وزير الصناعة الأسبق يكشف خفايا استثمار الأسمنت والحديد
كشف الدكتور غسان طيارة وزير الصناعة السوري الأسبق عن تفاصيل طرح شركات الأسمنت والحديد على الاستثمار الخاص، وذلك بعد أن أعلنت الحكومة رسمياً إلغاء هذه الفكرة نهائياً خوفاً مما أسمته " منعاً للإثراء على حساب الغير"، ومن المعروف أن الوزير طيارة وعند توليه حقيبة الصناعة في الحكومة السابقة كان من المؤيدين لاستثمار تلك الشركات من قبل القطاع الخاص تحت ما كان يسميه "مشاركة مع القطاع الخاص" وليس خصخصة.يوضح الوزير الأسبق في هذه المقالة تفاصيل طرح تلك الشركات على الاستثمار الخاص، وموقفه من عبارة " منعاً للإثراء على حساب الغير" كما يلي:
حول استثمار شركة حديد حماه
• عندما كُلِّفت بمهام وزير الصناعة كانت دراسة عروض استثمار شركة حديد حماه قد انتهت من قبل المؤسسة العامة للصناعات الهندسية وعُرضَ عليَّ المحضر النهائي للمصادقة عليه وبعد ذلك للتعاقد مع صاحب العرض الفائز.
• درست المحضر بشكلٍ دقيق ووجدت بأن اللجان الفنية لم تُجْرِ دراسة فنية للتجهيزات التي يعْرضُها المشاركون وكانت قيمة هذه التجهيزات تتراوح ما بين 40 و53 مليون دولار أمريكي، فطلبت من المؤسسة دراسة عروض التجهيزات التي سيقدمها العارضون والتأكد من طاقاتها الإنتاجية ومدى ملاءمتها.
• بناءً على القناعة المتوفرة لديَّ تم إيفاد لجنة فنية لزيارة الشركات العارضة للاطلاع على التجهيزات المعروضة أثناء العمل في شركات تصنيع الحديد وعلى إنتاجيتها بشكل مباشر.
• طلبت من المؤسسة العامة للصناعات الهندسية إعداد استمارة موحدة يتم تعْبئتها من العارضين لتوحيد طريقة العرض والتي تُحدد حصة الدولة من الإنتاج بشكلٍ سنوي وعلى أساس مدة العمل في السنة الواحدة 330 يوماً0 وكان ذلك بعد أن قدمت اللجنة الفنية، التي اطلعت على التجهيزات المماثلة لما هو معروض، تقريراً تبين فيه أنها مناسبة.
• استدعينا الشركات العارضة وطلبنا منهم تقديم العرض وفق الاستمارة التي أعدَّتها المؤسسة الهندسية.
• في اليوم الثاني تم فتح جميع المغلفات بحضور جميع العارضين ولجنة المناقصة وبحضور كل من مدير عام المؤسسة العامة للصناعات الهندسية ومعاون الوزير المختص في مكتبي.
• بعد فتح العروض والتوقيع عليها من قبل لجنة المناقصة تم عرض محتويات المغلفات على العارضين ليتأكدوا بأنفسهم من هو العارض الفائز، وانتهى الاجتماع بعد أن قدم الخاسرون التهنئة إلى العارض الفائز.
• طلبْت من المؤسسة العامة للصناعات الهندسية إعداد مشروع العقد وتوقيعه بعد استمال الكفالة النهائية تمهيداً للتصديق عليه0
في هذه الأثناء اغْتيل رئيس مجلس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وظهرت الإشاعات المغْرضة بحق سورية مما جعل الشركة الفائزة تتلكأ في تقديم الكفالة النهائية وتوقيع العقد وبعد ظهور تقرير ميليس الأول أعلمتنا الشركة صعوبة تقديم الكفالة وبعد متابعات حثيثة مرة بالكلام الحلو وتارة بالتهديد وأخرى بالتشجيع تم توقيع العقد وتقديم الكفالة.
• رفعت العقد إلى اللجنة الاقتصادية برجاء المصادقة عليه وذلك بناءً على طلبها من الوزير عند الموافقة على طرح شركة حديد حماه للاستثمار قبل أن يتم تكْليفي بمنصب وزير الصناعة بمدة تزيد على سنة ونصف السنة.
• درست اللجنة الاقتصادية مشروع العقد وقررت إعادته إلى وزارة الصناعة للمصادقة عليه من قبل وزير الصناعة لأن هذا الشكل من العقود لا يدخل ضمن نظام العقود المعمول به، فقمت بالمصادقة عليه أصولاً.
