د. إلياس نجمة لـ«قاسيون»: كل أجر أو دخل لا يغطي النفقات الضرورية للحياة يجب ألا يخضع للضريبة
جاءت فضائح الفساد في مديرية الجمارك ومالية حمص ومواقع أخرى متعددة.. لتشير إلى الحجم الهائل للتهرب الضريبي الجاري في سورية بأشكال مختلفة، الأمر الذي يحدث خللاً كبيراً في الميزان الاجتماعي الوطني، ويحرم الخزينة العامة من إيرادات ضخمة يمكن أن تُسخّر في عملية التنمية المعطلة، وتحسين الواقع الاجتماعي – الاقتصادي للشعب السوري الذي أصبح قسم كبير ومتزايد منه يقبع تحت خط الفقر..
وللوقوف على حيثيات هذه الظاهرة ومدى خطورة استمرارها، التقت «قاسيون» الباحث الاقتصادي والأستاذ في جامعة دمشق د. إلياس نجمة وأجرت معه الحوار التالي:
• الأستاذ د. إلياس نجمة، ما هي أسباب تفاقم ظاهرة التهرب الضريبي في سورية؟
التهرب الضريبي ظاهرة موجودة في شتى أنحاء العالم بمستويات متفاوتة، ولكن هذا لا يبرر وجودها خاصةً عندما يصل التهرب إلى مستويات عالية جداً كما هي الحال عندنا. صحيح أن ظاهرة التهرب الضريبي قديمة وليست طارئة على مجتمعنا، لكن الجديد فيها هو انتشارها بشكل كبير في كل المواقع التكليفية للضرائب، وهو ما أدى إلى تراجع نسبي كبير في الإيرادات الضريبية..
والتهرب الضريبي إما أن يكون تهرباً «قانونياً»، وإما تهرباً عبر مخالفة القانون، وأقصد بالتهرب الضريبي القانوني، إتاحة القانون للمكلف أن يدفع أقل مما يتوجب عليه دفعه، فأحياناً تكون هناك ثغرات يمكن أن ينفذ منها المتهرب من الضرائب بسبب ضعف التشريع، كما يكون هناك تشريعات تتخذ من أجل محاباة بعض الفئات لتتهرب من الضرائب. إذاً، هذه التشريعات تتعمد السماح بالتهرب الضريبي، مثلاً ضريبة الدخل المقطوع، عندما يتم تكليف فئات محددة من المكلفين معروف أن لديها دخولاً كبيرة بضريبة الدخل المقطوع، بحيث تأتي لجان وتقدر دخول هذه الفئات بمستويات متدنية، فهذه الفئات تدفع الضرائب، ووفقاً للقانون هي غير متهربة، بينما واقعياً هي متهربة، وقد انتقدت ذلك بعنف طوال السنوات السابقة، وقد سمعت مؤخراً بأنهم سيقومون بتكليف المشافي الخاصة والجامعات الخاصة بضريبة الدخل الحقيقي بعد أن كلفت خلال السنوات السابقة بضريبة الدخل المقطوع وبنسب ضئيلة، وفي الضرائب العقارية الأمر مماثل، حيث يدفع البعض ضريبة ريع عقارات أقل مما يتوجب عليه بسبب التخمين الضعيف للقيم، والأمر ذاته يحصل في ضريبة الإرث عندما كانت موجودة، ورسوم التسجيل العقاري.
عندما فرضت ضريبة الدخل المقطوع منذ خمسين عاماً، كان المسوغ القانوني والفقهي لها أن بعض المكلفين كالباعة المتجولين وأصحاب الحرف البسيطة غير قادرين بسبب ضآلة أعمالهم على أن يمسكوا دفاتر ويقدموها إلى وزارة المالية لتدل على حقيقة أرقام أعمالهم وحقيقة دخولهم، فتقوم الدولة بتأليف لجان تتابع هؤلاء المكلفين وتقدر دخلهم، ويستمر التكليف على هذا الدخل الذي تقدره هذه اللجان لمدة خمس سنوات. والمقصود بهذا النوع من التكليف كان صغار المكلفين، ولكن ما الذي حدث في وزارة المالية؟ كبار المكلفين دخلوا أيضاً في هذه الفئة، فبينما كانت هذه الفئة هي الاستثناء، والقاعدة هي أن يكون هناك تكليف حقيقي على الأرباح الحقيقية للجميع، صار التكليف على الأرباح الحقيقية هو الاستثناء، والتكليف بضريبة الدخل المقطوع هو القاعدة العامة. وقد دخلت جميع المهن الحرة في ضريبة الدخل المقطوع مثل المخابر الطبية والأطباء والمحامين والمشافي الخاصة وغيرها، ونتيجة إلحاح البعض صدر قانون مؤخراً سيكلف المشافي والجامعات الخاصة بضريبة الدخل الحقيقي..
