الهوية الاقتصادية الضائعة!

الهوية الاقتصادية الضائعة!

ما هي هوية الاقتصاد السوري؟! واحدة من أكثر الجمل تكراراً لدى المهتمين بالشأن الاقتصادي السوري، حيث يعتبر البعض أن هذه الهوية الضائعة هي «لبّ المشكلة»، ولكن هل فعلاً الاقتصاد السوري بلا هوية؟! 

ينبغي السؤال: ما هي الإجابات المحتملة في هذه الحالة؟ فهل المقصود الإجابة عن سؤال: اشتراكي أم رأسمالي؟! نعتقد أن أحداً ما لا يرادوه أي شك بأن الاقتصاد السوري ليس له أية علاقة جدية بالاشتراكية لا سابقاً ولا حالياً، وهو اقتصاد رأسمالي كما هو حال كل الاقتصاد العالمي اليوم، أي: يقوم على علاقات السوق، التي يحكمها هدف السعي نحو الربح، وأقصى ربح ممكن. أما المقصود بالساعين إلى تحقيق الربح: فهم القادرون على تحقيقه، أي أصحاب رؤوس الأموال إن كانت مشاريع صناعية أو زراعية أم خدمية أم مصرفية أو حتى «مليشياوية».. وكما هو معروف: إن ملكت المشروع فإنك تملك الحق بمليارات من دخله حتى لو لم تزر مشروعك يوماً واحداً، أما إذا كنت ممن لا يملكون إلا الوقوف على أقدامهم والاستثمار في مهاراتهم وقوة عملهم فإنك ستزور المشروع الذي يملكه فلان خمسة أيام بالأسبوع ولمدة 8 ساعات على الأقل، وستحصل على حصة هي أجرك!
إذاً الاقتصاد السوري، هو: اقتصاد سوق رأسمالي تسود فيه الملكية الخاصة وتحكمه قوانين السوق، لتحدد الأسعار والأجور وتوزيع الثروة كغيره من اقتصاديات العالم.
وإن كان هذا معروفاً للجميع، فربما علينا أن نتكهن بمعنى السؤال عن الهوية، فالبعض يربط مسألة هوية الاقتصاد بدور السياسات الاقتصادية وجهاز الدولة في ضبط السوق، وتحديد مسارات تنموية وتوجيه عملية النمو...
بناء على هذا علينا القول: أن السياسات الاقتصادية في سورية تتبع للتغيرات التي تحدث في الواقع الاقتصادي الفعلي، وتؤثر عليها في الوقت ذاته، ويمكن القول: إن ما نشهده اليوم وقبل الأزمة بقليل هو نتاج لسمتين بارزتين للعقود الأخيرة في عمر هذا الاقتصاد الصغير الرأسمالي التابع في السوق العالمية. الأولى: أنه ما من خطوات تنموية جدّية ومشاريع كبرى أنجزت في سورية منذ ما قبل أزمة الثمانينيات الاقتصادية، أي أن التطور والنمو الحقيقي والنقلات النوعية لم تتحقق، أما السمة الثانية فهي التوسع الكبير في تحاصص الدخل القليل المنتج، وتمركزه الكبير لدى القلة حتى وصلنا إلى مستوى استثنائي من تشوه توزيع الدخل قبل الأزمة، بربع للأجور وثلاثة أرباع للأرباح، وهذه العملية تمت نتيجة عوامل متنوعة إلا أن أهمها الهيمنة السياسية والاقتصادية للفساد الكبير واستخدامه لجهاز الدولة استخداماً «فعالاً» لصالح تكديس الثروات الشخصية.
أما اليوم، فيستخدم البعض وصف «الفساد المافيوي» في التعبير عن حالة الاقتصاد السوري الذي يتراجع فيه كل شيء، إلا توسع قدرة الفساد على التوسع و«التسلبط» على القليل المتبقي من قدرة الاقتصاد السوري على الإنتاج، ولكن هذا التوصيف لا ينطبق على الأزمة فقط، بل هو استمرار لما كان سابقاً، وهو توصيف قد يكون مجتزأً للحالة، فالفساد الكبير دائماً «مافيوي»، وهو طريق أصحاب الثروة للربح الكبير والسريع في لحظات الأزمات، وإن كانت الأزمة قد انفجرت في عام 2011 إلا أنها كامنة منذ عقود، وإحدى أهم تعبيراتها هو «نموذج الفساد الكبير السوري» الذي لم ينشأ اليوم بطبيعة الحال!
للاقتصاد السوري هوية محددة: هو اقتصاد سوق رأسمالي تابع ومأزوم، كما كان طوال العقود التي كان السوريون فيها يجهدون لتأمين لقمة عيشهم ليقدموا أضعاف ما يحصلوا عليه ليس فقط لمنظومة النهب المحلي، بل للنهب العالمي عبر السوق التي أصبحت مفتوحة، وعبر ودائع النهب في بيوت المال الإقليمية والعالمية.
ولكن الأزمات لا تبقى في طور الاقتصاد، بل تنتقل لتصبح كما شهدنا أزمة اجتماعية وسياسية وصراعاً ينتهي إن عاجلاً أم آجلاً لصالح التغيير، لذلك ينبغي عوضاً عن الإجابة عن السؤال المجاب عليه، أن نبحث في الهوية القادمة للاقتصاد السوري، عندما تنحسر ولو نسبياً غمامة العنف، ويدخل السوريون على خط رسم الهوية الوطنية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، بعد أن كانوا مغيبين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
813