أ. ربيع نصر لـ قاسيون: الاقتصاد السوري يعاني أمراضاً وظيفية ستصبح عضوية في المدى المنظور

هل يمكن أن تتحول الأمراض الوظيفية المزمنة والمستجدة في الاقتصاد الوطني بسبب التلكؤ في حلها وتجاهل الجذور الحقيقية لها، إلى أمراض عضوية لن ينفع فيها العلاج فيما بعد؟!

 

يقول الباحث الاقتصادي الأستاذ ربيع نصر لـ«قاسيون» حول هذا الموضوع:

تنقسم الوظائف الأساسية للاقتصاد إلى أربعة محاور رئيسية: 1- تحقيق نمو اقتصادي. 2- تشغيل وعمالة. 3-  توازن ميزان المدفوعات. 4- استقرار اقتصادي. وكل واحد من هذه المحاور يعد من أهداف الاقتصاد بشكل عام، ولكي يصل الاقتصاد إلى هذه الأهداف يجب أن يقوم بوظائفه بشكل جيد.، فالاستقرار الاقتصادي الذي هو وظيفة من وظائف السياسات الاقتصادية، والمكون من استقرار الأسعار الداخلية، عجز الموازنة العامة، عجز الميزان التجاري، لم يعان من مشكلة كبيرة إلا في السنوات الأخيرة، ففي العام 2008 أصبح لدينا تضخم بنسبة 12%، كما أن عجز الميزان التجاري، والموازنة العامة، والتضخم، شكلّت ظاهرة ومشكلة واضحة وعانت اختلالاً في السنوات الأخيرة.

أما بالنسبة للنمو، فإن معدلاته في السنوات الأخيرة كانت مرتفعة بشكل عام، ولكن هذا النمو ليس مستداماً، بمعنى أنه يمكن انحساره بشكل سريع، بسبب اعتماده على قطاعات ريعية (الزراعة، النفط، ومتقلبة مثل الخدمات)، وبالتالي لا توجد إمكانية ومقومات تبقي هذه الوظيفية قابلة للاستمرار، وأهمها الحفاظ على تنافسية الاقتصاد الوطني، التي يشكل خللها مرضاً وظيفياً في الاقتصاد، ولكي يكون لدينا نمو وتنافسية على المدى البعيد، يجب أن يكون لدينا استثمار برأس المال البشري، وابتكار تكنولوجي، وهنا نصل إلى اختلالات عضوية في الاقتصاد الوطني. هذا الخلل يتعلق بضعف الابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمي، وسينعكس سلباً على أداء الوظيفة الاقتصادية المتعلقة بالبحث العلمي. فهاتان الوظيفتان تعانيان من خلل في أداء الوظائف الاقتصادية، ولكن ليس هناك مرض في هاتين الوظيفتين.

يعاني الاقتصاد الوطني أيضاً من ضعف التنافسية، وهناك خلل بسبب البيئة الاستثمارية غير المؤاتية للاستثمارات بشكل عام، وخير دليل على ذلك، توجه معظم الاستثمارات في السنتين الماضيين إلى العقارات والمضاربات بالأراضي والمنازل، فالبيئة الاستثمارية لا تسمح بتحويل الأموال المدخرة إلى استثمارات في مشاريع إنتاجية بسهولة، وهذه إحدى الاختلالات الوظيفية في الاقتصاد الوطني، لذلك فالأمراض الوظيفية في الاقتصاد الوطني يمكن أن تتحول في المدى المنظور إلى أمراض عضوية.

وقد شكل تدهور توزيع الدخل الوطني، وارتفاع نسبة الفقر والفقراء بشكل مستمر في سورية مرضاً وظيفياً في الاقتصاد الوطني، وخصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة. فالحفاظ على عدالة توزيع الدخل وإعادة توزيعه، تعد مهمة السياسات الحكومية وهي تعاني من خلل كبير، ولكن إذا ما أردنا تشريح كل واحدة من هذه العناصر على حدة، نجد أن لكل منهما جوانب مختلفة ومتعددة، ولكن هذا بطبيعة الحال لا يلغي الخلل والمرض الموجود أساساً.

كما أن هناك خللاً وظيفياً في عملية تقديم السلع والخدمات العامة، ومن أهمها الخلل الكبير في نوعية التعليم، فتركيبة القوى العاملة التعليمية ضعيفة، ففيها الأميون والذين يعرفون الكتابة والقراءة فقط، بالإضافة إلى نوعية التعليم الذي يتلقونه. وهذا الخلل في السياسات الوظيفية يتعلق بالاقتصاد، لأن التعليم ينعكس مباشرة على القوى العاملة.

كما أن لدينا مشكلة وظيفية في قضية التشغيل والاستثمار في الموارد البشرية بشكل أمثل، ويكمن خلل التشغيل بعدم قدرته على خلق فرص عمل للشباب الداخلين إلى سوق العمل، وبالتالي عدم توفير فرص عمل كافية، الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع نسبة البطالة.

أول أهم الأمراض الهيكلية (العضوية) في المؤسسات والاقتصاد الوطني هو ضعف الأداء المؤسساتي، المتعلق بالحوكمة والإدارة الجيدة للاقتصاد، فالخلل بالمؤسسات يشمل سلطة القانون، وعدم وجود مساءلة، وغياب الشفافية.

والخلل الثاني يتعلق بتركيبة الاقتصادي الوطني الذي يعتمد على الزراعة والنفط، والاعتماد على القطاعات الإنتاجية المنخفضة وضعف الصناعة التحويلية.

والخلل الثالث ضعف المستوى التكنولوجي والبحث العلمي.

الشباب الذين لا يتم تشغيلهم بعد أن يدخلوا في السن المناسبة للعمل، أو لا يتلقون تعليماً مناسباً، يصبحون على المدى البعيد عبئاً على الاقتصاد، وغير قادرين على رفع الإنتاجية، وبالتالي تصبح لدينا مشكلة تظهر مستقبلاً، وهي ضعف الإنتاجية. فمعدل النمو السكاني ينخفض، وبالتالي الجيل القادم من الشباب الداخل إلى سوق العمل سيكون عدده أقل، والشباب الباحثون اليوم عن فرصة عمل إذا ذهبوا تكون فرصة العمل قد ذهبت معهم، وبهذه الحالة يتحول الخلل الوظيفي إلى مرض عضوي، ويصبح جزءاً من الاقتصاد.

كما أن سوء التوزيع الجغرافي (عدم التوازن الإقليمي) بين المناطق الجغرافية في سورية، يؤثر سلباً على الاقتصاد بشكل عام، وسيكون له التأثير الكبير على المدى البعيد، والهجرة من الريف إلى المدينة إحدى ظواهره ونتائجه، لكن أسبابه تتعلق بسوء توزيع الاستثمار، والبنية التحتية بين المحافظات والمناطق.

لاشك أن المؤسسات الوطنية بحاجة إلى إصلاح حقيقي، فمع تغير السياسات الاقتصادية، تتغير تركيبة الاقتصاد الوطني، ويصبح أكثر تنافسية على المدى البعيد.