د. منير الحمش لـ«قاسيون»: إطراءات وثناءات من صندوق النقد والبنك الدوليين.. لدفع الفريق الاقتصادي إلى مزيد من الخطوات الليبرالية!

التقت «قاسيون» الاقتصادي المعروف د. منير الحمش، وحاورته في ما وصل إليه حال الاقتصاد السوري، خصوصاً بعد أن راحت ثناءات الصحف الغربية، وآخرها (مجلة (نيوز ويك) تنهال على الإجراءات الحكومية وأداء الفريق الاقتصادي..

* بعد مضي سنتين على إطلاق مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي واعتماده رسمياً في مسيرة الاقتصاد السوري، وبعد مضي أكثر من عام على الخطة الخمسية العاشرة، أين نحن من اقتصاد السوق الاجتماعي؟ وتنفيذ الأهداف العامة التي حددها لنفسه، خاصة في مجال الموارد والنمو في القطاعات كافة؟

- د. منير: لنرجع بالأساس لإطلاق شعار «اقتصاد السوق الاجتماعي» كيف تم؟ وبأية ظروف؟

منذ عام /2000/، طرح موضوع الإصلاح الاقتصادي، وتم تشكيل لجان لوضع برنامج لذلك، وهذه اللجان لم تستطع الوصول إلى برنامج موحد بسبب تشكيلها من أصحاب انتماءات مختلفة، ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فتعسر وضع البرنامج الإصلاحي، لكن الفريق الاقتصادي الحكومي، الحالي والسابق، كان يتخذ خطوات على الأرض، اتجاهها العام اقتصاد السوق الليبرالي..

* أي أن اقتصاد السوق الاجتماعي تحول إلى غطاء، بينما ظل يجري انتهاج سياسة أخرى؟.

د. منير: بالضبط، عندما تأزم موضوع وضع البرنامج، وقد وضع فعلياً ولكن لم يعلن عنه حقيقة، بدأت تظهر بعض السياسات التي تختصر بشكل ليبرالي، إلى حين عقد المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي صيف /2005/، فاتخذ قرار التحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، لكن المشكلة أن هذا القرار لم يحدد طبيعة هذا الاقتصاد، حتى أن رئيس الوزراء، قد طلب حينها من الوزراء وضع تصوراتهم عن اقتصاد السوق الاجتماعي، فكانت هناك آراء مختلفة. الذين كانوا ينادون بهذا الاقتصاد علناً في الفريق الاقتصادي، سقط بيدهم قرار المؤتمر القطري العاشر للحزب، وبدؤوا بتعديل تصريحاتهم فقط بوضع كلمة الاجتماعي خلف كلمتي اقتصاد السوق، واستمروا في ممارسة نفس التوجهات الليبرالية الموصى بها من إجماع واشنطن وصندوق النقد والبنك الدوليين، والنصائح العديدة من الاتحاد الأوروبي. ومن المعلوم أن الاتحاد الأوروبي له مكتبان هنا في دمشق وحلب باسم مركز الأعمال، وبتماس مباشر مع فئة من البيروقراطية العاملة في دوائر الدولة، وبالتجار والصناعيين. وكانوا يدفعون باتجاه تغذية العاملين في الشأن الاقتصادي، بالفكر الليبرالي والانفتاح والتجارة الحرة.

والذي اتخذ فعلياً من إجراءات، كله يقود بهذا الاتجاه. لكن هناك تخبط من قيادة الإدارة الاقتصادية.

* هل تعني أن السياسة الاقتصادية الليبرالية قد مورست قبل المؤتمر القطري العاشر، الذي أوصى بتبني اقتصاد السوق الاجتماعي، واستمرت السياسة نفسها ولكن ضمن تغيير عنوانها؟ أي جرى الالتفاف عملياً من قبل الطاقم الاقتصادي على قرارات المؤتمر القطري العاشر؟

د. الحمش: أعتقد أن هناك التفافاً على قرار القيادة السياسية من قبل الإدارة الاقتصادية، فهؤلاء تربوا على الفكر الليبرالي، إما بالدراسات التي قاموا بها في الخارج، أو باحتكاكهم بمراجع معينة.

وهم على اتصال مباشر مع بعثات البنك وصندوق النقد الدوليين، والاتحاد الأوروبي. وبالطبع كانوا متأثرين بهذه التوجيهات.

