د. نبيل مرزوق لـ «قاسيون»: لم تتم عمليات إصلاح حقيقية على مستوى الاقتصاد الوطني

أكد نائب رئيس مجلس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية، عبد الله الدردري أن «مواصلة العمل بالآليات الاقتصادية المعمول بها قبل الخطة الخمسية العاشرة، كان يمكن أن تؤدي لانهيار المنظومة الاقتصادية السورية، والوصول بسعر صرف الليرة السورية في نهاية 2010 إلى 146 مقابل الدولار»، واستمراراً للملف الذي تم البدء به مع د. منير الحمش رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، توجهت جريدة قاسيون إلى الدكتور والباحث الاقتصادي نبيل مرزوق للوقوف على رأيه، بحثاً عن الإجابات الدقيقة، وتعريةً لما قاله، وأدلى به السيد الدردري،

حيث أكد د. مرزوق أن الاقتصاد السوري يعاني من صعوبات ومشاكل كبيرة، وهذه الصعوبات والمشاكل تقود الاقتصاد السوري إلى أزمات حقيقية، لأن ما جرى منذ الخطة الخمسية العاشرة حتى الآن لم يكن في الاتجاه الذي وضعته الخطة الخمسية العاشرة أولاً، كما لم تتم عمليات إصلاح حقيقية على مستوى الاقتصاد الكلي، والاقتصاد الوطني. فما حصل عملياً، هو تغير طفيف وجزئي في نسبة النشاط الاقتصادي، الناتج عن السماح للاستثمار العقاري بالامتداد إلى مختلف مناطق البلاد ومنه الاستثمار العقاري الذي قامت به بعض الشركات الخليجية، مما أوحى بوجود حالة استثمارية، أو حاولت الحكومة إظهار أن هناك استثماراً أجنبياً مباشراً في البلاد. من جانب أخر، فقد بدأ نشاط المصارف وشركات التأمين، وهذا كان زيادة في نشاط قطاع المال، ولكن بالعودة إلى قطاعات الإنتاج الحقيقي، نلاحظ أن هناك تراجعاً في إنتاج الزراعة، الناشئ عن سوء السياسات الاقتصادية المتبعة التي كان على رأسها زيادة أسعار المشتقات النفطية، مما أدى إلى انسحاب العديد منهم من العمل الزراعي، وخاصة المنتجين الصغار، وبالتالي ساهم ذلك في قصور العرض الغذائي والزراعي الناتج بفعل السياسات الاقتصادية وليس الأحوال المناخية، أما بالنسبة لناتج الصناعة التحويلية، فلم يطرأ عليها تغييرات ملموسة، رغم المحاولات الحكومية للإيهام بذلك، لأنها لم تقدم أرقاماً فعلية وحقيقية عن هذا النمو، فكيف يمكن أن يكون هناك نمو، والقطاع العام بأكمله يعاني من صعوبات ومشاكل لم تحلها السياسات والإجراءات الحكومية حتى الآن؟! بل على العكس من ذلك، الحكومة تتجه نحو التخلص من هذا القطاع عوضاً عن إصلاحه ودفعه إلى الأمام، أما بالنسبة للصناعة الاستخراجية، فإن هناك تراجعاً طفيفاً في الناتج النفطي، ولكن هناك تحسن على مستوى الأسعار والمردود، وهذا لعب دوراً إيجابياً، لا يمكن تجاهله.