أعتقد أن هناك سبباً تشريعياً عاماً، أولاً في تطبيق ضريبة الدخل المقطوع، وثانياً في اعتماد القيم التقديرية دائماً وعدم الأخذ بالقيم الحقيقية، فمثلاً في ضريبة ريع العقارات يقولون إنهم قاموا بإصلاحها، ما الذي أصلحوه؟ جرى آخر تخمين للعقارات في سورية عام 1965 وبعد ذلك طرأت زيادات دورية على القيمة، ولكن كانت أقل من الواقع بكثير، ويقولون إن إجراء تخمين جديد الآن صعب، ولكن هل يعقل أن دولتنا كانت في عام 1965 تملك إمكانيات تخمين أكبر مما تملكه اليوم؟ هذا غير معقول، لأن القيم العقارية المخمنة حالياً هي قيم وهمية، ولكن على أساسها تحسب ضريبة التركات وتحسب ضرائب التسجيل العقاري، وعلى أساسها تحسب حتى الضرائب على البيوع العقارية، وبالتالي فإن اللجوء إلى الأسلوب التقديري هو ثغرة كبيرة في التشريع تؤدي إلى التهرب الضريبي، وأنا شخصياً أطالب منذ عشرين عاماً، وذكرت ذلك في مذكرة الإصلاح الاقتصادي، فأكدت أن أول شيء يجب الانتهاء منه هو ضريبة الدخل المقطوع بحيث تبقى وفقاً للمسوغ الأساسي، أي بحيث لايطال التكليف بضريبة الدخل المقطوع سوى الشرائح البسيطة من المجتمع أو المكلفين، وأن يدخل كل من يحمل شهادات عليا ولديه دخل كبير إلى ضريبة الأرباح الحقيقية، وثانياً طالبت بالانتهاء من موضوع القيم التقديرية، فهذا أسلوب بدائي يعود للقرن الماضي، بينما لدينا اليوم إحصاء ومصارف ومؤسسات تتيح معرفة الدخول الحقيقية للمكلفين.. إن ضريبة الإيراد العام تطال كل المكلفين في مصر وفي الأردن وتونس والجزائر وتركيا..الخ، لماذا لايطبق هذا في سورية؟ علماً أن ضريبة الإيراد العام صدرت عام 1961 في سورية (القانون 130)، على أساس أن يطبق في 1/1/1962، ولم يطبق هذا القانون حتى الآن. وقد طلبت في مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي قدمناه عام 2003 تفادي فضيحة عدم وجود ضريبة الإيراد العام في النظام الضريبي السوري، فهذه الضريبة موجودة في جميع البلاد العربية عدا دول الخليج التي لا تحتاج إلى الضرائب أصلاً.
إن عدم وجود ضريبة إيراد عام يؤدي أيضاً إلى التهرب الضريبي، وبالأساليب المعتمدة في تقييم المستوردات هناك أيضاً ما يتيح التهرب الضريبي عبر آليات العمل، فجهاز الاستعلام هناك ضعيف جداً وأنشئ مؤخراً ولكنه لايعنى إلاّ بأضابير انتقائية، وهذا لايساعد على ضبط التهرب الضريبي، وما جرى في مالية حمص والجمارك يدل على ذلك، فهذه القضايا الكبرى التي جاءت لتنفجر مؤخراً- والتهرب الضريبي في أوروبا يسمونه سرقة من المجتمع- لم تكشفها وزارة المالية ولا أجهزة الرقابة الداخلية، وإنما كشفت من خارجهما، وأعتقد أن هناك مسؤولية إدارية وأن القائمين على وزارة المالية مسؤولون، فإذا كانوا يعرفون ما يجري ويصمتون فهذه مصيبة، وإذا كانوا لايعرفون فالمصيبة أكبر بكثير، وسواء أكانوا يعرفون أو لايعرفون تبقى هناك مسؤولية معنوية تقصيرية يجب أن يتحملوها.
