شركة حديد حماة تنتظر براءة ذمة من خصخصتها
تبدو قصة شركة حديد وفولاذ حماة بالظاهر على أنها قصة ومعاناة شركة مركونة في وسط سورية تعاني التخلف والتراجع وتقادم الآلات وهي بحاجة لتطوير لتزيد من إنتاجها وتحسن من عوائدها المالية، لكنها في الباطن تبدو أعمق من ذلك بكثير فهي نموذج مصغر لصراع أكبر يدور بين قوى اقتصادية في سورية لتقاسم ما تبقى من القطاع العام والالتفاف عليه بحجة إعادة تأهيله وتطويره.
شركة حديد حماة ومنذ عام 2004 ما زالت موضع اخذ ورد بين الأوساط الاقتصادية والصناعية والسياسية، وما زال طرحها للاستثمار الخاص ببن مؤيد ومعارض، ومازال العقد الذي أبرمته وزارة الصناعة مع شركة نمساوية لاستثمارها يروح ويجيء إلى اللجنة الاقتصادية للبت فيه نهائياً، ولكن حتى الآن لا يوجد قرار ورقي نهائي بشأن طرح الشركة على الاستثمار الخاص وكل ما هو موجود مجرد تسريبات نظرية حول عدم رغبة الحكومة بذلك.فما هو واقع هذه الشركة؟ وهل هي بحاجة للقطاع الخاص الخارجي لتطويرها؟ وهل هي من الشركات الخاسرة حتى تتخلى الحكومة عنها؟
الأرقام شاهد لا يكذب
إن قرار طرح شركة حديد وفولاذ حماة على الاستثمار الخاص يعكس في التحصيل النهائي أيا من التيارات الاقتصادية في سورية هو الأقوى، ويكشف عن نوايا الحكومة الحقيقية تجاه القطاع العام ويحدد موقفها النهائي منه، ويحدد إن كان المد الليبرالي سوف يطال القطاع العام وبأي طريقة سيفعل ذلك وإليكم بعض المعلومات المتعلقة بالشركة حول الإنتاج والتسويق والمبيعات.
مع بداية عام 2005 بلغت قيمة إنتاج الشركة (1.315) مليار ليرة سورية وبنسبة تنفيذ قدرها 98% من قيمة الإنتاج المخطط للفترة نفسها، حيث تم إنتاج كمية 42 ألف طن بيليت (عروق فولاذية) وبنسبة تنفيذ قدرها (122%) من كمية الإنتاج المخططة لمعمل صهر الخردة، كما تم إنتاج كمية (37.4) ألف طن حديد مبروم محلزن متوسط وعالي المقاومة خلال الفترة نفسها وبنسبة تنفيذ قدرها 78% من كمية الإنتاج المخططة لمعمل القضبان الحديدية، هذا وتؤكد الشركة بأن كامل الكمية المنتجة في معمل القضبان الحديدية مباعة لمختلف جهات القطاع العام وللمكتتبين بالقطع الأجنبي، وقد تمكنت الشركة من تسويق المخزون المتراكم لديها من (الأنابيب المعدنية)، أما مبيعات الشركة بالقطع الأجنبي فقد بلغت خلال الفترة 17 ألف طن وبنسبة تنفيذ 156% من الكمية المخططة.وتؤكد الشركة بأنها استطاعت فتح اعتماداتها المستندية من عائدات بيع الحديد المبروم بالقطع الأجنبي، حيث بلغت قيمة القطع الأجنبي الوارد إليها (4.671) مليون دولار في حين أن القطع الأجنبي المستخدم لنفس الفترة كان بحدود (4.592) مليون دولار.
وعلى صعيد الخطة الاستثمارية (الاستبدال والتجديد) فقد تمكنت الشركة من إنجاز القسم الأكبر من مشاريعها المخططة خلال الفترةنفسها وبنسبة تنفيذ 97% وقد ضمت بعضاً من المشاريع الإنشائية، وتوريد آلات ترميم أفران معمل صهر الخردة، وأما على صعيد دراسة التطوير والتحديث في الشركة فقد تم إعداد دراسة لتطوير معمل صهر الخردة، وذلك بإعادة هيكلة المعمل للوصول إلى الطاقة العقدية (120) ألف طن سنوياً وإحداث طاقات إضافية تمكن من الوصول إلى 160 ألف طن سنوياً.
بهذا المعنى ووفق هذه المؤشرات الإنتاجية والتسويقية فإن الشركة مؤهلة لتصبح أفضل مما هي عليه الآن فيما لو منحت القليل من الاهتمام والرعاية وفيما لو وفرت لها الحكومة مخصصات الاستثمار اللازمة لذلك التطوير، وهنا نقول إن الاتحاد المنهي لنقابات عمال الصناعات الهندسية والكهربائية كان قد كشف العام الماضي أن المخصصات الاستثمارية للشركة كانت تدور من عام لآخر دون استخدامها ثم تبرز الحجج بعد ذلك بعدم وجود أموال لتطوير الشركة، الأمر الذي يرجح أن هناك نية مبيتة لهذه الشركة من جهة ما على حد تعبير أعضاء الاتحاد المهني.
إنها رابحة بامتياز
من ناحية أخرى فقد تمكنا من الحصول على أرقام الأرباح الحقيقية والدقيقة التي حققتها الشركة خلال السنوات الأخيرة، ففي العام 1999 حققت الشركة أرباحاً بمقدار 175 مليون ليرة، وفي العام 2000 حققت أرباحاً بمقدار 92 مليون ليرة، وفي العام 2001 حققت ربحاً مقداره 86 مليون ليرة، ازداد هذا الربح في العام 2002 ليصل إلى 101 مليون، ثم انخفض في عام 2003 إلى حوالي 97 مليون ليرة أما في عام 2005 فقد قفز ربح الشركة إلى 200 مليون ليرة وهو ما يشكل 21% من مجمل أرباح شركات المؤسسة العامة للصناعات الهندسية في هذا العام، يضاف إلى ذلك أن شركة حديد حماة هي واحدة من 5 شركات رابحة لدى المؤسسة وذلك من أصل 13 شركة لديها.
