حرب النفط وانقلاب السحر!
حملت قمة العشرين الأخيرة جملة من الصدمات ثقيلة العيار، فإلى جانب الصدمات سياسية الطابع المتعلقة بالملف السوري وغيره من الملفات، جاءت أيضاً الصدمات الاقتصادية- السياسية، ومن أهمها كان الاتفاق الروسي- السعودي على التعاون في سوق النفط العالمية.
لم يعلن مضمون الاتفاق، لكنّه أثر بشكل مباشر على أسعار النفط في الأسواق، حيث ارتفعت بشكل مباشر بنسبة تصل إلى 5% مقتربة من حد 50 دولاراً للبرميل، (وسبق أن اعتبر الروس أن سعر 50 دولاراً للبرميل هو سعر منطقي). وفي الوقت الذي أكد فيه الروس أنه ينبغي الوصول إلى تثبيت للإنتاج في السوق العالمية، أكّد السعوديون ومعهم جوقة الإعلام الغربي أنّ لا اتفاقاً على تثبيت الإنتاج، بل وإن اتفاقاً كهذا لا يزال بعيد المنال.. في الحقيقة فإنّ إعلان اتفاق روسي- سعودي في مجال النفط لا يعني شيئاً أقل من اتفاق وإن غير كامل على تثبيت الإنتاج وتثبيت حصصه، وأما الجوقة الدبلوماسية والإعلامية التي تحاول تهوين «المصيبة» فهي مدفوعة بعاملين:
الأول: هو محاولة السعودية نفسها تخفيض رد الفعل الأمريكي على شقها عصا الطاقة، والثاني: هو محاولة واشنطن نفسها ابتلاع السكين بأقل قدر من الجروح.. إذ إنّ تظهير ما يعنيه هذا الاتفاق للعلن يعني تسليماً أمريكياً بفقر الحال! إنّ هذا الاتفاق يعني، ضمن ما يعنيه، الأمور التالية:
أولاً: تراجع السطوة الأمريكية على أدواتها التقليدية، وانبثاق هوامش مناورة للابتعاد عن واشنطن، تتسع شيئاً فشيئاً أمام تلك الأدوات.
ثانياً: إنّ وضع بيض أمريكي كثير في سلة النفط، أقنع العالم بأسره أنّ النفط نفسه بات بشكل أو بآخر أداة للفوضى الاقتصادية والسياسية، وبات على أية دولة وفي سياق حماية نفسها، أن تسرع العمل باتجاه التخلي عن النفط.. ما يعني تهديداً جدياً بانقلاب السحر على الساحر بالمعنى الاستراتيجي، أي بخسارة النفط لا كأداة فوضى أمريكية تستخدمها واشنطن في حلحلة أزماتها فحسب بل وكأداة هيمنة في حالات الاستقرار
. ثانياً: إنّ انتقال الهجوم الروسي- الصيني من مرحلة التأسيس القانوني والمالي للمنظومة الجديدة، إلى مرحلة الهجوم الاقتصادي المباشر على النخاع الشوكي للدولار. فإنهاء حرب النفط لا تعني رفع الضغط الأمريكي عن الاقتصاد الروسي فحسب، بل وتعني أيضاً تحجيم دور النفط ككل ضمن الصراع العالمي، ما يعني أيضاً وكنتيجة مباشرة، تحجيم هوامش مناورة الدولار، ذلك أنّ تثبيت إنتاج النفط ليس إلا الخطوة الأولى التي ستليها خطوات تخفيض انتاجه عالمياً.. وهذه عملية مركبة فيها جانب موضوعي يتعلق بنفاد الموارد النفطية المتسارع، وجانب ذاتي يتعلق بتوسيع الاستثمار في أشكال الطاقة اللامركزية المكافئة لشكل اقتصادي ولمنظومة اقتصادية جديدة..