مطبات .. إلا في بلدنا ..

يبدو أن قانون العرض والطلب يفعل مفاعيله في كل بقاع العالم واقتصاداته إلا في بلدنا، فهذا القانون الرأسمالي الذي يحكم العلاقة بين كل عناصر الدورة الإنتاجية، ويعد العمود الفقري للنظام الرأسمالي برمّته، لا يعترف به أشباح الليبرالية الجديدة من تجار وسماسرة ورعاة حكوميين في سورية، وهم الذين يدعون ليل نهار للانخراط بركب الرأسمالية المعولمة، بل يتخذونه ذريعة حين يوفر لهم أرباحاً خيالية، ويتعامون عنه إذا ما ارتأت مصالحهم غير ذلك

لذلك فهم لا يتأثرون سلباً في جميع الظروف، سواء استقر السوق، أو تزعزع، أو أصيب بالأزمات، أو استمر يخبّ بوتيرة عادية، ففي جميع الأحوال السلع والبضائع التي يحتكرونها بترخيص شرعي، أو بـ«غض النظر» أو بالدعم من تحت الطاولة، أو من خلف الكواليس، تصعد عند صعود أسعارها، ولكنها لا تنزل أبداً، بل تبقى محلقة في سماء تطغى بسواد غمامها على حياة الناس، محولة سعيهم للبقاء إلى لهاث محموم، ضاغطة على مستوى معيشتهم المتردي، دافعة بكلكلها الثقيل بهم إلى ما دون خط الفقر.

فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية للرأسمالية العالمية التي انفجرت مؤخراً، انهارت السوق المالية الرأسمالية أو كادت، فانخفضت أسعار السلع والمواد والخامات إلى مستويات متدنية جداً، ولعل هذا أفضل جوانب الأزمة بالنسبة للفقراء، إذ استفاد مؤقتاً من هذا الانخفاض أصحاب الدخل المحدود في معظم أرجاء العالم.. إلا في بلدنا!

فبمقارنة بين الأسعار العالمية لعينات محددة من المواد الغذائية، وبين الأسعار المحلية، نكتشف أن الأسعار في بلدنا ظلت في تحليقها الشاهق الذي كانت عليه قبل الأزمة، وكأن سورية جزيرة معزولة في العالم لا يطالها ما يطال الآخرين، ولا يحكمهما أي قانون اقتصادي إلا ما يفرضه محتكروها المحليون المباركون من الحكومة وفريقها الاقتصادي، وها هي لغة الأرقام تثبت ذلك..

فعلى سبيل المثال، وحسب بورصات 19/11/2008، فإن السعر العالمي للكغ الواحد من الرز هو 0.37 $، أي ما يعادل 16.40 ل.س، أما في أسواقنا الشعبية، (وليس في السوبر ماركات)، فهو ما يزال يباع بـ80 ل.س كحد أدنى.

وكذلك العدس، فسعره العالمي 1.2 $، أي ما يعادل 56.40 ل.س، ولكنه يباع عندنا بـ 95 ل.س.

الشاي: السعر العالمي 3.5 $، أي ما يعادل 164.5 ل.س، بينما يباع في أسواقنا بـ300 ل.س، وهذا ينطبق على زيت عباد الشمس، فالسعر العالمي لليتر الواحد هو 1.5 $، أي ما يعادل 70 ل.س، لكنه حتى الآن، وبعد التنزيل المفترض الخجول الذي أقرته وزارة الاقتصاد والتجارة، ما زال يباع بـ 130 ل.س للتر الواحد، أما كرتونة البيض وهي منتج محلي غزير، فسعرها العالمي 2 يورو، أي ما يعادل نحو 117.5 ل.س، لكنها ما تزال تباع في أسواقنا بـ 160 ل.س للصحن.. فلماذا  لم يطل التخفيض أسواقنا، ولماذا تسكت الحكومة عن كل هذا الجشع المتوحش؟

قد يقول قائل إن هذه المواد تم استيرادها أو تخديمها بالتكاليف قبل انهيار الأسعار، وبالتالي فيجب بيعها بأسعار ما قبل الأزمة، وهنا نقول إن هذه المواد سريعة الاستهلاك وأكبر صفقاتها تنفد خلال أيام أو أسابيع قليلة، فإذا كانت الدفعات الأولى المستوردة تم شراؤها بالأسعار العالمية، فما هو الحال بالنسبة للصفقات الجديدة؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التجار المحتكرون أنفسهم، حين كانت الأسعار إلى ارتفاع عبر قفزات مخيفة كانوا قد اشتروا وفق القديم الرخيص، وباعوا بالجديد الغالي، ولم يخافوا الله فيما اشتروا وباعوا، فهم في كل الأحوال يربحون ويربحون، ولا شيء يردعهم، لا القيم ولا الأخلاق ولا الشرائع السماوية أو الأرضية.. فلماذا لم يتأثروا سلباً كما حدث لكل تجار ومحتكري الأرض؟ لعل الجواب يكمن حقيقةً في أن فريقاً حكومياً وضع نفسه على عرش الاقتصاد السوري يدعمهم ويدللهم ويحميهم ويركبهم على ظهور الناس، ويدعهم يسرقونهم، وبالتأكيد ينوبه لقاء ذلك من الحظ جانب.. فويل للناس من مسؤولين وتجار لا يعنيهم إلا الربح الفاحش ومن مسؤولين اقتصاديين لا هم لهم إلا إفقار، وآخر ما يفكرون به هو كرامة الوطن والمواطن.