في مجلة أبيض وأسود: ما الذي يحدد طبيعة النظام الاقتصادي؟
أجرت مجلة (أبيض وأسود) لقاء مع الدكتور قدري جميل في إطار تحقيق موسع عن واقع الاقتصاد السوري واتجاهاته، وطرحت عليه السؤال التالي: نحن لم نعد اشتراكيين.. فمن نحن؟؟ فأجاب د. قدري: (النص كاملاً)
«إذا كان المقصود من السؤال بحث طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي السائد في سورية فهذا شيء، والحديث عن اتجاهات فكرية اشتراكية أو غير اشتراكية كانت موجودة أو غير موجودة وستبقى موجودة انعكاساً لواقع الصراع الاجتماعي الموجود في البلاد شيء آخر.
وإن توقفنا عند طبيعة النظام الاقتصادي الاشتراكي في البلاد، فسنجد أنه لم يكن في أية لحظة من لحظات تاريخه اشتراكياً، وبأحسن الأحوال كانت الاشتراكية هدفا ًمعلناً فقط لاغير، ويمكن القول أن علاقات الإنتاج الرأسمالي التي يغلب عليها الطابع الطفيلي قد أصبحت هي النمط السائد في الاقتصاد الوطني منذ أواسط السبعينات، أي المقصود القول إن الرأسمالية كنمط إنتاج، تحولت حين ذاك من نمط له تعايش مع أنماط ماقبل الرأسمالية إلى نمط أصبح سائداً، والمقصود بالسائد أن هذا النمط أصبح يقدم الحجم الأكبر من الإنتاج السلعي في الإنتاج الوطني، لذلك القضية ليست قضية شعارات وعواطف بل قضية وثائق وأرقام.
والمفارقة هنا أن الكلام عن الاشتراكية كان يرافقه على الأرض تطور عاصف لعلاقات الإنتاج الرأسمالي التي في نهاية المطاف تتجلى في اختلال عميق لتوزيع الدخل لصالح الأرباح على حساب الأجور لدرجة أن الأجور اليوم تمثل 17% من الدخل الوطني بينما تمثل الأرباح الباقي أي 83%.
واليوم يجري الصراع في البلاد حول التطور اللاحق، وينعكس بالدرجة الأولى حول مصير القطاع العام الذي يتمثل وضعه اليوم بالشكل التالي:
قطاع عام من حيث الشكل، أي من حيث الملكية القانونية، وخاص من حيث المحتوى، أي من حيث طبيعة وتوزيع أرباحه التي لايستفيد منها بسبب النهب والفساد الذي يعاني منه المجتمع والعباد.
وحول هذه القضية تتصارع ثلاثة اتجاهات ستكون الغلبة في نهاية المطاف لأحدها:
الاتجاه الأول: الذي يدعو إلى الخصخصة ولو على الطريقة السورية المخففة عبر تأجيره أو عرضه للاستثمار، وهذا الاتجاه يعبر عن نزوع يسعى لتحويل الشكل نهائياً - أي طابع الملكية القانونية - من عام إلى خاص، كي يتطابق المحتوى مع الشكل.
أما الاتجاه الثاني: فهو يريد إبقاء الأمور على حالها قدر الإمكان ولو اضطروا إلى التنازل جزئياً، أي قطاع عام من حيث الشكل وخاص من حيث المحتوى، أي توزيع فائض قيمي لايستفيد منه المجتمع بل قلة قليلة ناهبة.
واتجاه ثالث: يسعى لإبقاء الشكل عاماً وإعادة الطابع الاجتماعي للمحتوى عبر إلغاء الخلل بين الأجور والأرباح باتجاه ضرب مراكز النهب والفساد الكبرى - أي إعادة توزيع الثروة لصالح المجتمع - وهذا يعني عملياً إعادة تأميم القطاع العام، وهو مطلب شعبي واسع ولكن لا يعبر عنه الإعلام بالشكل المطلوب، والسؤال أي الاتجاهات سينتصر في نهاية المطاف؟
الأرجح أن الاتجاه الثاني ليس له حظ في الاستمرار إلا بقدر التوازن بين الاتجاه الأول والثالث، لأنه فقد مبرر وجوده التاريخي، أما ماعدا ذلك فهو متعلق بميزان القوى الدولي والإقليمي وبالمنحى الذي سيجري على أساسه الصراع الاجتماعي في الداخل، إن نقطة ضعف قوى الخصخصة الكبرى هي عزلتها الشعبية بسبب الشبهة التي تعاني منها في موقفها من القضية الوطنية، أما نقطة ضعف الاتجاه الثالث، فهي عدم قدرته عن التعبير عن نفسه بالشكل المطلوب بسبب تخلف مستوى الديمقراطية عن حاجات التطور الموضوعية.
ويبقى الأمر متعلقاً بنهاية المطاف بنسبة القوى الاجتماعية والسياسية التي ستحسم الأمر في هذا المنحى أو ذاك، ولاشك إذا حدث وانتصر الاتجاه الأول فإن ذلك سيعني خطوة كبيرة إلى الوراء بالمعنى التاريخي على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي».