نزار عادلة نزار عادلة

تحت يافطة العجز عن الإصلاح: الشركة السورية - الفرنسية تتسلم مرفأ اللاذقية

يبدو أن العقل الاقتصادي الانفتاحي لم يكتف بالمرسوم /55/ لعام 2005 القاضي بالسماح للوكالات البحرية الخاصة بالعمل في المرافئ السورية، فها هو يسعى لإفساح مجال أوسع للمستثمرين للهيمنة الكلية على جميع فعاليات المرافئ السورية.
عموماً، قبل هذا المرسوم، كانت التوكيلات الملاحية، وهي شركة تابعة للقطاع العام الجهة الوحيدة التي تعد وكيلاً بحرياً لجميع خطوط السفن القادمة إلى سورية، وقد حققت الشركة خلال عملها أرباحاً وصلت إلى /16500/ مليون دولار.. فلماذا حدث هذا الانعطاف؟

 

تراجع الإيرادات العامة

الآن، وبعد تجربة /4/ سنوات مع الوكالات الخاصة، التي يبلغ عددها في مرفأي اللاذقية وطرطوس أكثر من /170/ وكالة، استطاعت خلالها انتزاع القسم الأكبر من الأعمال التي كانت تقوم بها الشركة العامة، لم تستفد الخزينة منها بشيء يُذكر، وبالتوازي تراجع دور الشركة العامة، وتراجع معه ما كانت تؤديه إلى الخزينة العامة. ففي العام 2001 بلغ حجم البضائع الواردة إلى المرافئ بحدود /5.7/ مليون طن، بلغ أرباح الشركة العامة منها /157/ مليون ليرة، وفي العام 2002 ارتفع الوارد إلى المرافئ إلى /8.473/ مليون طن، وحققت الشركة العامة للتوكيلات ربحاً قدره /648.6/ مليون ل.س. بينما في العام 2006، أي بعد أن دخلت الوكالات الخاصة، بلغ حجم البضائع الواردة /12.7/ مليون طن، وكان ربح الشركة العامة /197.6/ مليون ل.س فقط!.. وهنا يظهر حجم الخسارة التي حلت بشركة التوكيلات العامة، والأرباح التي حصلت عليها الوكالات الخاصة دون أن تقدم للخزينة ما كانت تتوقعه.

فقد بلغ مجموع ما قدمته الوكالات الخاصة كضريبة على كل الأرباح والمقدرة بحدود المليار ليرة عن عام 2005، مبلغاً قدره /4.882/ مليون ل.س، في حين حولت الشركة العامة في العام نفسه ضريبة دخل ومن ربح قدره /203.9/ مليون ل.س، مبلغاً قدره /69.9/ مليون ل.س.. وهنا يظهر تراجع الإيرادات الذي لحق بخزينة الدولة. ونضرب مثالاً آخر، ففي العام 2006 دفعت الوكالات الخاصة ضريبة دخل /4.43/ مليون ل.س عن كل أعمالها وأرباحها، في حين قدمت الشركة العامة /69/ مليون ل.س، بالإضافة إلى أن الشركة حولت مئات الملايين إلى صندوق الدين العام.

 

النتائج الأولية

قامت الوكالات الخاصة بمخالفة المرسوم /55/ الذي ينص على أن تستقدم هذه الوكالات خطوطاً ملاحية جديدة وبواخر جديدة، ولكن هذا لم يحصل، بل سحبت الخطوط والبواخر التي كانت مع الشركة العامة.
عشرات المذكرات رفعت إلى الجهات الوصائية محذرة من هذه النتائج قبل أن تظهر، ولكن القرار اتخذ.

الجهات الحكومية تبرر بأن الفساد استشرى في المرافئ، وكذلك فإن شركة التوكيلات العامة ليست لديها القدرة على التجديد وتجاوز الروتين والبيروقراطية والتطور العالمي، وأن الشركة تشهد ترهلاً إدارياً وعدم مرونة، وأن هناك شكاوى كثيرة بهذا الخصوص، وهذا قد يكون صحيحاً بمعظمه، ولكن هل الحل بالخصخصة على طريقة الليبراليين الجدد إذا كان لابد من تطوير عمل المرافئ..

