من القسائم إلى.. المجهول

 التهريب، كان العذر الثاني الذي رفعته الحكومة، في معرض هجومها على الدعم، واتباع القسائم بدلاً عنها، وما تبع توزيع القسائم من عمليات تزوير كبيرة حسب وزير المالية د. محمد الحسين، فما الذي كان يتوارى خلف كل ذلك؟

يرى د. فضلية أن قسائم المازوت أفضل من الدعم النقدي، حيث كان يجب الإبقاء على القسائم وضبط عمليات التزوير الحاصلة سابقاً، والتي ستحصل مستقبلاً، فحجة التهريب الحكومية غير مقنعة، أليست هي من تضبط التهريب؟! فآلية الضبط موجودة، ولكن هناك من لا يملك مصلحة في ضبط التهريب، أو يغطي على قضية التهريب المازوت، فهل من العدالة رفع سعر المازوت بحجة عدم القدرة على ضبط تهريبه؟! وأين مسؤولية الدولة تجاه ذلك؟! بل إن الأنكى من ذلك أن الحكومة تفترض التزوير إذا ما قامت بإتباع القسائم مجدداً، فمن غير المقبول أن تفكر حكومتنا بهذه الطريقة حتى وإن وجدت عند المواطن العادي الساذج، والسؤال: ما هي الحجة الحكومية في رفع الدعم عن السماد؟! وهل يستخدم السماد في تزيين المعامل والمصانع؟!! فالحجة مرفوضة لتبرير مثل هكذا مسألة كبيرة، فالأسمدة لا يستخدمها إلا المزارع الذي يحتاجها فعلاً، والسماد لا أعتقد أنه يتم تهريبه..

ففي كل مناسبة، تطل علينا مؤسسة توزيع المحروقات، أو وزارة النفط بإحصاءات تقول: «إن هناك تراجعاً في استهلاك المازوت واستجراره بنسبة /40%/ في الأشهر الأخيرة من العام 2008 مقارنة بالعام السابق»، كدليل على نجاح تجربة رفع الدعم والترشيد، بداية أقول إن الأشهر الأخيرة كانت أشهر صيف، وبالصيف لا يستخدم المازوت في التدفئة، وعندها نصل إلى أن الانخفاض في استهلاك المازوت في هذه الأشهر كارثة اقتصادية، لأن هذا النقص في 30% سببه التراجع في نشاط النقل، والأنشطة الاقتصادية الأخرى (الزراعة، الصناعة، السياحة، الخدمات)، و10% من النقص في أحسن الأحوال نتيجة التحول إلى مصادر الطاقة الأخرى (البنزين، الكهرباء، الفيول)، وهنا تكمن الكارثة.

من حق كل مواطن يستحق الدعم أن يتلقى دعماً من حكومته، وإذا أردنا أن نعيد توزيع الثروة، يمكن أن نفرض على الأغنياء المساهمة في الاقتصاد بقدر قوتهم، فإذا قلنا أن من يستحق الدعم هم /70%/، ومن لا يسحقه /30%/، فيجب أن لا نحرم /70%/ من أجل /30%/، لأن النسبة غير المستحقة للدعم (30%)، أستطيع أن استعيد منها جزءاً من الدعم بشكل أخر، من خلال وضع رسوم وضرائب معينة، أو من خلال رفع سعر البنزين مثلاً، وأفرض ضرائب ورسوم على السيارات الخاصة، كما يمكن رفع أسعار زيت المحركات، وقطع السيارات السياحية، ففي هذه الحالة أدفع بمقدار رفاهيتي، والأغنياء جميعهم يملكون سيارات، وهذا اقتراح منطقي خاصة للمستفيد من الدعم، إذا ما اعتبرنا أن السيارة السياحية مؤشر على عدم استحقاق الدعم.كما يمكن أن نستغني عن دعم الصادرات، والاكتفاء بدعم المنتجين بأدوات أخرى، وبذلك نوفر مليارات الليرات السورية التي تذهب للمصدرين المتحججين بارتفاع التكاليف.

فهذه الإجراءات تعوض الدولة جزءاً مما يأخذه غير مستحقين الدعم بالتدفئة، و بالوقت نفسه تعطي الفقراء مازوتاً أرخص، وفرصاً إضافية لشراء السلع أكثر من السابق، ولا داعي عندها للبدل النقدي، ولا للجان تدرس، ولا لهيئات لدعم الفلاحين، والمحاصيل الزراعية، ويسهل بذلك دعم السلع الإستراتيجية، ويصبح عندها وضع الفلاحين أفضل.