لبنان يتجهز لإعادة إعمار سورية
السوريون ليسوا الوحيدين الذين يجهزون أنفسهم، بل أيضاً تجهز الأطراف اللبنانية أوضاعها للمرحلة القادمة... وتحديداً قطاع الخدمات الذي اعتاد لبنان الاعتماد عليه. نشر موقع global finance تحقيقاً شمل توقعات بعض جهات الخدمات اللبنانية حول المرحلة القادمة. تنشر قاسيون جزءاً منه.
محرر الشؤون الاقتصادية
يعوّل الاقتصاد اللبناني وقوى المال على إعادة الإعمار السورية، لانتشال الاقتصاد المتعب، وصاحب واحدة من أعلى نسب الدين إلى الناتج في العالم. المرافق الخدمية محورية في هذا المجال، بقطاع النقل والترانزيت، وبقطاع المصارف والخدمات المالية
طرابلس ميناء إعمار سورية!
زادت السلطات اللبنانية حجم ميناء طرابلس ثلاثة أضعاف، ورفعت قدرته التخزينية من 400 ألف حاوية إلى 1,3 مليون. وعملية التوسع هذه تتطلب ما يقارب 350-400 مليون دولار، يبحث ميناء طرابلس عن أطرافٍ وشراكات لاستكمال تمويلها.
تم تزويد المرفأ بالرافعات الصينية التي ارتفاعها 46-63 متراً، وتنتظر هذه الرافعات الحمولات الكبرى القادمة، التي يتوقعها لبنان بمجرد بدء إعادة الإعمار في سورية. هذا ما نقله الرئيس التنفيذي لشركة Gulftainer Lebanon المستثمرة لمحطة الحاويات في المرفأ اللبناني: «نتوقع أن يزدهر النقل التجاري بمجرد بدء إعادة الإعمار في سورية، حيث سيكون لدينا ميزة تنافسية، لأن الموانئ القريبة صغيرة جداً بالنسبة لسفن الحاويات، وقد وقعت الشركة عقد إيجار لمدة 25 عاماً في عام 2013 وتستثمر حوالي 100 مليون دولار في توسيع ميناء طرابلس، ارتباطاً بتوقعات الإعمار في سورية».
الشركة اللبنانية تتلقى دعماً إقليمياً، بل وعالمياً ملفتاً، على أساس الآمال المرتبطة بمرفأ طرابلس. حيث اشترت ثالث أكبر مجموعة شحن في العالم، وهيCMA-CGM الفرنسية حصة تقارب 20% من الشركة اللبنانية، وفي 2017 وافق البنك الإسلامي للتنمية ومقره المملكة العربية السعودية على قرض بقيمة 86 مليون دولار لمواصلة توسيع الميناء. وهذا يرتبط بعمليات استكمال تطوير وتوسيع الميناء لردم منطقة تكديس الحاويات على مساحة 160 ألف متر مربع، وإنشاء منطقة تجارة حرة تبلغ مساحتها 550 ألف متر مربع، وفقاً لمسؤولي الميناء.
يعلق الاقتصاد اللبناني الكثير، ليس فقط على ميناء طرابلس، بل على تحويلها إلى مركزٍ للبنى التحتية المرتبطة بالمرحلة السورية القادمة، وهذا ما وضحه رئيس غرفة التجارة في المدينة في عروضه للمستثمرين ليتحدث عن محطة قطار متصلة بحمص، مطارٍ في طرابلس، مصافي نفط وغاز، وأرض معارض دولية.
المصارف اللبنانية تترقب
تتضارب الأرقام والتصريحات حول حجم الودائع السورية في لبنان، البعض يقول: إنها كانت تقارب 16 مليار دولار قبل الأزمة، وقد أضيف إليها قرابة 10 بعدها، وآخرون يشيرون إلى أنها تقارب 11 مليار دولار، مستثمر منها 1 مليار فقط، وأخيراً يشير آخرون إلى أن حجمها الإجمالي 20 مليار دولار. ولكن بطبيعة الحال فإن أياً من هذه الأموال تساوي أو تفوق الناتج السوري لعام 2016.