ثم هل تجاوزنا الروتين والفساد بعد مرور أربع سنوات على بدء عمل الوكالات الخاصة؟ وماذا تقول الوقائع؟

الوقائع تقول إن أسلوب العمل يتردى يوماً بعد يوم، وأن هناك نسبة تضرر بالبضائع، وغرامات تأخير على البضائع والحاويات التي تعمل لدى هذه الوكالات، بالإضافة إلى تآمر هذه الوكالات على الوكالة العامة من خلال الطلب منها تخفيض الرسوم من أجل إلغاء بدل رسم الوكالة التي يدفعونها إليها لمعرفتهم بأن هذا الإجراء سيؤدي إلى إخراجها من العمل وإفلاسها وتسريح عمالها.

لم يكتف العقل الاقتصادي السائد بهذه النتائج، لذلك وبدءاً من أول الشهر الحالي، بدأت محطة حاويات دولية عملها في مرفأ اللاذقية، حيث يقوم بتشغيلها ائتلاف شركة سورية القابضة مع شركة CMA الفرنسية، وفي اجتماع قبل بدء العمل أشار مدير مرفأ اللاذقية إلى الزيادة الواضحة في حركة البضائع خلال العام الحالي مقارنة مع العام الماضي، مشيراً إلى زيادة /6/ مليون طن من البضائع المستوردة والمصدرة، تقابلها /5/ ملايين طن العام الماضي. أيضاً هناك زيادة في عدد الحاويات، حيث بلغت هذا العام /365/ ألف حاوية، وفي العام الماضي /331/ ألف حاوية.
طبعاً، لم يشر مدير المرفأ إلى الأرباح التي حققتها الوكالات الخاصة وإلى أرباح شركة التوكيلات العامة. ويفتخر بحجم البضائع المستوردة والمصدرة في العام الحالي /6/ مليون طن وفي العام الماضي /5/ مليون طن، ونذكره بأنه في العام 2001 وقبل وجود الوكالات الخاصة بلغ حجم البضائع /5.7/ مليون طن. وأرباح الشركة كانت /157/ مليون ل.س.. ويبقى السؤال هل حجم البضائع الواردة والمصدرة تأتّى بفضل الوكالات الخاصة؟

 

لمن يريد أن يعلم

المشكلة التاريخية في كل من مرفأي اللاذقية أو طرطوس كانت تكمن في النقص بعدد الآليات، والنقص في الكوادر والعمال، وقد بادرت الدولة بإحضار الآليات المطلوبة في العام 2007 وبمبلغ قدره /2.400/ مليار ل.س هذا في مرفأ اللاذقية.
وبالنسبة لمسألة الترهل الإداري والقوانين الصارمة ووجود جهات وصائية عديدة، فالسؤال: هل كل ذلك من صنع الأقدار لكي نقف أمامها في عجز مطبق، أو نقوم بانعطافات انتحارية؟
وهل أصيب الشعب السوري بالعجز والعقم عن أن يتخذ أي قرار إداري إصلاحي حتى تسلم شركاتنا الرابحة إلى شركات أجنبية؟
هذا ما يحدث فعلاً ليس في المرافئ فقط وإنما في مؤسسات أخرى، ومنها على سبيل المثال: مؤسسة التأمينات الاجتماعية.
وزيرة الشؤون الاجتماعية تقول «حصلنا على مبلغ من البنك الدولي كمساعدة لإجراء إصلاح في المؤسسة، ودفعنا هذا المبلغ لـ«خبيرة اكتوارية» أجرت دراسة حول واقع المؤسسة واتخذت قرارات الإصلاح».. والسؤال: ما هي قرارات الإصلاح التي اتخذت؟ إن الجواب بات معروفاً، ولا يحتاج إلى شرح نظري فالوقائع على الأرض هي التي تجيب عن كل الأسئلة!.

