ليوم واحد فقط: ماعاد المحمول محمولاً!
أسباب ثلاثة تجعلنا نجزم أن ما حدث في مصر مع بدء الدقيقة الأولى من يوم الاثنين الفائت (12 كانون الثاني) لم يكن فيلماً مصرياً على الإطلاق:
أولها أن البطولة ليست من نصيب ناديا الجندي وثانيها أن الأحداث لم تجر في السرايا وسراديب الاستخبارات، وأخرها أن النهاية لم تسفر عن قبلة رومانسية، أما عن…. مباغتة و (شديدة التهذيب) بأن:
أعلنت أجهزة النوكيا والموتورولا والإيركسون يوم عطلتها الاستثنائي، آلاف المصريين ضغطوا أزرار هواتفهم المحمولة، وتوقف الهواء عن در المال للشركتين المساهمتين المصريتين.
ففي مصر كما في بقية دول العرب التي وصل المحمول إليها قبل أن تصل طنجرة الضغط، وصلت شركتا المحمول الاحتكاريتان (موبينيل ـ فودافون) إلى عمود الاقتصاد المصري، وتحالفت الأطرف جميعها على المشترك في الخدمة الجديدة: الشركتان، والحكومة الرشيدة، والوسطاء والوكلاء، حتى سمت الصحافة المصرية هذا التحالف: الاتفاق الثلاثي لابتزاز ضحايا الموبايل..
فقد تسبب تغيير نظام السداد للمشتركين في زيادة قيمة الاشتراك إلى الضعف تقريباً، كما خفضت فترة الصلاحية للبطاقة المدفوعة، هذا ما يعني إجبار المشتركين على مضاعفة البطاقات المستخدمة لاستمرارهم بالاستفادة من الخدمة.
المشترك الذي كان قد تقدم للحصول على الخدمة في ظل نظام محدد وأسعار مقررة، فوجئ بقرار الشركتين تعديل نظام التسعيرـ فالاحتكارات الثنائية، بوجود شركتين فقط أتاح اتفاقيات خفية بين الشركتين، وهو ما يسمى بالإعاقة الأفقية للمنافسة، وإذا ما علمنا أن الشركتين قد لجأتا سابقاً إلى شراء الترخيص الذي حصلت عليه الشركة المصرية للاتصالات، لإنشاء شبكة ثالثة للمحمول، نعلم أن الشركتين قد أخلتا الساحة تماماً من احتمال أي إزعاج في دخول شركة ثالثة للمنافسة.
ولإتمام الصفقة والتعويض عن ثمن الترخيص المشترى كان لابد للشركتين أن تزيدا في أسعار البطاقات المسبقة الدفع، وهو ما لايجوز حتى في ظل «الاقتصاد الحر» ومنطق السوق، إذ لا يجوز للشركتين مضاعفة الأسعار دون الرجوع للمستخدم ومنحه حق الاستغناء عن الخدمة.
هذا ما فاقم وضع المصريين (وليس المشتركين فقط) سوءاً، بالتزامن مع سياسات حكومتهم التي أرخت العنان للشركات الخاصة وباتت تصدر القطع الأجنبي بدلاً من أن تستجلبه لتزيد من عدد المعلقين على حواف خط الفقر، ولتكون المسؤولة الأولى عن الارتفاع المطرد للأسعار.
المصريون وللمرة الأولى، استطاعوا أن يفعلوا شيئاً..
عشرات القوى والمنظمات السياسية والأهلية المعارضة أطلقت شعاراً جديداً:
«يوم واحد دونما محمول» وبعبارة أدق: «يوم واحد دونما استغلال»..
لم يرفع أحد المتظاهرين ولو شفرة حلاقة، لم يجر اعتقال متظاهر واحد، كما غاب الدور المركزي للهراوة في تشتيت الحشود.
فالمتظاهرون هذه المرة، تظاهروا كل في منزله، والعملية كانت بسيطة لدرجة أنها لم تكلف أحدهم أكثر من ضغط الزر، وإقفال الجهاز المحمول وليوم واحد فقط.
الشركتان المتاجرتان بالهواء، أعلنتا الاستسلام، وأعادتا الأسعار إلى ما كانت عليه، بعد أن هددت القوى المنظمة للحملة بتصعيد مقاطعة الجهاز المحمول لتصل إلى أسبوع…
لم يكن ما حدث في مصر فيلماً مصريا على الإطلاق!!.