وهنا أريد لفت النظر إلى مقال نشره «ستيفن غلين» في مجلة «نيوزويك» الأمريكية، في 15/أيار/2007/ وهو يكشف حقيقة التوجه الاقتصادي في سورية الذي كنا ننبه منه دائماً، لكن لا أحد سمعنا في ذاك الوقت.

* وماذا يقول ستيفن؟

د. الحمش: يقول إن سورية تسير في اتجاه تطبيق إجماع واشنطن، بضخ ليبرالي جديد، وإنه في الوقت الذي يلاقي إجماع واشنطن صعوبات وانتكاسات في روسيا وجنوب شرقي آسيا وأمريكا اللاتينية، وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي زادت من نفقاتها، واتخذت إجراءات حماية لها، هذا الإجماع يجد في سورية من يلتحق به. والخطورة في ذلك المقال، أنه يعطي لسورية دوراً تكون فيه قائدة التحول، من المغرب إلى إيران، نحو إجماع واشنطن والليبرالية الجديدة، لإقامة منطقة على صورة أمريكا، كما جاء في العنوان. وهناك مسألة بالغة الأهمية، هي أن النجاح في سورية، سيعبر بالمنطقة بأكملها بهذا الاتجاه. يذكرني هذا بما جاء في الخطة العاشرة، التي تنص على تحول سورية إلى مركز مالي إقليمي. فإذا قارنا بين هذا الهدف، وما يقوله «ستيفن غلين» بمقالته تلك، والسؤال الذي يطرح هل هذا الالتقاء عفوي؟ أم هي وعود مقدمة من جهة ما بهذا التحول، الذي يقف أمام صعوبات ومشكلات هائلة؟. لا يمكن لسورية في الوضع القائم، الحالي ولا المستقبلي، في ظل الصراعات والأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة، أن يكون هناك قبول عملي لتحول سورية إلى مركز مالي. عندما أراد لبنان أن يكون مركزاً مالياً ضرب. اليوم هناك فائض هائل من الأموال في الخليج، ويبدو أن هناك محاولات لجلب الاستثمار الخليجي. بشكل أساسي لن يكون هناك فرصة لأن تتحول سورية إلى سوق مالي إقليمي، على النحو الذي تريده الخطة، وعلى نحو ما كتبه «ستيفن غلين».

* هل من الممكن أن تتحول إلى مركز مالي إقليمي فقط؟

د. الحمش: لا يمكن أن يتم ذلك إلا في ظروف قوة الاقتصاد، وفي ظروف سياسية معينة، ليس في سورية فقط بل في المنطقة.

وبصراحة، لا أتصور سورية مركزاً مالياً إقليمياً، والجولان السوري محتل. ولا يمكن التعويل على ذلك، في الوقت الذي تتعرض فيه لضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

* إذا أخذنا المركز المالي على النموذج اللبناني، فهو يعكس وجوداً مالياً، دون وجود اقتصاد حقيقي. فالهدف ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو نتيجة لتحول سورية إلى مركز اقتصادي، وهذا أمر خطير، لأننا نضع بذلك مصيرنا ومستقبلنا بين أيدي قوى موجودة في الخارج!

د. الحمش: صحيح، ولا أحد يفيدنا بشيء، فعندما ضرب لبنان بقصد الحد من وجوده كمركز مالي في المنطقة، كان من السهل ضربه، لأنه لا يملك اقتصاداً قوياً يحميه ويحمل هذا السوق.

* ألا يجري الحديث عن تحويل سورية إلى مركز مالي فقط؟

د. الحمش: هذا الحديث للإغراء بالسير الحثيث نحو اقتصاد السوق الحر، دون أن تتحول فعلياً إلى مركز مالي، بوجود المنافسة مثل «سوق دبي» الذي يجري ضخ الأموال فيه.