وبالنسبة لموضوع التهرب الضريبي فالشائع والمتداول الآن هو أن عدداً كبيراً من المكلفين يتقدمون بدفاتر ليست حقيقية ويخفون دفاترهم الحقيقية عن وزارة المالية، وهذه الظاهرة موجودة منذ زمن بعيد، ولكن السؤال ماذا صنعنا للتخفيف من هذه الظاهرة ومحاربتها وإزالتها؟ إننا عملياً لم نقم بشيء محسوس، والحقيقة أنه لاأحد يدفع ضرائبه بطيبة قلب وتبرع، لذلك جاءت دول العالم كلها بأنظمة ضريبية فعالة وصارمة، ومن أهم الأدوات والمؤيدات التي تدفع المواطن للالتزام بدفع الضريبة هي النص الجزائي، وهذا النص غير مفعّل في سورية رغم وجوده في القانون، ولكن قيل إنه كان هناك تعهد أمام غرفة التجارة بعدم تفعيله!.
• من الذي قدم هذا التعهد؟
أحد كبار المسؤولين، وقد دق على صدره وقال أمام غرفة التجارة: «طالما أنا موجود فليس هناك نص جزائي» وهذا لا يحق له قانونياً، (ويقال أنه نفى ذلك!).. وعلى كل حال، وسواء تعهد هذا المسؤول أم لم يتعهد، فإن هذا النص الجزائي لم يطبق حتى الآن. فهل من المعقول أن نصاً تم وضعه منذ سنوات عديدة لم يتعرض لحالة واحدة تستحق تفعيله؟ لقد ظهرت منذ سنتين فضيحة كبيرة في دمشق تمس كبار التجار، فلم لم يتم الإعلان عنها؟ لماذا لاتوجد شفافية؟ يقولون إنهم لايريدون التشهير بالناس، فلماذا لايشهّرون بهم إذا كانوا مخالفين؟ المطلوب فقط هو إعلان الحقائق. أنا شخصياً أخشى من التسويات الضريبية التي تجري خلف الجدران، وبالتالي فإن نشر هذه المشكلات على الرأي العام سيجعل المراقبة أفضل.
بالمحصلة إنه حتى لو كان هناك نظام ضريبي ممتاز فيجب على الإدارة التي تطبق هذا النظام أن تتمتع بصفتين أساسيتين، أولهما الكفاءة وثانيهما النزاهة، والكفاءة مطلوبة لأنهم أخذوا مؤخراً ببدعة طريفة هي «دائرة كبار المكلفين»، وهي دائرة موجودة فعلاً في بعض الدول وليس في جميعها- بعض الدول ترفضها لأنها لا تقيم مساواة بين المكلفين- ولكن بعض الدول أوجدت هذه الدائرة لسبب مغاير للسبب الموجود في سورية، فقد أوجدوها هناك لتكريس المزيد من الصرامة والمزيد من المراقبة على كبار المكلفين لأنهم من كبار رجال الصناعة والتجارة وغيرهم، وهؤلاء لديهم محاسبون على درجة كبيرة من الذكاء والمعرفة العلمية، ويستطيعون تقديم بيانات يصعب على المدققين العاديين تدقيقها، ولذلك لجؤوا في هذه الدول إلى وضع دائرة صارمة تتمتع بقدرات مهنية وفكرية ومحاسبية كبيرة حتى تكشف هؤلاء وتراقبهم. هذا كان الغرض الأساسي لابتداع مثل هذه الدائرة. أما في سورية، فتم إنشاء هذه الدائرة لاسترضاء كبار المكلفين ومحاباتهم واستقبالهم استقبالاً حسناً، ولكن.. هل صغار المكلفين ليس لهم حق بالاستقبال الحسن؟ وليس لهم الحق بأن تعاملهم وزارة المالية باحترام يليق بهم كبشر؟. إلى جانب هذا توجد مسألة أخرى خطيرة، فأنا أعرف أنه في أوروبا مثلاً، القاضي لايقبل أية دعوة للعشاء إلاّ من أسرته وأقرب الناس إليه، وأعرف أنه ممنوع منعاً باتاً على أي موظف في دوائر الدخل والتكليف الضريبي أن يكوّن أية علاقة مع أي مكلف، فما هي العلاقات القائمة بين بعض الموظفين في وزارة المالية وفي كثير من الدوائر لدينا وبين المكلفين؟ هل من المعقول أن يكون المرء موظفاً في وزارة المالية، ويعمل في الوقت نفسه محاسباً لدى أحد المكلفين؟ يجب أن تقوم الإدارة بحسم هذا الأمر إبعاداً للشبهة.
إن التهرب الضريبي قديم وموجود في كل مكان، ولكن المسألة هي في حجم هذا التهرب، فالآثار المباشرة لهذا التهرب هي أن إيرادات الدولة تتراجع ويتكرس الظلم الاجتماعي لأن كبار المكلفين المتهربين من الضرائب يجنون الثروات، وهذا يفوت على الدولة القدرة على استخدام الضريبية لإعادة توزيع الدخل القومي..
