حسان منجة  حسان منجة

على أبواب رمضان.. الأسعار بين احتكار التجار وغياب الرقابة

 تؤكد نظرة عميقة للأسواق السورية أن أسعار المواد والسلع الغذائية لا تتجه إلا نحو الارتفاع، وهو ما أُجبِر المواطن السوري على اعتياده تاريخياً. واليوم، ارتفعت أسعار معظم السلع والمواد وخصوصاً الغذائية منها، بنسبة تزيد عن 133%، فقد ارتفع سعر كيلو الأرز بنسبة 50%، ولحم الغنم بنسبة 44%، والسكر بنسبة 33%، والباذنجان بنسبة 67%، والأدوية بنسبة 20%، والمعاينات الطبية بنسبة25%، كما أنه وبالرغم من انخفاض الأسعار في بداية عام 2009 في معظم دول العالم بسبب الكساد العالمي الناتج عن الأزمة الاقتصادية العالمية، بقيت الأسعار مرتفعة في أسواقنا، وذلك لأن التجار السوريين لا يسمحون بانخفاضها، حيث إنهم يقومون باحتكار كميات كبيرة من السلع الغذائية للإبقاء على أسعارها المرتفعة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أسعار المواد ارتفعت منذ بداية شهر آب حتى الآن بنسبة تزيد عن 20%، وذلك كإجراء استباقي تتهيأ له أسواقنا في كل عام مع قدوم شهر رمضان، وهذا يعطي مشروعية للسؤال: أين قانونا حماية المستهلك ومنع الاحتكار اللذان أقرتهما الحكومة مؤخراً؟!!

 

 

الاحتكار يُبقي الأسعار مرتفعة

يعتبر احتكار عدد قليل من كبار التجار لاستيراد معظم المواد الغذائية والاستهلاكية، سبباً أساسياً في الإبقاء على أسعار معظم المواد الغذائية مرتفعة، وذلك في ظل غياب أية رقابة تذكر من وزارة التجارة وغيرها من الوزارات الأخرى المعنية بعملية التسعير وتحديد سقف للأرباح، الأمر الذي يتيح لمستورديها بالدرجة الأولى التحكم بأسعارها، ليأتي بعدها دور محتكري بيعها في السوق السورية، (تجار من كل الفئات جملة، نصف جملة، مفرق)، وهذا المنطق يؤكده مثلاً عدم انخفاض أسعار مادتي الرز والسكر في السوق السورية بصورة تتناسب مع أسعار كل منهما في الأسواق العالمية، حيث ظلت أسعار هاتين السلعتين ثابتة سنين طويلة دون أن يطرأ عليها أي تبديل، وهذا يعود إلى عملية احتكار قلة قليلة من التجار لعملية استيراده، بينما انخفضت أسعار مواد أخرى في بعض الأحيان كالسمنة وزيت القلي بسبب وجود منافسة في استيرادها.

 الإجراءات الحكومية ذرّ الرماد في العيون

بخطوة شبه روتينية لم تغير سابقاً من واقع الأسعار في السوق السورية خلال السنوات الماضية، وبالتالي لن تكون اليوم أكثر جدوى من ناحية قدرتها على الحد من ارتفاع الأسعار، دعا الدكتور عامر حسني لطفي وزير الاقتصاد والتجارة بتاريخ 16 آب 2009 إلى تشديد الرقابة التموينية على الأسواق من خلال الجولات التي يقوم بها عناصر الوزارة، مؤكداً على تطبيق الأسعار الصادرة عن الجهات المخولة بالتسعير.

بداية، إذا أردنا الحديث عن الدوريات التموينية وفاعليتها، فسرعان ما نستنتج أنه لا جدوى حقيقية منها، وذلك لأنها حلقة من حلقات عملية فساد أكبر، فالموظف المعني بمراقبة الأسعار يذهب في بعض الحالات إلى الأسواق ويفرض مخالفاته على بعض المحال التجارية الصغيرة (الباعة الصغار)، لكنه في معظم الأحيان يكون عاجزاً عن تجاهل الرشاوى الكبيرة المقدمة له من أصحاب المحال التجارية الكبرى أو المتوسطة، مما يؤسس لصداقة نفعية دائمة بين أصحاب هذه المحال المخالفة والدوريات التموينية، تكون نتيجتها تجاهل هذه المخالفات وعدم تحرير ضبط بها، فهذه الدوريات لم ولن تكون فاعلة مالم تراقب من جهات أخرى نزيهة تراقب عملها دون أن يكون لها صلة مع التجار. وهكذا فإن مديريات التموين هي مجرد جهات شكلية لمراقبة الأسعار، عاجزة عن إيقاف المخالفات الكبيرة التي تستشري في أسواقنا.

في السياق ذاته، يأتي تأكيد وزير الاقتصاد على تطبيق الأسعار الصادرة عن الجهات المخولة بالتسعير شكلياً محضاً، لأنه يفتقد إلى الأساس الموضوعي، وهو أن التحول إلى اقتصاد السوق الذي وضعته الحكومة هدفاً أسمى لسياساتها المطبقة يفرض معادلة تحكم التجار وآليات السوق في تحديد الأسعار في ظل غياب الرقابة التموينية، كما أن صيغة اقتصاد السوق تقتضي التسليم عملياً بمعادلة العرض والطلب وضمير التجار كمحدد أساسي للأسعار، دون أن يكون لها أي دور فاعل يذكر، وهذه الدعوات التي تطلقها بعض الجهات الحكومية من أجل ضبط الأسعار لا تتعدى كونها عملية ذرّ الرماد في العيون ورفع العتب عنها، لأنه وبكل بساطة عند تحرير أسعار 70% من أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية لن تكون قادراً على السيطرة على الأسعار في السوق المحلية، فالوزارة بتقديرنا غير قادرة على ضبط الأسعار بفعل التركيبة الاقتصادية التي يتم السعي لتحقيقها، مضافاً إليها تركيبتها الفاسدة العاجزة عن إتمام العملية الرقابية، في ظل عدم رغبتها في ضبط الأسعار. فما هذا الارتفاع الحاصل في الأسعار اليوم إلا إعلان حقيقي عن فشل الرقابة والإجراءات الحكومية التي تدعي أنها اتخذتها.

 مؤشر قاسيون للأسعار

بلغت نسبة ارتفاعات الأسعار بين شباط 2007 وشباط 2008 (51 %)، وذلك حسب مؤشر قاسيون المبني على أساس دراسة ميدانية لسلة الاستهلاك، التي وإن كان المؤشر يحيط بحوالي 40 مادة فقط، إلا أنها من حيث الجوهر، تمثل نحو 400 مادة تشكل سلة استهلاك المواطن السوري من حيث المبدأ. (راجع العدد 344). وإذا كانت النسبة إياها مسجلة خلال العام المذكور، فإن الدراسة الميدانية الجديدة تقول إن ارتفاع الأسعار من شباط 2008 حتى آب 2009، أي خلال عام ونصف، قد بلغت 133 %، وهي تفوق الزيادة السابقة إذا أخذنا المقطع الزمني نفسه بـ30 %. أي إذا كان متوسط الزيادات السابقة بين 2007 و 2008 شهرياً نحو 4.25 %، فإنها تبلغ في الفترة الجديدة 7.4 % شهرياً، أي أن وتيرة الارتفاع الشهرية قد بلغت 50 % زيادة عن الفترة الماضية.