المراهنة تتم على جلب الأموال من الخارج، وإعادة ضخها ضمن أقنية مالية معينة، لتتحول من المركز إلى باقي أنحاء المنطقة. موضوع جلب المال الخارجي هو موضع نقاش، وإشارة استفهام كبيرة. فنحن نريد رأسمالاً يستثمر في الإنتاج داخل البلد، لا أن يستخدم سورية كممر. كسوق مالي إقليمي يعني أن تكون سورية مجرد ممر لعبور المال، لا أن تكون موطناً له. سوق مالي يعني حركة الأموال الحرة بشكل كامل، تستطيع أن تدخل وتخرج من دون أية قيود ومحاسبة، وبالتالي تجنب ما جرى في جنوب غرب آسيا. فهذا سيحول سورية إلى كازينو كبير للمقامرة والمضاربة بالعقارات، كما حدث منذ أن طرحت مقولة أحد المسؤولين في الإدارة الاقتصادية: «كل شيء للسياحة»، هذا يعني أن الرأسمال الذي سيأتي يستطيع أن يضارب ويربح ويحول أرباحه دون أية قيود. فسوق الأوراق المالية التي أحدثت فيها، هي نص صريح على أن الرأسمال الأجنبي، يستطيع أن يدخل ويشتري الأسهم والسندات والأوراق المالية، ويستطيع أن يخرج بكل بساطة، هو وأرباحه. وهذه من النقاط الهامة التي ناقشناها مع بعض المسؤولين، لكن بعضهم أنكر وجود هذا النص، رغم وجوده حقيقة. لأن الخطة تراهن أيضاً على الاستثمار الخارجي الخاص، محلي وأجنبي، بما يقارب /20/ مليار دولار خلال خمس سنوات. كانت البداية في إقناع الآخرين بالتوجه نحو التخطيط التأشيري، وانسحاب الدولة التدريجي من الحياة الاقتصادية، بحجة إمكانية سد الثغرات التمويلية، عن طريق القطاع الخاص المحلي والعربي والأجنبي.

* هل يمكن القول أننا مخترقون أمريكياً من خاصرة السياسة الاقتصادية؟

- د. منير: هذا موضوع حساس. لا أشك بوطنية الإدارة الاقتصادية، إنما أريدهم أن يتمتعوا بالحس الوطني، بحيث يستطيعون اكتشاف القرار الذي يسيء، والقرار الذي يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني. هذا هو المطلوب. نرغب أن ننبههم، ونناقش ونحاور بعضنا، بمزيد من الانفتاح والقبول بالرأي الآخر، لأننا لمسنا من المسؤولين، شبه إحجام عن الدخول في حوار حقيقي، وآمل في المرحلة القادمة، في الولاية الثانية للسيد الرئيس بشار الأسد، أن تكون هناك وقفة مراجعة لما تم حتى الآن، ولما سيتم مستقبلاً. أحد المسؤولين في الإدارة الاقتصادية كان يقول: إن سورية متمسكة باقتصاد السوق الاجتماعي، وبرأيي أنها تنسحب من الحياة الاقتصادية. فحجم الحكومة، يعبر عنه بمدى تدخلها في الشأن الاقتصادي والاجتماعي. هذا الدور يتراجع الآن. ففي عام 1980 كان حجمها 48%، واليوم لا يتجاوز 33%، وهذا دليل على أن الحكومة تخفف من نفقاتها الاجتماعية والاقتصادية، ومن وزنها وحجم تأثيرها في السوق الذي تدعوه «السوق الاجتماعي».

ونشعر بتراجع دور الدولة في الشأن الاقتصادي، وأول ذلك ما نجده من فوضى في أسعار السوق، بسبب ما أعلن منذ سنتين عن تحرير الأسعار. وظهرت علامات تراجع الدولة عن أي استثمار جديد في قطاع الصناعة التحويلية، وعن أية عملية استبدال جديدة في القطاع العام.

إن عدم السير بأية خطوة إصلاحية جدية في القطاع العام، وهذا الترويج الواسع لعملية الخصخصة، بدأت تطرح قضايا وصفها أحد الليبراليين بقوله: «دعوا القطاع العام يتلاشى لوحده دون إدخال أي إصلاح، دعوه يمت لوحده..» وكأن عملية الإصلاح تكلف وتتطلب إنفاقاً كبيراً. وهناك كثير من الأصوات تطالب بعدم صرف أية نفقة جديدة في عملية الإصلاح: «دعه يخسر، دعه يمت». كيف يمكن معالجة هذا الأمر؟ القيادة السياسية توجه نحو اقتصاد سوق اجتماعي، وهناك حكومة تنقل التوجه إلى أرض الواقع، بأدوات وسياسات ليبرالية، محاباة للقطاع الخاص، وضغط على القطاع العام، وعلى الفقراء وأصحاب الدخل المحدود والفئات المتوسطة، فتعديلات السياسة الضريبية، كانت لتخفيف الضرائب على الأغنياء، وإبقائها على الفقراء، حتى ضريبة القيمة المضافة تعني توجهاً جديداً، وضغطاً جديداً على أصحاب الدخل المحدود والفقراء، لأنها لن تصيب إلا هذه الفئة