• أُعيد العقد ومرفقاته إلى مؤسسة الصناعات الهندسية لإعداد إضبارة تشميل مشروع الاستثمار على قانون الاستثمار رقم عشرة وتعديلاته بالاستناد إلى دفتر الشروط الفنية الذي على أساسه تم استدراج العروض.
• أعدت المؤسسة الهندسية الإضبارة وتم رفعها إلى مكْتب المجلس الأعلى للاستثمار للعرض بقصد تشميل مشروع الاستثمار بقانون الاستثمار وتعْديلاته، وكان ذلك في أواخر كانون الثاني سنة 2006، وكان من المفروض أن يُعْرض المجلس الأعلى للاستثمار في 15 شباط 2006 إلا أن التعديل الوزاري بتاريخ 11 شباط 2006 أدى لإعادة الدراسة من قبل السيد الوزير الجديد، وبعد عدة اجتماعات قررت الحكومة إلغاء استثمار شركة حديد حماه.
ولتوضيح خطأ عبارة "منعاً للإثراء على حساب الغير " أبين بعد المعطيات:
• ستصبح الطاقة الإنتاجية للشركة 410 آلاف طن محسوبة على حديد القضبان بعد تسع سنوات والطاقة الإنتاجية الحالية لا تزيد على 70ألف طن سنوياً.
• ستصبح حصة الدولة من الأرباح بعد ثلاث سنوات 600 مليون ليرة سورية، وتصبح 900مليون ليرة سورية بعد ستة سنوات على بدء الاستثمار، بينما أرباح الشركة الحالية لا تزيد على مائة وخمسين مليون ليرة سورية.
• ستوظف الشركة المستثمرة مبلغ لا يقل عن 53مليون دولار خلال سنة من إعطاء أمر المباشرة.
ظهرت في الصحف بعض الأخبار المختلطة أبين أهمها:
• بتاريخ 11/7/2006 ظهرت بعض التوجيهات بإلغاء الاستثمار بينما كان تاريخ كتاب السيد وزير الصناعة الذي يطْلب فيه إلغاء الاستثمار هو 24/7/2006 وكانت المصادقة عليه في 27/7/2006 .
• شكل السيد وزير الصناعة لجنة خاصة لإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لتطوير وتحْديث معمل صهر الخردة لرفع الطاقة الإنتاجية إلى 400ألف طن بيليت، فماذا سيكون مصير المدة التي ذهبت هدراً إذا وجدنا أن الدراسة لا تفيد بالجدوى الاقتصادية المناسبة؟ مع تمنياتي أن تؤكد الدراسة الجدوى الاقتصادية، ولكن هل يجوز أن نُلْغى الاستثمار وليس لدينا دراسة تؤكد بأن الغير سيغْتني على حساب الدولة؟.
• نشرت جريدة البعث في عددها رقم 12937 تاريخ 1/8/2006 ملخص مذكرة سرية عن الشركات الهندسية وقد أوردت الجريدة فيما يخُص شركة الحديد ما يلي: "بينما تحتاج شركة الحديد إلى استثمارات ضخمة بملايين الدولارات لأن الوضع الفني لمصانع شركة الحديد سيئ جداً ولن تستمر الأرقام الإنتاجية في معْملي الصهر والقضْبان تحديداً لأكثر من عام اعتباراً من تاريخه وأن مصنع التطريق متوقف منذ استلامه من مؤسسة معامل الدفاع بسبب قياسات إنتاجه غير المطلوبة في السوق".
لقد أطلت في التوضيح ولهذا أترك الأسئلة والاستفسارات إلى فِطْنة القارئ.
حول استثمار معامل الاسمنت
• بدأت الحكومة تفكر بطرح شركات الاسمنت على الاسْتثْمار قبل ما يقارب أربع سنوات وتركز الطرح على شركتي أسمنت عدرا وطرطوس وقد اتصلت المؤسسة بعددٍ من الشركات العالمية لاستمْزاج الرأي معها في مجال الاستثمار وقد كان نصيب تلك الجهود الفشل الذريع بسبب عدم الجدية في متابعته.
