من الليرة.. إلى الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية

من الليرة.. إلى الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية

قدمت الرفيقة عشتار محمود محررة الشؤون الاقتصادية في صحيفة قاسيون محاضرة اقتصادية، بعنوان: (الليرة السورية مفترق طرق 2016) وذلك في المركز الثقافي في أشرفية صحنايا وفي مايلي أهم محاور المحاضرة وجوانب من النقاش الذي أعقبها..

بدأت المحاضرة باستعراض تغيرات قيمة الليرة، وتراجعها المستمر خلال سنوات، الأزمة، والمتسارع خلال العامين الأخيرين 2015، و 2016، الذي شهد خلال الأشهر الخمسة الأولى منه، ما يشبه انهياراً بالنقاط في قيمة الليرة السورية، مقيمة بسعر صرفها مقابل الدولار، حيث انتقل سعر الصرف الرسمي من قرابة 310 ليرة مقابل الدولار في بداية العام، ليصل إلى 520 ليرة مقابل الدولار، مروراً بمرحلة ذروة وصل فيها سعر الصرف الرسمي بتجاوبه مع سعر السوق ليزيد عن 600 ليرة مقابل الدولار في الشهر الخامس من العام الحالي.

وفي استعراض للأسباب الموضوعية، التي تؤدي إلى تراجع قيمة الليرة خلال ظروف الأزمات، سواء تراجع الناتج المحلي الإجمالي، أوالحاجة الموضوعية إلى زيادة الكتلة النقدية المطبوعة، قدمت المحاضرة تقديرات للحدود التي يفترض أن ينخفض معها سعر الصرف وفق هذه المعايير الأساسية والتغيرات فيها.

كما تمت الإشارة إلى مفارقة تباطؤ التراجع في الناتج المحلي الإجمالي، أو التحسن النسبي في النشاط الاقتصادي السوري، في عامي 2015، و 2016، بالمقارنة مع الأعوام السابقة. وعدم انعكاس هذا التحسن في استقرار أو تحسن قيمة العملة السورية، مقابل الدولار.

ليتم لاحقاً البحث في أثر علاقة الليرة والدولار ببعضهما البعض، والبحث في الأسباب التي تجعل الطلب على الدولار، مرتفعاً، والطلب على الليرة منخفضاً، على اعتبار أن الجانبين كليهما، يشكلان الأرضية الخصبة لظاهرة المضاربة.

فالطلب على الدولار، ينجم بالدرجة الأولى عن توسع الأرباح، وسعي أصحاب الربح إلى تحويلها إلى دولار، وعدم القيام بعمليات استثمار في الاقتصاد المحلي. بالإضافة إلى توسع حصة الاستيراد من النشاط الاقتصادي، واستخدام احتياطي القطع الأجنبي في تمويل طلب السوق على الدولار، سواء عبر عملية تمويل المستوردات، أو عبر ضخ القطع الأجنبي في السوق، عبر شركات الصرافة.

وبالمقابل فإن الطلب على الليرة السورية كان في تراجع دائم، والعامل الحاسم في هذا الأمر هو تراجع القدرات الاستهلاكية والطلب في الاقتصاد السوري، والمرتبطة بالدرجة الأولى بتراجع الأجور الحقيقية في سورية بنسبة كبيرة. يضاف إلى هذا أن سياسات عدم دعم الإنتاج المحلي، وسياسات رفع الدعم، وعدم استخدام أموال الميزانيات الحكومية، أو أموال القطع الأجنبي في تحفيز النشاط الإنتاجي الاقتصادي المحلي، أدى عملياً إلى تراجع طلب المنتجين المحليين على الليرة السورية، التي يستخدمونها في تمويل عملياتهم الإنتاجية الداخلية.

وقد خلصت المحاضرة إلى أن السياسات الاقتصادية، التي تحابي الأرباح، وتخفض الأجور، والتي لا تقدم أي دعم للإنتاج المحلي، هي سياسات تدفع نحو زيادة الطلب على الدولار، وتراجع الطلب على الليرة، وبالتالي تشكل الأرضية الخصبة لانخفاض قيمة الليرة، بل وللمضاربة عليها أيضاً..

انتهت المحاضرة إلى نقاش حول الحلول الضرورية، والتي في جوهرها تتداخل الحلول الاقتصادية بالحلول السياسية، وهو ما جرى خلال النقاش. حيث أن جوهر حل مشكلة الليرة، هو ذاته حل مشكلة النمو وإيقاف التدهور في الاقتصاد السوري، وهو ذاته حل مشكلة تراجع مستوى معيشة السوريين من أصحاب الأجور، وعموم أصحاب الدخل المحدود. فالحلول الاقتصادية الوحيدة، هي في تغيير توازن القوى الاقتصادي، لتصبح السياسات الاقتصادية، تخدم أصحاب الأجور، لا أصحاب الأرباح كما هو الحال، مع السياسة الاقتصادية الليبرالية قبل الأزمة وخلالها.

وهو ما يتطلب مجمل السياسات والإجراءات الاقتصادية، التي تؤدي عملياً إلى إعادة توزيع الثروة، من الأرباح للأجور، بمختلف الطرق الضرورية، من الاستيلاء المباشر على مراكز الربح،وتحديداً غير الشرعي، وصولاً إلى فرض الضرائب التصاعدية، مروراً بسحب الدولة للقطاعات الرابحة من أيدي أصحاب الربح، وإعادة دور الدولة الاقتصادي، لتخفض من حصة ربح الأفراد، وتوسع موارد الدولة، وتعيد توزيعها على ضرورات النمو والعدالة الاجتماعية.

وما سبق كلع لا يمكن أن يتم إلا بتوحيد أصحاب الأجور والدخل المحدود السوريين، لرؤاهم السياسة والاقتصادية، والتجهيز لتشكيل الضغط الضروري، لاستعادة حقوقهم المنهوبة، وفرض السياسات التي تناسب مصلحتهم ومصلحة البلاد.