تقرير اليونكتاد لعام 2016.. هل (تثور) الأمم المتحدة على النيوليبرالية؟!
صدر تقرير عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD لعام 2016، والمعنون (بالتحولات الهيكلية لنمو مكثف ومستمر).. يستمر تداول التقرير وأرقامه وخلاصاته وتوصياته في الصحافة الاقتصادية العالمية، المصدومة (بجرس الإنذار) الذي تقرعه الأمم المتحدة وبهجومها الشرس على النيوليبرالية ومسار الآيدلوجية الاقتصادية العالمي منذ السبعينيات وحتى اليوم..
ينطلق تقرير الأمم المتحدة من العنوان الأول الذي يوصف اقتصاد عام 2016 (الاقتصاد العالمي.. عام من الخطر) ليعلن تخفيض توقعات النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.3% سنوياً، وأقل من رقم النمو العالمي المسجل في العام الماضي والبالغ 2,5%. ليذهب بعدها إلى التحذير من واحدة من أهم المشاكل الاقتصادية التي يرى التقرير، أنها الأكثر تأثراً بالتراجع الاقتصادي العالمي، والأكثر تأثيراً به وهي أزمة الدين العالمي.
حيث يعتبر التقرير بأن انفجار أزمة الدين، قد يكون وشيكاً، وسيكون المحطة الثالثة في أزمة الكساد الاقتصادي العالمي الحالية، بعد أزمة الديون العقارية في الولايات المتحدة في 2007، وأزمة السندات الأوروبية المستمرة، معتبراً أن انفجار أزمة الدين حالياً، سيشكل أكبر أزمة دين مر بها الاقتصاد العالمي.
شركات الدول الصاعدة..
وقعت في الفخ!
الأمم المتحدة ترى بأن أزمة الدين تلوح بالدرجة الأولى، من دين الشركات في الدول الصاعدة، والنامية، حيث يشير التقرير إلى أن: (أجراس الإنذار تقرع، تحت تهديد انفجار دين الشركات بعد المستوى الذي وصل له في الدول الصاعدة، وهو قد تجاوز اليوم، 25 تريليون دولار، والآثار الكارثية للركود الاقتصادي، ستكون متسلسلة ومن الصعب التحكم بها)..
فمعدل خدمة الدين في شركات القطاع الخاص، غير المالي، بالقياس إلى ناتجها كان مرتفعاً ومتقارباً بين الدول النامية والمتقدمة في عام 2007، وقريباً من 100%، إلا أنه بعد الأزمة المالية العالمية بدأ بالانخفاض في الدول المتقدمة، والارتفاع في الدول النامية،حتى وصلت النسبة في العام الحالي إلى أكثر من 140% في الدول النامية، بينما انخفضت في الدول المتقدمة إلى قرابة 80%..
ليكمل بأنه: (إذا ما استمر التراجع الاقتصادي العالمي، بهذه الحدة، فإن حصة هامة من دين الدول النامية، المتشكلة منذ عام 2008، سيصبح غير قابل للدفع، وسيؤدي إلى تسريع كبير في الضغط على النظام المالي العالمي... معظم هذا الدين يجب أن يشطب ولن يكون قابلاً للدفع، إلا إذا ما حدثت ثورة في السياسات العالمية!)
لتجاوز هذه المشكلة الاقتصادية العالمية الأكثر إلحاحاً كما ترى الأمم المتحدة، يعود التقرير إلى محاولة تفسير مسبباتها، عائداً إلى الأسباب القريبة منذ عام 2008، وحتى اليوم وهي الفترة التي تضاعف فيها دين شركات الدول الصاعدة من 57% إلى 104% من الناتج المحلي الإجمالي.
يعتبر التقرير أن (الأثر السام، لمعدلات الفائدة الصفرية، والتيسير الكمي، في الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان، قد أغرق الدول النامية بالديون الرخيصة، معكراًعمليات نموها الداخلية، وموقعاً إياها في الفخ) بحسب تعبير التقرير. حيث تدفقت رؤوس الأموال من مصادر الضخ المتوسع من البنوك المركزية في المراكز الرأسمالية الثلاث، خلال فترة ما بعد عام 2008، لتتحول إلى قروض لشركات الدول النامية، التي كانت لا تزال تعمل وتتوسع..