* الفريق الاقتصادي يقدم أرقام نمو مرتفع، ويتحدث عن تحسن مستوى دخل الفرد، كتبرير لممارساته .

د. الحمش: في العام الماضي استقدموا بعثة صندوق النقد، وكتبوا تقريراً قالوا فيه إن النمو في سورية هو 5.7%، والتقرير العام للصندوق نفسه يؤكد أن نسبة النمو 3.2%. فمدير البنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما جاء في «النيوزويك» إنه مشغول كثيراً، ولا يعرف كيف يرد على المسؤولين السوريين الذين يضغطون من أجل المزيد من النصائح والتوصيات، ونلاحظ الكثير من زيارات ممثلي صندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبي، واجتماعات إطراء وثناء للإدارة الاقتصادية في كل تصريح لهؤلاء الممثلين، من أجل دفع الفريق الاقتصادي إلى المزيد من الخطوات باتجاه الاقتصاد الليبرالي، وهذا مشابه لبيت الشعر الذي يقول: «الحسناوات يغرهن الثناءات»، ويبدو أن إخواننا في الإدارة الاقتصادية، أصبحوا مغرورين بهذا الثناء الذي يتلقونه من البعثات الدولية والأوروبية.

* قلت إن إجماع واشنطن يلاقي صعوبات جمة، وهو في طور الانهيار، بينما المنطقة العربية متفقة على إجماع واشنطن، فكيف تفسير ذلك؟

د. الحمش: هذا كما يقول المثل الشعبي «يطعمك الحج والناس راجعة»، في حين أصحاب البنك الدولي نفسه أعادوا النظر، وخاصة جوزيف ستيغليز الذي استقال من البنك الدولي احتجاجاً على سياساته، وسياسة صندوق النقد. والبنك الدولي في تقريره عام /2006/ بعنوان «التنمية والإنصاف»، أراد أن يدخل إلى البرنامج الإصلاحي للتثبيت الهيكلي، عنصر الإنصاف للطبقات الفقيرة، وطالب بشبكات الضمان الاجتماعي والحماية. وقبل أيام تم التوقيع على شيء من هذا القبيل في سورية، بين وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبين البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.

* الممارسة هي مقياس النجاح، الفريق الاقتصادي قال إنه سيحقق نمواً، ويرفع من مستوى المعيشة، وإنه سيخفض من مستوى البطالة، فماذا تبين؟ خلال سنة واحدة أنزل معدل البطالة من 12% إلى 8%، رفع مستوى دخل الفرد من 1100 دولار إلى 1700 دولار، ورفع النمو من 2.3% إلى 5.6%. ألا تعتقد أن هذه الإنجازات، والطريقة التي تحققت فيها هذه الأرقام، يجب أن تلخص وتدرس في كل المعاهد والجامعات تحت عنوان كيفية النجاح اقتصادياً خلال سنة واحدة؟

د. الحمش: إن مشكلتنا في الرقم الصحيح. وعلى ما يبدو، وحتى الآن، لا توجد أرقام صحيحة ودقيقة في إحصاءاتنا، «الإسكوا» في السنة الحالية، منذ شهرين تقريباً أصدرت تقريرها العام عن مسح تطور المنطقة، وقالت إن معدل النمو في /2006/ هو 3.2%، فكثير من الأرقام يسهل إظهارها بأي شكل من الأشكال، فتوضع أُذن الجرة (محل ما يرغب صاحبها).

فالبطالة مثلاً كيف تقاس؟ أدخلوا عنصراً جديداً في قياس البطالة، وهو من يعمل ساعة في الأسبوع يعتبر غير عاطل عن العمل، هذا خداع!!