التشابك العميق بين أصحاب الأموال السوريين والقطاع المصرفي اللبناني قديم، ويرتبط بمرحلة تهريب الأموال السورية إلى المصارف اللبنانية، قبل أن تفتح المصارف الخاصة فروعها في سورية، ويصبح نقل الأموال متاحاً. حيث أصبحت وجوه المال السورية، أبرز أسماء مجالس إدارة المصارف اللبنانية في سورية، التي كانت السباقة في الدخول إلى السوق السورية بعد فتحها في عام 2000. ويشير المصرفيون اللبنانيون إلى أن السوق السورية كانت كبيرة وواعدة، فعلى سبيل المثال، يذكر نائب رئيس بنك عوده في لبنان، إلى أن البنك تمكن انطلاقاً من عام 2006 أن يجمع أصولاً بملياري دولار من الصفر في ثلاث سنوات فقط، وكانت معظمها ودائع العملاء التي نتج عنها في 2010 أرباحاً صافية بـ 20 مليون دولار.
استمرت معظم المصارف اللبنانية في أعمالها السورية، ولكن بالحدود الدنيا... البعض قام بتغطية استثماراته والبعض الآخر قام بشطبها، والآخرون اختاروا الاستمرار مع حذرٍ شديدٍ بعد تطبيق العقوبات. ولكن يؤكد أحد الاقتصاديين في بنك بيبلوس لبنان: أن «أياً من البنوك اللبنانية لم يتراجع تماماً عن العمل في سورية» ويشير آخرون بأن البنوك اللبنانية خدمت العملاء في سورية لمدة عقدين أو ثلاثة عقود، قبل أن تتوغل في سورية مباشرة، ولديها معرفة وثيقة بالسوق وسجل حافل بإدارة المخاطر السورية، وهو ما سيعطيهم ميزة تنافسية، بحسب أحد كبار الإداريين في بنك عوده.
وفق رأي مصرفيي لبنان، فإن إعادة إعمار سورية ستواجه صعوبات تمويلية، حيث لن تدفع التكاليف التمويلية أطراف مثل: روسيا وإيران، ومن الصعب توقع أن يكون الخليج مبادراً إلى التمويل بعد مسار الأزمة ونتائجها السياسية، وفي ظل تراجع إمداداته المالية عموماً، وكذلك المؤسسات الدولية الغربية التي تعلن أنها لن تبادر إلا بشروط وستدخل متأخرة، ولن تمتلك القدرة الكافية للتصدي لتقديرات إعادة الإعمار المقاربة لـ 500 مليار دولار. كما أن الصين لا تبدي حتى الآن مبادرة واضحة في اللحظة السياسية الحالية. ووفقاً للمصرفيين اللبنانيين ومن منطلق قطاع الأعمال ومصالحه الضيقة، فإنه «بما أن التمويل سيكون من الصعب ضمانه، فمن المحتمل أن تمتد إعادة الإعمار على مدى عقدين أو أكثر، وهذا يعني وجود سوقٍ هامٍ ومستقرٍ للبنان». وفقاً لما أورده أحد المصرفيين اللبنانيين من بنك عوده!
نجاح إعمار سورية سيدفع لبنان إلى الأمام، وقد يضع مستحقات لبنانية قديمة على الطاولة، لربط المدن اللبنانية والسورية ببعضها، ولاستكمال إنشاء البنى التحتية اللبنانية التي دفنتها «إعادة الإعمار اللبنانية»... ولكن كل الفرص_ التي ينتظر أصحاب الأموال في سورية ولبنان وفي كل مكان أن يتلقفوها_ ترتبط بالدرجة الأولى بإمكانية تدفق تمويلي جدية لسورية، التي ستحتاج ما بين 300-500 مليار دولار.
فما من «حريري» واحد يستطيع أن يتصدى لإدارة تمويل بهذا الحجم، وبهذا التعقيد السياسي. حيث بين الأطراف الدولية، هناك من سيعوّض ويدفع أثماناً، ومن سيحاول أن يتعوّض، وهناك من ستدفعه مصالحه لتأمين تمويل دون أرباحٍ هامة، وهناك من سيحاول التملص والابتعاد خوفاً من دفع أثمان، لا تحقيق أرباح!
إلّا أن ما سيقوض أحلامهم، هو ما يقابل هذه الأرقام من الحاجات الملحة والضرورية لعموم السوريين، والتي لا يمكن أن تنتظر عقوداً كما يتوقع البعض! بل ستضع نفسها أمام القوى المحلية والدولية وأمام قطاع الأعمال، وكل الراغبين بتحقيق أرباح كبرى، لأن عدم تحقيق هذه المستحقات، سيعني الفوضى وتغذية المعركة من جديد، وهو ما أصبحت الأطراف كلها تريد تجنبه.