• كما ذكرت فقد تم تكْليفي بمنصب وزير الصناعة بتاريخ 4/10/2004، ومن الطبيعي أن أفكر مع إدارات المؤسسات العامة في طريقة لتطوير وتحديث شركات القطاع العام، فبعد أن انتهينا من إعداد دراسة عن الواقع العام للصناعة في سورية كان من الضروري أن نبدأ بإعداد دراسة لإعادة تأهيل شركات القطاع العام الصناعي، وبهدف تحقيق ذلك قمنا بما يلي:
• عقدت اجتماع تمهيدي مع السادة معاوني الوزير (كان عددهم ثلاثة) لتدارس أوضاع هذه الشركات على أن نعْقد اجتماع آخر بعد أن يجهز كل منهم وجهة نظره بعد الاجتماع مع المؤسسات العامة المرتبطة به وفي مطلع شهر أيار عقدنا اجتماعاً آخر طرحنا فيه أهم الأفكار التي تساعد على تطوير كل شركات القطاع العام الصناعي، وبعد أن وضعنا مجتمعين ملخصات للمقترحات قمت بنفسي بصياغة مذكرة عن أوضاع شركات القطاع العام الصناعي المرتبطة بوزارة الصناعة وكيفية إعادة هيكلتها لرفعها إلى السيد رئيس مجلس الوزراء للحصول على التوجيه المناسب، وقد عرضت الصياغة الأولى للمذكرة على السادة المعاونين وتم تثبيت الشكل النهائي لها بموافقة المجتمعين0 (قِيل على لسان أحد معاوني الوزير بأنه لم يُشارك في إعداد المذكرة وهذا ليس صحيحاً).
• قمت شخصياً ومباشرة بتسليم المذكرة إلى السيد رئيس مجلس الوزراء باليد بتاريخ 15/5/2005 تحت رقم 91/ص.م. و وقد جاء فيها فيما يخص شركات الاسمنت ما يلي:
ومن الضروري التفكير بأحد الحلول التالية:
1ـ إقامة مصانع جديدة لإنتاج الإسمنت، وبطاقات تصل إلى ما يقارب من ثلاثة ملايين طن سنوياً، وهذا يكلف الدولة لكل مليون طن ما يقارب من مائة وخمسين مليون دولار ولن نتمكن من وضعها في الاستثمار قبل أربعة سنوات من تاريخه، وتبقى الكلفة عالية والمبالغ ضخمة لا يجوز تحميلها لخزينة الدولة.
2ـ إعادة تأهيل الشركات القائمة بزيادة الطاقة الإنتاجية لكل خط إنتاج بنسبة تقارب أو تزيد على خمسين بالمائة وبمدة لا تزيد على سنة ونصف. ولتأمين التمويل اللازم لإعادة التأهيل يمكن إتباع ما يلي:
أ ـ مشاركة القطاع الخاص في إعادة تأهيل بعض خطوط الإنتاج عن طريق مشاركة بعض المستثمرين الذين حصلوا على قرارات تشميل على القانون رقم (10) لعام 191 وتعديلاته ليقوموا بتأمين التمويل اللازم لعملية إعادة التأهيل.
ب ـ طرح بعض خطوط الإنتاج لإعادة التأهيل من خلال مبدأ الاستثمار لمدة تصل كحد أقصى لخمسة عشرة عام وعلى أن يستفيد المستثمر من نسبة من الطاقة الإنتاجية المضافة فقط.
ج ـ قيام الدولة برصد الاعتمادات اللازمة لإعادة التأهيل لباقي خطوط الإنتاج وتصبح كامل الطاقة الإنتاجية المضافة ملكاً للدولة علماً بأن تكاليف إعادة التأهيل لا تزيد على ثلث إنشاء خطوط جديدة.
ويعْتبر الحلان (أـ ب ) أفضل ما تقْترحه وزارة الصناعة في مجال زيادة الطاقة الإنتاجية لشركات الإسمنت القائمة.
• راجعت السيد رئيس مجلس الوزراء بعد عدة أيام لمعرفة رأيه في المذكرة التي رفعتها، فأكد لي موافقته عليها على أن تتم دراستها من خلال اللجنة الاقتصادية ومع اتحاد العمال.
تأخر إقرار الدراسة إلى منتصف شهر أيلول من عام 2005 على ما أذكر وبدأنا استعداداتنا لتنفيذ المقترحات الواردة فيها.
• في شهر تشرين الأول طرح السيد وزير المالية بالاتفاق معي على مجلس الوزراء طلب دراسة من وزارة الصناعة عن استثمار معامل الاسمنت بهدف رفع طاقتها الإنتاجية بنسبة 75% كحد أدنى.