 

المرفأ أيضاً وأيضاً

الطاقة الاستيعابية لمرفأ اللاذقية هي /800/ ألف حاوية وفق مساحاته وأرصفته الحالية، وقد وصل إنتاجه السنوي إلى /540/ ألف حاوية، وكانت إدارته تخطط أن يصل العدد إلى السقف، أي /800/ ألف حاوية، لذلك فالمطلوب الذي تأمله الحكومة من الشركة المستثمرة أن تصل إلى هذا السقف.
يقول رئيس نقابة النقل البحري في اللاذقية:

المرفأ بإمكانياته الحالية وبسواعد عماله تضاعفت إنتاجيته، لتضاهي إنتاجية مرافئ متطورة كثيرة تفوقه بالإمكانيات المادية والتجهيزات الحديثة، ومردوديته في ازدياد مستمر وخاصة في مجال تناول الحاويات. وقد تعاقد المرفأ مع شركات عالمية لشراء روافع وآليات حديثة ومتطورة وتم دفع ثمنها بالمليارات، وهي الآن موجودة لدينا.
والسؤال: ما هو مبرر الشركة؟ أو الاستثمار؟ وأين الدراسة الاقتصادية الواضحة التي تثبت الجدوى الاقتصادية من الشراكة مع الغير، وتتساءل عن الشيء الذي تعذر على المرفأ تقديمه لتحسين عملية الإنتاج لنبحث عن شريك مجهول لتقديمه.
ويتابع قائلاً: إننا لا ننظر إلى المرافئ من الناحية الاقتصادية البحتة فحسب. بل ننظر لها بشكل أعم وأكبر، تشمل الجانب الاجتماعي، وكذلك الجانبين الأمني والعسكري باعتبارنا في حالة مواجهة دائمة مع العدو الصهيوني والمخططات الأميركية.

ويقول اتحاد عمال اللاذقية في تقريره إلى مجلس الاتحاد الأخير:

لابد من التوقف عند الشركة العامة لمرفأ اللاذقية، وعقد استثمار الحاويات الذي جرى توقيعه تحت صيغة فصل الإدارة عن الملكية. وبالتشاركية في الإدارة. وهذا النهج التشاركي الذي تفهمه هو الممارسة والسيطرة في الميدان الاقتصادي ونقل الملكية من عامة إلى خاصة.
لقد عملنا في اتحاد عمال اللاذقية لوقف توقيع العقد من خلال مشاركتنا في اللجنة الإدارية لشركة مرفأ اللاذقية. وجرى التحفظ على العقد مؤخراً حتى يتم توضيح الأمور التالية:

 

ما مبرر فصل الإدارة عن الملكية؟

هل هو لإدخال تكنولوجيا جديدة وحديثة؟
ولكن شركة المرفأ قامت بإدخال هذه التكنولوجيا «روافع كانتري وموبايل كرين»، وهي مستمرة في ذلك من خلال الإرباح التي تحققها سنوياً.
إن الشركة التي جرى توقيع العقد معها هي شركة قيد التأسيس، وبالتالي لا تتوفر لدينا المعلومات عن نظامها وماهيتها، ولم يتم تقديم دراسة عن هذا المشروع.
العقد لم يحدد الآلية القانونية لكيفية انتقال العاملين من المرفأ إلى الشركة، بالإضافة إلى قضايا أخرى متعلقة بمطارح الإيراد، بدل الترصيف، إعادة التسليم، كيفية توزيع الواردات، أعمال الصيانة. اهتلاك الآليات. بالإضافة إلى أن الشركة المستثمرة ستحوز على /70%/ من عمل المرفأ. لذا لا نرى أن هناك مصلحة وطنية بالمضي في هذا الاستثمار.
رغم كل ما سبق، وقع المحظور، والشركة السورية القابضة مع الشركة الفرنسية نالت مبتغاها وبدأ عملها في 1/10/2009.. إنها خصخصة من نوع آخر.. نوع سوري بامتياز.. والكل يعرف عواقبه..

المرافئ هي جزء من السيادة الوطنية.. فكيف تم التفريط بها؟