ريع الأرض...  حصة المالكين من أسعار العقارات

ريع الأرض... حصة المالكين من أسعار العقارات

ترتفع أسعار العقارات في المدن السورية الأساسية والمناطق الآمنة، إلى مستويات قياسية، وتشير جميع التوقعات بأن اندفاعة المستثمرين نحو القطاع الإنشائي العقاري، ستؤدي إلى ارتفاع قريب في أسعار العقارات في سورية عموماً، وارتفاع ما يسمى بالريع العقاري: أي: حصة مالكي الأراضي والعقارات من السعر، مقابل التكاليف الفعلية للإنشاء... 

كم يبلغ الريع العقاري اليوم من أسعار العقارات؟ وما هي تكلفة الإنشاء الفعلية، وما حصتها من التكلفة؟

 إن تقدير نسبة الريع العقاري الدقيقة أمر ليس بالسهولة، فهو يختلف تبعاً للمناطق، والبعد عن مراكز المدن، وتواجد المرافق الحيوية والبنى التحتية في المناطق العقارية وغيرها من العوامل الخدمية، والتي تؤثر على أسعار العقارات. ولكن قيمة العقار إذ تتأثر بهذه العوامل، على اعتبارها منافع وخدمات ذات قيمة ما، إلا أن العامل الحاسم في الارتفاع المحلي والعالمي المستمر في أسعار العقارات، يعود إلى تحوّلها إلى ملاذٍ للاستثمارات لتُضارب على أسعارها بالشراء الرخيص والبيع المرتفع، حيث يرتفع النشاط العقاري المضاربي، في ظروف تراجع النشاط الاقتصادي الفعلي، ويسعى أصحاب الأموال والثروات إلى تبييض أموالهم بالنشاط العقاري.
60% بالحد الأدنى
عموماً، يشكل الريع النسبة الأكبر من أسعار العقارات حالياً، وربما يكون حده الأدنى 60% من الأسعار الحالية المرشحة للارتفاع: فإذا ما أخذنا سعر بناء على الهيكل في منطقة غير منظمة، وغير مخدمة، يتبين لنا الحصة الفعلية لريع الأرض، دون قيمة الخدمات والبنى التحتية. وقد أخذنا نموذجاً من منطقة عشوائية في مدينة جرمانا، ليتبين أن أقل سعر للمتر هناك يبلغ: 60 ألف ليرة على الهيكل، تشكل منه تكاليف البناء مقدار 24 ألف ليرة، والباقي أي: 36 ألف ليرة من سعر المتر هي لريع الأرض، بشكل تقريبي.
مشروع الرازي... أغلى من بروكسل!
يشير الجميع إلى الارتفاع المرتقب في أسعار العقارات في سورية، وهو لن يكون نتيجة لارتفاع التكاليف في القطاع الإنشائي، بل نتيجة توسع الاستثمار العقاري. وتقدم الاستثمارات العقارية الجديدة حالياً نموذجاً عن مستوى الأسعار التي يمكن الوصول إليها! فقد تكون أسعار العقارات السورية تقع على موقع منخفض في سلم أسعار العقارات العالمية كسعر، إلا أن القفزات النوعية التي يحضر لها المستثمرون العقاريون في مناطق مثل: منطقة الرازي ستغير المعادلة، فإذا ما صح ما يتم تداوله عن وصول سعر المتر المربع في منطقة الرازي إلى 2 مليون ليرة، وحوالي: 4347 دولاراً للمتر المربع، فإن هذا يجعل الأسعار في هذه المنطقة في مدينة دمشق بالمرتبة 30 عالمياً من حيث أسعار العقارات عبر مدن العالم، لتأتي أسعار منطقة المشروع أعلى من أسعار العاصمة البلجيكية بروكسل: (بناء على ترتيب موقع GLOBAL PROPERTY GUIDE).