يجب أن يتم وضع ضرائب تصاعدية على أصحاب الدخول المرتفعة حتى تتم استعادة التوازن والحد الأدنى من التوزيع العادل للدخل القومي، فعندما يكون هناك تهرب ضريبي كبير لدى كبار المكلفين تصبح إمكانية استخدام هذه الأداة شبه معدومة، وهذا فعلاً ما هو قائم في سورية الآن، ففي كل العالم يقدم المكلف تقريراً أو بياناً عن دخله في كل عام، ولكنه في الوقت نفسه يقدم بياناً آخر يبين فيه مؤشراته المعيشية، فإذا كانت مؤشرات الإنفاق لديه كبيرة جداً ويدّعي دخلاً قليلاً يصبح مثار تساؤل. تخيل نتائج تطبيق هذا الأمر في سورية! أنا أعرف أن بعض كبار المكلفين في سورية لديهم قصور وأبنية وسيارات إذا جمعنا مجموع ما دفعوه من ضرائب منذ عشرين عاماً وحتى اليوم، فإنه لايساوي ثمن قصر واحد من قصورهم أو 1/10 من ثرواتهم، أليس هذا دليل تهربهم من الضرائب؟
• ما هو المطلوب لضبط هذه العملية بحيث تؤدي إلى الغاية المرجوة منها، وهي محاولة إعادة توزيع الثروة؟
إن ضبط التهرب الضريبي صعب، ولكنه ليس مستحيلاً، وأعتقد أنه يمكن مضاعفة الحصيلة الضريبية في سورية خلال فترة وجيزة، لكن العملية تحتاج إلى إصلاحات تشريعية وإدارة صارمة وكفوءة ونزيهة، وهذا ليس أمراً صعباً.
• أمام هذا الواقع من يدفع الضرائب هم الذين لايستطيعون دفعها، فما تداعيات هذه المسألة اجتماعياً؟
ـ إن الجانب الاجتماعي من هذا الموضوع هو أخطر المسائل، فكل ما تكلمنا عنه هو أقل أهمية من هذه المسألة، فالضريبة يجب ألا تدفع إلاّ من الفائض الاقتصادي، هذا فقه مالي راسخ، والمقصود به أن الضريبة تدفع من ذلك المبلغ الذي يشكل فرقاً بين الدخل الحقيقي وبين النفقات الضرورية للحياة، أي أن كل أجر أو دخل لايغطي النفقات الضرورية للحياة لايخضع للضريبة. هذا عرف جار في كل العالم، وبالتالي فإن جميع الذين دخولهم لا تغطي نفقاتهم المعيشية الأساسية، الطعام واللباس والسكن والتعليم والصحة، وجميع موظفي الدولة في سورية منهم، يجب أن يكونوا معفيين من الضرائب لأن رواتب الدولة الحالية في ظل الوضع الأسروي لاتغطي النفقات الأساسية للإنسان، وذلك وفقاً لدراسات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تستطيع أن تضع دراسات توضح متطلبات الأسرة، وكل دخل لايغطي هذه المتطلبات يجب أن يعفى من الضريبة.
وهناك أيضاً إعفاءات أخرى من الضريبة تعود لأسباب مثل عدد أولاد الأسرة والمعالين والطبابة وغيرها من الأسباب الاجتماعية، ولكن الإعفاءات الاجتماعية شبه معدومة في القانون السوري، بينما الإعفاءات الاقتصادية هي الكثيرة، أما في أوروبا فبالعكس تماماً، فالإعفاءات لأسباب اقتصادية ومالية شبه معدومة، بينما الإعفاءات الاجتماعية كبيرة، وأنا ضد الإعفاءات الاقتصادية لأنها لاتشجع الاستثمار، بل هي محاباة لبعض الناس لزيادة ثرواتهم ودخولهم، بينما الإعفاءات الاجتماعية فواضحة حيث يتم تطبيق معيار القدرة التكليفية للمواطن، وهنا تتم شخصنة الضريبة، أي أن شخصاً يربح 10 آلاف ليرة عازب يقابله شخص يربح القدر نفسه ولديه ثلاثة أولاد من المفترض أن من له أولاد لا يدفع ضريبة بقدر العازب، والشخصنة هنا هي الأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية لكل مكلف، وهذا الأمر مأخوذ في سورية ولكن بشكل ضئيل وهامشي جداً. ومع الأسف فإن جميع ما صدر من تصريحات عن الإصلاح الضريبي لا ظل واقعياً له، ويمكن القول إنه لم يجر أي إصلاح ضريبي حقيقي وجذري في سورية حتى الآن على الإطلاق، وكل ما جرى هو تعديلات لمعدلات لمحاباة كبار المكلفين بالإضافة لبعض الأمور الإجرائية الشكلية، فمثلاً حتى الآن ما تزال بنية النظام الضريبي كما كانت في السابق، إذ لدينا نظام ضريبي يقوم على ضرائب الدخل النوعية، ولاتوجد ضريبة عامة على الإيراد ولا على النفقات ولا على الثروة، وبالتالي فإن بنية النظام الضريبي لم تمس.