• قدمت الدراسة المطلوبة لاستثمار شركات الاسمنت من قبل القطاع الخاص الوطني أو الأجنبي في الجلسة التي تلت واقترحت تشكيل لجنة مفوضة لمتابعة الموضوع، أقر مجلس الوزراء الدراسة وقرر تفويضي بالمتابعة مع اللجنة الاقتصادية.
• تضمنت الدراسة رفع الطاقة الإنتاجية بنسبة 75% من الطاقة الحالية كحد أدنى وخلال مدة لا تتجاوز ثلاثة سنوات.
• أن التوظيفات المالية اللازمة لكل شركة تتراوح مابين 50مليون ليرة سورية و80مليون ليرة سورية.
• يتم طرح أولاً شركتي اسمنت عدرا وطرطوس وبعد مدة شهر تُطْرح باقي الشركات، وذلك بسبب أن المؤسسة العامة للاسمنت كانت قد طرحت شركتي اسمنت عدرا وطرطوس للاستثمار وقد توقفت بعد ذلك في عهد الوزارة السابقة.
• كان من المفروض أن ينتهي تقديم عروض استثمار شركتي اسمنت عدرا وطرطوس في نهاية عام 2005 وبناءً على طلب الشركات فقد تم تمديد فترة تقديم العروض لمدة شهر على أن ينتهي تقديم العروض لباقي الشركات في نهاية آذار 2006 .
• جرى تشكيل اللجان الضرورية لدراسة العروض واختيار الأنسب.
• تم إنهاء تكليفي كوزير للصناعة قبل أن أعرف أي نتيجة ولكن سمعت أن عدد الشركات التي قدمت عروضها يزيد على عشرة.
• قبل المصادقة على المذكرة المنوه عنها أعلاه والتي سلَّمتها باليد إلى السيد رئيس مجلس الوزراء استقبلت شركة لبنانية فرنسية ترْغب في استثمار شركة اسمنت في سورية وذلك بناء على توجيه من السيد رئيس مجلس الوزراء تبلَّغت به عن طريق أمين سره. واستقبلت شركة غوروش التركية بناءً على محادثة مع الرفيق عبد الله الأحمر بعد عودته من زيارة إلى تركيا.
• شرحت للشركات التي راجعتني متطلبات الاستثمار وطلبت منهم إبداء رأيهم بعروض أولية، وقد امتثلت الشركة التركية وقدمت عرضاً واضحاً ولكنه غير مناسبٍ ولا يتوفر فيها لنا العائد الاقتصادي المناسب فهم سيستثمرون الشركة لمدة خمسة عشرة سنة وستبقى عوائد الشركات للدولة كما هي قبل الاستثمار، وقد استفادت مؤسسة الاسمنت من النقاش مع الشركة التركية في إعداد دفتر شروط واضح وجيد ومناسب بحيث يحْفظ حق الشركة ويؤدي إلى عائد استثمار متزايد سنوياً.
• توقف الاستثمار لأسباب مجهولة بالنسبة لي، ولهذا اتصلت مع السيد وزير المالية للاستفسار عن أسباب إلغاء الاستثمار، باعتباره كان قد طرح موضوع استثمار شركات الاسمنت في مجلس الوزراء، وكان جوابه بعدم معرفته الأسباب التي أدت لذلك وفي النتيجة أود التأكيد على ما يلي:
• عندما تتوفر الاعتمادات اللازمة التي تتراوح مابين 360 مليون دولار أمريكي و 480 مليون دولار أمريكي في حدودها الدنيا (صناعة صينية أو صناعة دانمركية التي تتميز على جميع الدول في مجال صناعة الأسمنت على الطريقة الجافة)، وعندما تتوفر لدى الحكومة النية الكاملة بمنح شركات القطاع العام الصناعي المرونة الكافية والصلاحيات التامة يمكن أن يتم التمويل من قبل الدولة.
• إن قانون العاملين في الدولة رقم /50/ لعام 2004 وقانون الشركات رقم/2/ لعام 2005 ونظام العقود الصادر بالقانون رقم /51/ لعام 2004لا تؤمن تلك المرونة وبذلك نكون:
• خسرنا ثقة الشركات التي تقدمت إلينا للاستثمار لدينا.
• خسرنا سنوات تزيد على ثلاثة سنستورد فيها الاسمنت والحديد بأسعار مرتفعه مع التأكيد بأن الخسارة واحدة إذا كان المستورد هو الدولة أو من القطاع الخاص فكل النفقات هي من العملات الصعبة التي تتسرب من خزينة الدولة وتؤثر على ميزاننا التجاري وميزان المدفوعات لدينا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 279