 
تفاقم البطالة، اتساع الفقر.. الإنجازات الحكومية الوحيدة التي يمكن التفاخر بها

اعتبر الدردري أيضاً في تصريحه أنه تم إدخال إصلاحات هيكلية على الاقتصاد السوري خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة، في الوقت الذي يؤكد فيه كل من تقرير اتحاد نقابات العمال الأخير في تشرين الأول 2009، وتقرير هيئة تخطيط الدولة المتزامن معه، أن الواقع الاقتصادي مغاير تماماً للإصلاحات التي يحكى عنها حكومياً، لأنها لم تنعكس على الواقع المعيشي للناس، إذا وجدت أصلاً، وهنا أكد د. نبيل مرزوق أن ما يمكن أن تفخر به الحكومة، هو عدم نجاحها في حل مشكلة البطالة، وخير دليل على ذلك تفاقمها وتزايدها منذ عدة سنوات، بالإضافة إلى اتساع الفقر مقارنة مع مسح الفقر للعام 2004، كما أن المشاكل الرئيسية في الاقتصاد الوطني مازالت موجودة، فمازلنا نعاني من ضعف الإنتاجية، ومن العجز في الميزان التجاري، بل إن هناك تفاقماً في حجم هذا العجز، ونعاني من الخلل في قطاعات الإنتاج، وعدم التوازن فيها، ولم يتم إصلاح أي من هذه القطاعات أو تحسينها، لذلك أعتقد أن ما تم حتى الآن لا يمكن أن يسمى خروجاً من الأزمة، أو تصحيحاً لمسارات الاقتصاد الوطني. فالسيد النائب الاقتصادي الذي يبشرنا بانهيار الاقتصاد السوري والمنظومة الاقتصادية، لم يقم بأي شيء من أجل إنقاذ هذا الاقتصاد، ولم يتبع أية سياسات اقتصادية حقيقية وجدية لإنقاذ هذه المنظومة الاقتصادية، بل إن ما قام به فعلاً، هو إعطاء حرية ودور أكبر لراس المال على حساب قطاعات الإنتاج والفئات الاجتماعية الواسعة.

فما قامت به الحكومة هو التخفيف من الإنفاق العام، وإجراء مزيد من الانفتاح الخارجي، والذي لا يعد إصلاحاً حقيقياً، لكنها في الوقت ذاته، فشلت في الحد من عجز الموازنة العامة، ومازال النظام الضريبي غير قادر على تلبية الاحتياجات الفعلية للموازنة، لكن ما يجب الحديث عنه هو: هل تحقق تحسن المستوى المعيشي للسكان؟! هل تحقق تحسين في مستوى الإنتاجية؟! أو في مستوى الميزان التجاري والفائض؟! هل تحققت أية خطوة في مجال زيادة إنتاج القطاع الصناعي التحويلي؟! ما هي الصناعات الجديدة التي تم إنشاؤها؟! وما هي الصناعات التي أصبحت قادرة على التصدير والمنافسة؟!

 

ثبات صرف الليرة ليس دليل نجاعة السياسات الاقتصادية

وحول الإمكانية الفعلية لتراجع سعر صرف الليرة السورية لو استمر الاقتصاد السوري في اعتماد النفط كمورد أساسي للخزينة، أشار د. نبيل مرزوق إلى أن صرف الدولار تراجع في الفترة الماضية كثيراً، ومع ذلك كان سعر الليرة يتراجع أيضاً، فالثبات الفعلي ليس دليل نجاح السياسات المتبعة، بل إن هناك عوامل عدة تؤدي إلى ثبات صرف الليرة السورية وأهمها:

- سحب مبالغ من الاحتياطي لتغذية السوق والطلب على القطع الأجنبي خلال الفترة الماضية، وهذا لعب دوراً كبيراً.

- تقلص المستوردات الحكومية لدرجة كبيرة، وهذا خفف من الطلب على القطع الأجنبي.

- ضعف النشاط الاقتصادي بشكل عام، مما أدى إلى ضعف الاستيراد، وضعف الحصول على مكونات أجنبية، لذلك لم يكن الطلب على القطع الأجنبي بالقدر المتوقع، وبالتالي لا يمكن أن نقول إن هناك تحسناً بسعر صرف الليرة، بل إن النشاط الاقتصادي بشكل عام، وتقليص المستوردات، هو الذي لعب دوراً كبيراً في عدم انخفاض سعر صرف الليرة السورية.

■■