• الإصلاح الضريبي أصبح ضرورياً وملحاً، هل يمكن أن تلجأ الحكومة أو القيادة السياسية لإعداد دراسة لإصلاح ضريبي شامل؟
منذ ثلاثين عاماً تشكل لجان من أجل الإصلاح الضريبي، وتقدم مشروعات الإصلاح الضريبي، وجاء الخبراء الأجانب للمساهمة في هذا الشأن، وجرت محاولات عديدة للإصلاح الضريبي، وقد كلف الاقتصاديون السوريون بإعداد مشروع الإصلاح الضريبي، وأنا بالذات ساهمت بذلك، وفي التقرير الاقتصادي الذي قُدّم للمؤتمر القطري العاشر تكلموا عن هذا الأمر، ولكن حتى الآن لم نر شيئاً محسوماً.
• على من تقع المسؤولية في هذا؟
إنها مسؤولية وزارة المالية التي عوضت سوء التسديد بغزارة النيران مثل الصيادين الفاشلين، فبدل أن تقوم بإصلاحات ضريبية فعالة وبنيوية للنظام الضريبي، قامت بالتعويض عبر الضجيج الإعلامي والادعاء بالإصلاح، وعوضته كذلك بالإكثار من التشريعات الإجرائية والقوانين التي لاتمس بنية الضرائب، ثم أعيد النظر بهذه القوانين وعدلت أكثر من مرة، وهذا أحدث عدم استقرار وفوضى تشريعية هائلة، فعندما تسن قانوناً معيناً ثم تعود وتلغيه أو تعدله بعد ستة أشهر فماذا يعني ذلك؟ إما أن هذا القانون كان خاطئاً، أو أن مقترحيه لم يتبينوا المستجدات والأمور المرئية في المستقبل، وهذا يؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار التشريعي وينتهي إلى نتائج سيئة جداً ووخيمة على النظام الضريبي. والحقيقة أنه حتى الآن لم يجر أيضاً أي إصلاح حقيقي وبنيوي لضريبة الدخل، حيث لازلنا نطبق نظام ضرائب بهذا الشأن موروث من الأربعينات من القرن الماضي.
• فما يتعلق بالرسوم التي يدفعها محدودو الدخل أيضاً، ما أساسها؟
أنا لم أر بلداً في العالم فيه مثل هذه الرسوم، تصديق المصدقة يحتاج إلى رسوم، والذهاب إلى كاتب العدل يحتاج إلى رسوم، وتقديم الاستدعاء إلى الشرطة يحتاج إلى رسوم..الخ.. إن المقاضاة في كل العالم تتم مجاناً، أما هنا فدائماً هناك رسوم، وهذه الرسوم المبعثرة هي مسألة خطيرة جداً، فمثلاً فاتورة الكهرباء هنا 25% من قيمتها رسوم مختلفة لا صلة لها بالكهرباء.
• ما توصيف هذه الظاهرة؟
إنها التفاف على القانون من أجل زيادة الموارد بطريقة غير قانونية، والمادة 81 من الدستور تنص أنه لايجوز إحداث ضريبة أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون. ومع الأسف فعبر إعطاء صلاحيات لبعض الجهات بفرض الرسوم تراهم يتمادون بفرض هذه الرسوم..
• التهرب الضريبي من أخطر أشكال الفساد.. ما المطلوب اليوم لضبطه؟
حتى لانغرق بالتشاؤم.. فإن المطلوب وقفة جريئة من الحكومة في هذه المسألة، وأعتقد أنه لو تم ذلك فإنه يمكن معالجة الموضوع، ويمكن الوصول خلال فترة قصيرة إلى نتائج إيجابية جداً، فالأمر ليس مستحيلاً، ويبقى هناك تهرب ضريبي كما هو الحال في كل العالم، ولكنه تهرب جزئي، وهذا سيكون شيئاً يمكن احتماله، أما ما يجري الآن فهو أغرب من الخيال!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 413