نتائج تعمق الارتباط بالمنظومة المالية العالمية
اليوم تراكمت هذه الديون، بعد أن (تم هدر أموال القروض، والتي انعطفت تجاه القطاعات سريعة الدوران، وتركزت في القطاعات القائمة على الريع) حيث اعتبر التقرير أن هذه الديون، ساهمت في توسيع الظاهرة التي بدأت تمتد إلى الدول النامية والصاعدة، بعد أن تعمقت في الدول المتقدمة، وهي ظاهرة (اللاتصنيع)، أي عدم توسع الاستثمار الصناعي.. وهي نتيجة طبيعية لتراجع الطلب العالمي، وتراجع التجارة، والتراجع الكبير في أسعار السلع عالمياً، وجملة الظواهر المرتبطة بعمق الأزمة الاقتصادية العالمية، أو أزمة الكساد الاقتصادي العالمي كما يسميها تقرير الأمم المتحدة.
يشير التقرير إلى أن الدول الصاعدة قد (استوردت تشوهات المنظومة المالية الغربية، دون أن يكون لديها الاستعداد الكافي للعواقب)، حيث أنها لم تستطع، ولن تستطيع أن تلجم الحركة العكسية لرؤوس الأموال، خارج الدول الصاعدة، حيث (خرج في العام الماضي 2015 أكثر من 656 مليار دولار من الدول النامية، بعد أن أغلق الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي -حنفية السيولة- ويضاف إليها خروج 5 مليار دولار في الربع الأول من هذا العام) وفق ما يذكره تقرير اليونكتاد.
حيث يتوقع التقرير أن يستمر خروج رؤوس الأموال، طالما أن السياسات الاقتصادية، لا تفعل شيئاً في مواجهة هذا الأمر، والذي يرتبط إلى حد كبير بحسب الأمم المتحدة، بعدم قدرة السياسات في هذه الدول، بالتحكم في حصة الأرباح المتزايدة، مقابل تراجع حجم الاستثمار.
تشهد اقتصاديات الدول النامية، توسعاً في توزيع حصة الأرباح، من الدخل، ليتحول جزء هام من الدخل الناجم عن النشاط الاقتصادي، إلى مدخرات للأرباح، بينما تتراجع حصة الاستثمار من الدخل، أي لا تتم عملية توسيع الاستثمار الاقتصادي.
حيث يتبين من دراسة حصة الأرباح، وحصة الاستثمار في الدول الصاعدة، بأن الحصة موزعة للمساهمين في الأرباح، أكبر من الحصة العائدة للاستثمار في الشركات غير المالية في مجموعة من 13 دولة صاعدة، حيث أنه وبمعدل وسطي مقابل كل 100 دولار توزع للأرباح، كانت 85 دولار تساهم في توسيع الاستثمار، وذلك وسطياً خلال الفترة بين 2009-2014، بينما كان هذا الوسطي في الدول ذاتها خلال الفترة بين 1995-2002، أعلى لصالح الاستثمار، حيث كان مقابل كل 100 دولار توزيع أرباح، يتم استثمار 128 دولار تقريباً (حسابات قاسيون من الجدول رقم 5.3 في تقرير الأمم المتحدة).
وقد أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن هذا التغير، والتوسع في حصة الأرباح في الشركات غير المالية في الدول الصاعدة، يعود إلى حجم انخراط النظام المالي العالمي في تمويل أعمال هذه الشركات، وفرضه لنسب توزيع أرباح، ولاستثمار مالي، حيث أن الأصول المالية أصبحت تشكل نسبة 14% تقريباً من مجموع أصول الشركات غير المالية في خمس دول صاعدة رئيسية: الصين- الهند- البرازيل- روسيا- تركيا، خلال الفترة بين 2009-2014، بينما لم تشكل إلا نسبة 10% من مجموع أصول الشركات، خلال الفترة بين 1995-2002.
2,3%
توقعات تقرير اليونكتاد للنمو الاقتصادي العالمي في العام الحالي 2,3% بانخفاض عن رقم النمو المسجل عالمياً في 2015: 2,5%.
140%
خدمة الدين في شركات القطاع الخاص غير المالية في الدول النامية تبلغ نسبة 140% من الناتج الذي تحققه هذه الشركات.
85%
مقابل كل 100 دولار يحصل عليها المساهمون في أرباح الشركات في 5 دول صاعدة، فإن 85 دولار أخرى فقط تذهب للاستثمار، أي أن حصة الأرباح تعيق توسيع الاستثمار.