شروط إيطاليا... وتفكيك الاتحاد الأوروبي
أثبتت الانتخابات البرلمانية الإيطالية الأخيرة أن واحدة من أهم الدول الأوروبية، لم تعد تريد الاتحاد الأوروبي. تغيرت اللوحة السياسية في إيطاليا منذ تلك الانتخابات، وتحالفت قوى يمين الوسط لتشكل الحكومة الإيطالية ودخلت بمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول دَيْن إيطاليا السيادي البالغ 132% من ناتج البلاد.
قد لا تقول الحكومة المشكلة مباشرة (نريد إخراج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي)، ولكنها تضع مطالب تعني بالعمق: فرض وتيرة جديدة في حل أزمة الديون الأوروبية، وتؤدي إلى الاعتراف بانهيار أسس اتفاقية تشكيل منظومة اليورو في ماستريخت 1992.
تشكلت الحكومة الإيطالية الجديدة بعد مفاوضات مع (بروكسل) أي: البنك المركزي الأوروبي تمت عبر رئيس إيطاليا، والذي فشل في فرض رئيس وزراء ينال رضى (بروكسل وبرلين)، ولكنه نجح في إبعاد أحد الوجوه الإيطالية الأساسية المعادية للاندماج الأوروبي عن وزارة الاقتصاد والمال الإيطالية، ولكن مقابل وضعه في وزارة الشؤون الأوروبية، الأمر الذي قد يحرم بروكسل الراحة.
شطب الديون والاعتراف بالفشل
النقاط الأساسية في برنامج الناجحين في الانتخابات، تتمثل بمنع حل أزمة الديون الإيطالية وفق الطريقة اليونانية وعبر تطبيق سياسات التقشف، حيث تم تقديم المساعدات المالية لليونان بديون جديدة وبقيت نسبة الدَّين للناتج قرابة 180%! وتُلّوح أطراف الحكومة الإيطالية الجديدة بالخروج من الاتحاد الأوروبي في حال تمت محاولة فرض النموذج اليوناني على إيطاليا. بالإضافة إلى نقاط أخرى تهم الحكومة الجديدة متعلقة بمسألة الهجرة غير الشرعية، والعلاقة مع روسيا ورفض تطبيق العقوبات... وغيرها.
ولكن الخطوة التالية الواضحة، هي ما تم إعلانه من نقاط ستطلبها إيطاليا من بروكسل والمتمثلة بنقطتين أساسيتين:
الأولى: المطالبة بشطب 250 مليار يورو من ديون إيطاليا للبنك المركزي الأوروبي، وهو مبلغ كبير يقارب مبلغ تمويل أزمة ديون اليونان، وهو كبير إذا ما قيس بالإمكانات المالية للاتحاد الأوروبي، الذي يقف حالياً عند مبلغ 7 مليار يورو مطلوبة لسداد تكلفة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الناتجة عن الفرق بين ما أنفقته بريطانيا على الاتحاد وبين التزاماتها تجاهه.
أما النقطة الثانية التي ستطلبها الحكومة الإيطالية من البنك المركزي الأوروبي، هي: التوقف عن تقييد المالية والميزانية الإيطالية بقيود اتفاقية ماستريخت المطبقة عام 1992 والتي أصبحت الكثير من الدول الأوروبية غير ملتزمة فعلياً بقيودها.
فإذا ما أُخِذت نسبة الدَّين السيادي للناتج كمؤشر، فإن الاتفاقية تقول: أن الدول الأعضاء عليها أن تلتزم بنسبة لا تتجاوز 60% من الدَّين للناتج، ولكن الوسطي في أوروبا اليوم، للديون السيادية للدول بالقياس إلى الناتج بلغ 81% تقريباً.
يبلغ الدَّين السيادي الإيطالي نسبة 132% من الناتج كما ذكرنا، وهي ثاني أكبر نسبة تسبقها اليونان فقط، وهذه الديون موجودة بالدرجة الأولى لدى مصارف أوروبية كبرى مثل: كومرزبنك، ودوتشيه بنك، والبنك الفرنسي.
إيطاليا قد تجر إسبانيا والبرتغال
ستتحول طريقة تعامل الحكومة الإيطالية مع الدَّين الإيطالي إلى معضلة للاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو والبنك المركزي الأوروبي، حيث لا تستطيع أن ترفض أو تقبل الشروط الموضوعة. فرفض الطلبات الإيطالية يعني تسريع خروج إيطاليا من الاتحاد، الأمر الذي سيجر وراءه كما يتوقع العديدون مجموعة دول الجنوب الأوروبي: البرتغال التي نسبة ديونها لناتجها 126% تقريباً، إسبانيا قرابة 100%. أي أن رفض التفاوض مع الإيطاليين وشطب ديونهم، وإلغاء قيود ماستريخت سيعني عملياً تفكك الاتحاد الأوروبي بعد خروج إيطاليا ومن خلفها البرتغال وإسبانيا، واليونان.
أما قبول الشروط، فعدا عن صعوبته المالية المترتبة على شطب 250 مليار يورو، فإنه يعني الاعتراف بفشل اتفاقية ماستريخت، وإلغاء الأساس القانوني لتشكيل الاندماج الأوروبي، وصعوبة إلزام الأطراف الأوروبية بقيود مالية وسياسات اقتصادية!
المتحمسون للخروج من الاندماج الأوروبي كُثُر، وتحديداً في إيطاليا وإسبانيا، حيث يرى هؤلاء أن عودتهم إلى العملات الوطنية ستسمح لهم بإعادة جزءٍ من الإدارة المستقلة لاقتصاداتهم، واستعادة سلطة البنوك المركزية الوطنية، والانسحاب من إملاءات البنك المركزي الأوروبي. وسيكون من الممكن تحديد أولويات الإقراض بشكل مستقل، وتحقيق تأثير حركة السلع ورؤوس الأموال عبر الحدود من خلال إدارة العملة الوطنية، وقد تبقى هذه الدول في منطقة اليورو، ولكن عضويتها ستكون رسمية تماماً، وستكون قرارات بركسل والاتحاد الأوروبي اختيارية لها.