقتصادية للتصدير، ليست في التسويق أو الترويج له، أو في إعطاء المصدرين حوافز. بل في المستوى المتدهور للإنتاج الاقتصادي الحقيقي السوري. فإذا ما كان التصدير عالي الأهمية بالنسبة للسياسات الاقتصادية، فعليها إذاً بدعم الإنتاج الزراعي، ليتحسن كماً ونوعاً ويصبح قابلاً للتصدير بأسعار أفضل. ودعم الصناعات الغذائية، وتصنيع خامات الزراعية. هذا عدا عن إمكانات التصدير المتاحة في الصناعات الأخرى، التي رغم قلتها إلا أنها تصبح ذات جدوى أكثر إذا أجريت عليها عمليات أولية للقيمة المضافة.
(حليمة) على عادتها القديمة وبلا أصدقاء
المفارقة أنه مقابل كل (التطبيل) للتصدير، فإن الوقائع تقول: إننا لا زلنا نصدر بالدرجة الأولى، خامات زراعية، والمفارقة أنها منخفضة النوعية وبالتالي السعر، في كثير من المنتجات، فلا الحمضيات قابلة للتصدير وفق ظروف الإنتاج السوري مقابل شروط التسويق العالمية، ولا نسبة الأسيد في زيت الزيتون السوري مثلاً تسمح بتأمين سعر عالمي مناسب... وغيرها من الأمثلة.
سوق التصدير في سورية، كانت ولا زالت سوقاً أولية وعرضية، قائمة على تصدير فوائض بسيطة تقل أو تكثر، إلى جهات قريبة وأسواق قديمة لم تغيرها ظروف الأزمة. حيث لم تتغير إلّا الكميات، في خارطة التصدير السوري وبقيت من حيث الآليات والنوع والوجهة على حالها المتخلف السابق.
حيث ينقل التجار إنتاج الزراعات العطرية السورية الذي يشكل رقم واحد، إلى الجوار العربي، وإلى تركيا. وينقلون أيضاً فوائض من المكسرات والفواكه ثم الخضار، وحتى القطن لتشكل هذه الخامات الأولية الزراعية مبلغ 440 مليون دولار ونسبة 63% من الصادرات، وطبعاً كل ما سبق ينقل خام دون تصنيع.
وينقل (جامعو المعادن) النحاس والحديد والألمنيوم والرصاص خاماً إلى أسواق لبنان وتركيا ومصر بمبالغ تقارب 30 مليون دولار. أما الصادرات المصنعة فأهمها: الألبسة، ولكن بنسبة 5% من الصادرات، ومنتجات المنظفات بنسبة 3%.
أما من حيث الوجهات التصديرية، فإن كل الحديث عن (الأصدقاء)، يذهب أدراج الرياح عندما تفرض وقائع السوق، والعلاقات التجارية نفسها. حيث إن تركيا والسعودية في مقدمة مستقبلي البضائع السورية، وكذلك الاتحاد الأوروبي. بل حتى أن الولايات المتحدة يصلها ضعف ما يصل روسيا من صادرات سورية تقريباً: 7,4 مليون مقابل 4 مليون دولار. ما يدل على أنه ما من دور رسمي، أو خطة فعالة لتفعيل العلاقات التجارية، وتحريكها وتغيير وجهتها، والتفاوض بشأنها، بل لا زالت على (الهوى) القديم. حيث تجمع قوى السوق ما تيسر من فائض، وتسوقها إلى حيث اعتادت أن تفعل.
التصدير (لن يشيل الزير من البير) والمعارض كذلك... فهي لا تفيد إلا في تسويق وعرض ما هو موجود في الإنتاج الاقتصادي السوري، ولكن المشكلة هي في طبيعة ومستوى هذا الإنتاج، وليس في التسويق له والوصول إليه!
إن الإنتاج الحقيقي السوري يحتاج إلى انتشال، من حالة ضعف الأداء والعشوائية التي تفرضها ظروف السوق عموماً، وتحديداً في ظروف استثنائية كالظرف الحالي. والإنتاج يحتاج قبل المعارض إلى خطة تفعيل، ومن ثم تسويق، ليكون ما تسوّقه جذاباً فعلاً.
أداء الاقتصاد السوري، وتحديداً الإنتاجي منه، المنعكس في مستوى التصدير ونوعه، لا يوحي (بالنصر الاقتصادي). بل على العكس، حيث إن واحداً من أهم صادرات سورية مهرّبة خارج البلد، أي: قواه البشرية المنتشرة عبر العالم، أو المعطلة في دوامة الحرب. ولن يكون لسورية نصر حقيقي، إلا عندما يشعر أبناؤهُ بالكرامة والفعالية في بلادهم.