هذا وتعتبر هذه المنطقة مقامة على أراضي دولة مستملكة، ولمصلحة جهة عامة هي محافظة دمشق! فإذا ما كان (الاستثمار العام العقاري) يسعى إلى رفع السعر إلى هذه المستويات، فأين سيصل الآخرون من المستثمرين العقاريين في مرحلة أكثر استقراراً أمنياً وسياسياً؟
ما هي التكلفة الفعلية للإنشاء؟!
يعتبر قطاع الإنشاء قطاعاً اقتصادياً حقيقياً، فهو ينتج سلعاً حقيقية ذات قيمة وتتضمن عملاً بشرياً، ويفترض أن تلبي قيمة استعمالية هي حاجة السكن، أو أي استخدام آخر للبناء، إلا أن التشوه الاقتصادي الناجم عن سوق الاستثمار المضاربي، يجعل السعر بعيداً جداً عن القيمة الفعلية...
فما هي تكاليف البناء الوسطية لنمط البناء الإسمنتي التقليدي في سورية اليوم، مقابل هذه الأسعار؟ وما هي الحصة التقريبية للريع العقاري؟
تقارب تكلفة المتر المربع من البناء الإسمنتي الطابقي التقليدي اليوم: 20-28 ألف ليرة. ووسطياً 24 ألف ليرة، أي: الكلفة الوسطية للشقة السكنية من 100 متر مربع لا تتجاوز: 2 مليون- 3 مليون ليرة تقريباً. وذلك وفق التفصيلات المبينة في الجدول المرفق.
حيث تشكل تكلفة البيتون نسبة 46% من تكاليف البناء، بينما يشكل الحديد نسبة 43%، متضمنة تكاليف نقلها ومرابحها، أما النسبة الباقية من تكاليف البناء فهي لأعمال البناء، أي: للعمال وهي لا تتجاوز 11% من التكاليف الإجمالية، وحوالي 3000 ليرة للعمل البشري في المتر المربع متضمنة تكاليف قليلة للخشب المستخدم في المتر المربع. وقد تُضاف تكاليف للضرائب والرسوم، وتكاليف للأتاوات في الظروف الحالية، ولكنها تبقى جزءاً قليلاً من تكلفة المتر المربع.
في المقابل، فإن أسعار مبيع المتر المربع الهيكلي، ورغم تفاوتها الكبير بين المدن والريف، وبين الضواحي ومراكز المدن، وبين الأحياء بحسب درجة التخديم والقرب من المراكز التجارية، وبين المساكن نفسها، موقعها الطابقي، واتجاهاتها، ومزايا أخرى، إلا أن أدنى أسعار مبيع المتر إذا أخذنا دمشق وريفها نموذجاً، تسجل 60 ألف ليرة للمتر المربع، كما في منطقة وادي بردى، وقطنا، أو في المناطق غير المنظمة أو المخدمة في جرمانا، بينما يصل سعر المتر في صحنايا وأشرفية صحنايا على سبيل المثال لا الحصر إلى 130- 150 ألف ليرة للمتر، ويتراوح في المناطق المنظمة في جرمانا بين 250-500 ألف للمتر المربع، ويصل في الأحياء الأغلى في مركز دمشق، كما في حي المزرعة أو المالكي إلى أكثر من مليون ليرة للمتر المربع الجاهز، وأصبحت مليارات الليرات مطروحة في أسعار العقارات السورية.
وبشكل عام فإن سعر الأرض، أو الريع العقاري للموقع والخدمات يشكل نسبة 60% من أسعار العقارات بالحد الأدنى، وقد يصل إلى 84% من السعر، بينما التكاليف الفعلية للبناء على الهيكل فهي لا تبتعد كثيراً عن 20- 30 ألف ليرة للمتر المربع، وفق نمط البناء الإسمنتي التقليدي، حيث يحصل مالكو الأراضي والمستثمرون العقاريون على 60% من الربح بالحد الأدنى، ويحصل البناؤون الفعليون (لصروح الربح) هذه على نسبة لا تتعدى 5% من قيمة ما أنجزوه!

آخر تعديل على الإثنين, 26 شباط/فبراير 2018 13:42