نسبة النمو عادة، تحسب من فرق الناتج المحلي الإجمالي بين سنتين متتاليتين، وهذا الفرق بينهما هو التطور الحاصل في معدلات النمو.

* كيف يرتفع الناتج المحلي وينخفض دخل الفرد؟ ماذا يعني هذا التناقض؟

د. الحمش: في إحدى السنوات، بنهاية الثمانينات، كانت عندنا محاضراً في جمعية العلوم الاقتصادية. وزير الاقتصاد، في ذاك الوقت، قال إنه أمكن تصدير ما قيمته عشر مليارات ليرة سورية كفائض في الميزان التجاري، فكان الرد من أحد الحضور الذي وقف على المنصة، وأخرج جيوبه الفارغة من محيط بنطاله، موجهاً سؤاله للمحاضر:

أريد أن أعرف أين ذهبت العشرة مليارات لأن جيوبي ما زالت فارغة؟

المسألة جداً دقيقة، لأن الزيادة الحقيقية في الناتج والدخل، يجب أن تكون ملموسة للفرد العادي، وما يجري على أرض الواقع هو العكس، يحصل تضخم في الأسعار يفوق أي بلد في المنطقة، ويفوق في الوقت ذاته إمكانيات وقدرة الأفراد ذوي الدخل المحدود، فمن يستفيد من هذا؟ إنها فئة معينة من الأغنياء.

* ازدياد وسطي الدخل، مع انخفاض الدخل الفعلي، إذا كان جارياً بشكل فعلي، يعني شيئاً واحداً فقط «ازدياد تمركز الثروة في أيدي قلة قليلة». ولكن الرقم نفسه حول الدخل السنوي للفرد، بين سنتين، مشكوك فيه، بالمعنى الاقتصادي الحقيقي. لأننا سائرون باتجاه التضخم المالي والاستثمار في العقارات، وهذا يمكن أن يعمل على ضخ كتلة مالية هائلة، في قطاع التبادل (المال، التجارة، الخدمات . . الخ . . .)، ولكنها فعلياً ليست اقتصاداً حقيقياً. وإذا حسبنا الدخل الوطني على أساس القيمة المنتجة مجدداً في قطاعات الإنتاج المادي، فالنتيجة تكون بالنقصان لا الزيادة.

د. الحمش: أنا موافق معكم على النقص، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، أولاً: بأية أسعار تحسب؟ الثابتة أم الجارية؟ ثانياً: أين تذهب هذه الزيادة؟ وإلى أية فئة من فئات المجتمع؟ لذلك ففي كتابي «الاقتصاد السوري على مشارف القرن العشرين»، تساءلت إذا أردت أن تعرف نتائج التنمية، يجب أن نواجه أسئلة محددة: ماذا حصل للفقر؟ ماذا حصل للبطالة؟ وهذان السؤالان يحددان مسار الاقتصاد بأجمعه.

* باختصار، ما الحل بعد كل هذا العرض؟

د. الحمش: الحل يكمن في العودة إلى مقولة اقتصاد السوق الاجتماعي، كما هو. ويتم حوار حقيقي، للوصول إلى برنامج يوصلنا للمرحلة المطلوبة. وعدم تحديد مسارات وعناصر اقتصاد السوق الاجتماعي، هو الذي خلق هذه البلبلة والفوضى. لأن بعض أعضاء الفريق الاقتصادي يقول: إن تحرير التجارة الخارجية، هي قاطرة النمو. ويأتي فريق آخر ويقول: إن السياحة هي قاطرة النمو، وثالث يقول: العقارات هي قاطرة النمو. لم نعد نعرف إلى أين يذهب هذا النمو، ونمو ماذا؟ فأنا أُعرّف التقدم بمقياسه الحقيقي في الإنتاج المادي أي الاقتصاد الحقيقي العيني. من المهم جداً أن يحدد برنامج واضح، مسألة التحول إلى الاقتصاد السوق الاجتماعي، لمنع أي تفسيرات من الإدارات الاقتصادية وغيرها، بحيث يأخذنا التحول إلى أماكن أخرى غير اقتصاد السوق الاجتماعي. هذه الأماكن ليست لمصلحتنا، ومصلحة الاقتصاد الوطني، ونحن لا نريدها ولا نؤيدها أبداً.

آخر تعديل على الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 17:24