أمام هذه الأرقام الموثقة لابد وأن يسأل أي شخص لماذا تريد وزارة الصناعة طرح الشركة للاستثمار الخاص؟ وما هي سياستها الصناعية وحجتها المنطقية لذلك؟ وكيف تنظر إلى مستقبل هذه الشركة والشركات الأخرى التي تنوي اللحاق بها، بعد خمسة عشر أو عشرين عاماً من استثمارها؟ وكيف ستضمن حقوق العاملين فيها طوال الفترة التي يسيطر القطاع الخاص فيها على الشركة؟ والسؤال الأهم: هل حاولت وزارة الصناعة إنقاذ الشركة ورفع ريعيتها وتجديدها بشكل كامل قبل طرحها للاستثمار؟ وهل هيأت لها الظروف الاقتصادية والإدارية المناسبة، ثم حاسبتها على انخفاض ريعيتها؟ وهل فقدت كل الحلول ولم يبق أمامها سوى طرحها للاستثمار الخاص؟ ويحق لنا أن نؤكد من خلال مثال رقمي حي عن أسلوب الخنق بطريقة المعانقة التي أودت بالشركة فمعمل صهر الخردة بشركة حديد حماة يستهلك جزءاً كبيراً من الطاقة الكهربائية وهو يتغذى بخط توتر (230) كيلو فولت وبعد أن قررت الحكومة رفع أسعار الكهرباء منذ عامين دون استثمار ارتفع سعر الكيلو واط ساعي لمعمل صهر الخردة من 70 قرشاً إلى 170 قرشاً، أي أنه زاد بنسبة 142%، وهذا ما رفع تكاليف إنتاج المعمل بصورة كبيرة، فقد كانت قيمة الكهرباء لعام 2003 ووفق نسب التنفيذ الفعلية للخطة الإنتاجية للشركة قبل زيادة أسعار الكهرباء حوالي 56 مليون ليرة، أما بعد زيادة الأسعار فقد أصبحت 156 مليون ليرة، هذا وتؤكد الشركة أن نسبة الكهرباء المستهلكة لمعمل صهر الخردة تشكل 21% من إجمالي التكاليف، وأخيراً وبالنسبة لإجمالي شركة حديد حماة فإن نسبة الزيادة في ارتفاع أسعار الكهرباء قدرت بـ6% حيث كانت نسبتها إلى تكاليف الإنتاج قبل الزيادة 8% وبعد الزيادة أصبحت 14% وقد طلبت الشركة مراراً إعفاء خط التوتر الـ(230) كيلو فولت من زيادة أسعار الطاقة كونه يحمّلها أعباء خيالية ويرفع من تكاليف إنتاجها، إلا أن أحداً لم يستجب لذلك الطلب، في حين يقضي المنطق الاقتصادي بأن تخفض أسعار الكهرباء لدعم هذه الصناعة من الداخل، وتخفيض تكاليف إنتاجها، مما سيؤدي إلى انخفاض الأسعار في السوق المحلية ورفع القدرة على المنافسة في السوق العالمية، وعدم اتهام الشركة (بانخفاض ريعيتها).
الخردة تعم البلد والشركة تستغيث
منذ أيام قليلة فقط ذكرت شركة حديد حماة أن انخفاض معدلات التنفيذ لدى خطوطها الإنتاجية لاسيما في معمل القضبان الحديدية يعود لصعوبة استيراد مادة البيليت لارتفاع أسعارها عالمياً وخاصة أن المعمل يعتمد على هذه المادة لصهر الخردة الوافدة إلى المعمل من السوق المحلية. وأضافت الشركة أن معمل الأنابيب قد توقف عن الإنتاج بشكل كامل خلال الربع الأول بسبب عدم توفر المادة الأولية للإنتاج (الرائد) وعدم وصول الكميات المتعاقد عليها مع الجهات الأخرى وهذا الأمر انعكس بشكل واضح على تنفيذ الخطة الإنتاجية والتسويقية للشركة منذ بداية العام الحالي. من المفارقات اللافتة للنظر في وضع شركة حديد حماة أن الشركة تعاني من صعوبة تأمين المواد الأولية لتشغيل المصنع، وأنها تستورد مادة البيليت التي تصهرها وتعيد تصنيعها على شكل قضبان فولاذية، ولكن السؤال هو: كيف تعاني شركة محلية من صعوبة تأمين المواد الأولية وهناك ملايين الأطنان من السكراب والخردة الموجودة في الأراضي السورية، وخاصة في منطقة عدرا حيث يؤكد بعض المهتمين والمطلعين على أنواع السكراب وكمياته في سورية، أن السكراب السوري هو من أجود الأنواع، وهو يصنف بدرجة (202) أي أنه سكراب عالي النقاوة وغير مشوب بالكثير من المعادن والخلائط الأخرى، وأغلبه من الفولاذ الصرف الذي يحتاجه معمل حديد حماة في الصناعة، ويقدر هؤلاء المهتمون أن أسعار السكراب العالمية للأنواع العادية منه بحدود 150-200 دولار للطن الواحد فقط، في حين أن الأنواع العالية الجودة تصل إلى أغلى من ذلك.والذي نريد قوله: هو أن المادة الأولية الرخيصة وغير المستخدمة والمكدسة في كل مكان موجودة، فكيف يعاني المعمل من نقص المادة الأولية إذاً.