د. سنان علي ديب د. سنان علي ديب

رفع الدعم عن المحروقات..

لم يأخذ موضوع يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية أهمية على المستوى المؤسساتي أو على المستوى الشعبي أو على المستوى الإعلامي في السنوات القليلة الماضية  كما أخذ الجدل حول الموضوع الذي طرحه الفريق الاقتصادي الخاص بالدعوة إلى إعادة توزيع الدعم من أجل إلغائه، فالآثار السلبية المنعكسة على سوية معيشة المواطنين نتيجة الارتفاع الكبير للأسعار بمجرد طرح الموضوع دون البدء بالتنفيذ، جعل فريقا من السلطة يتدخل بقوة، وفرض على بعض  مؤسسات القطاع العام بقوة من أجل التدخل في السوق بعرض السلع بأسعار منخفضة،  وبممارسة سياسة العصا على جزء قليل من صغار التجار، وهنا لم ندخل في النقاش حول الجدوى من إلغاء الدعم أو إعادة توزيعه أو عدم إلغائه، بالرغم من كوني مع تأجيل طرح الموضوع لعدم إعطاء التبريرات الواقعية المقنعة وأن يكون الطرح واقعيا وعقلانيا بما لا ينعكس على مستوى معيشة المواطنين، وعدم مناسبة التوقيت بسبب الظروف الإقليمية والدولية المحيطة ولكن سوف أقوم بطرح بعض النقاط الهامة التي يمكن استنتاجها من الجدل الذي قام بين الفرقاء المختلفين:

• أثبت الفريق الاقتصادي من حيث يدري أو لا يدري أهمية الرقم الإحصائي عند طرح  وتشخيص أية مشكلة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية، من حيث كبر أو قلة هذا الرقم، فالفريق الاقتصادي اعتمد على أرقام تساعده على الإقناع حول موضوعه الذي طرحه حول إلغاء الدعم تحت غطاء إعادة توزيع الدعم لمستحقيه، فغالى بمقدار المبالغ التي تنفقها الحكومة لتنفيذ سياسية دعم المحروقات البالغة حوالي (350) مليار ليرة سورية وما يسببه هذا الإنفاق من عجز في ميزان المدفوعات، وبالمقابل قلل هذا الفريق من قيمة الرقم الدال على التضخم الناجم لقاء تنفيذ سياسة الدعم هذه، وهذا ما ذكرنا بالأرقام التي كان هذا الفريق يذكرها عندما يكون الأمر يتعلق بحسن وجودة أداء السياسات التي يتبناها هذا الفريق بما يتعلق بالأمور الاقتصادية والاجتماعية كمعدل البطالة ومعدل الفقر ومعدل التضخم، فعندما تكون هذه الأرقام صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء يقولون إن الأرقام الوحيدة ذات المصداقية  والمعتمدة هي الأرقام الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء أما عندما تكون الأرقام صادرة عن البنك الدولي والمؤسسات الدولية، فيسارع هذا الفريق بتبني هذه الأرقام وخاصة بعد شهادات هذا البنك عن حسن السياسات المتبعة من هذا الفريق، في وقت صدر عن مجلس الوزراء أن الرقم الصحيح والمقبول والمعترف به هو الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء، وبالمقابل إن الأرقام التي تبناها الفريق الاقتصادي قد تناقضت وتعارضت مع أرقام متباينة طُرحت خلال فترة النقاش حول سياسة الدعم والسبل الكفيلة بتخفيض مبالغها بما لا يمس مستوى معيشة المواطن السوري كالدراسات التي أجراها كل من الدكتور إلياس نجمة والدكتور عصام الزعيم في صحيفة الاقتصادية والدكتور زياد زنبوعة في جريدة الثورة والدكتور حيان سلمان في جريدة قاسيون، وهذا يدلنا على ضعف الاهتمام بالرقم الإحصائي، وعدم تبني أرقام المؤسسات الحكومية والمتمثلة بالمكتب المركزي للإحصاء، ويُحمل هذا المكتب جزءا من المسؤولية لعدم إمكانية جعل أرقامه مرجعية وذات مصداقية من  جزء كبير من الباحثين وحتى من الفريق الاقتصادي الذي يشكل جزءا من هذه الحكومة، وكذلك يدل أن الفريق الاقتصادي لم يحسب المبالغ التي تنفق على الدعم وفق معطيات واقعية، وإنما وفق أسلوب يجعله يصل إلى أرقام ضخمة مهولة تقنع متخذي القرار إلى سرعة إجراء إلغاء الدعم.

• إن معظم المواطنين في سورية أيقنوا أن تدخل الدولة أمر لا بد منه في الأمور الاقتصادية والاجتماعية، وأن عودة مؤسسات الدولة لأخذ زمام المبادرة أمر وطني وشعبي وعقلاني يتلاءم مع حاجات ومتطلبات الشعب الاقتصادية والاجتماعية بعد أن أثبتت أغلب فعاليات القطاع الخاص بشكل شبه تام أنه لا يتحلى بأي شعور وطني إيجابي تجاه المواطن ولا يعنيه سوى الربح الذي يدل على جشع كبير بحيث لا يتوانى عن زيادة الأسعار وبالتالي الأرباح بسبب أو بلا سبب ولو كانت النتيجة وقوع معظم المواطنين في سورية خط الفقر، هؤلاء المواطنون الذين لم يتوانوا عن الوقوف بشجاعة وتلاحم ووطنية إزاء الصعوبات التي عانت منها بلدنا..

• إن الفريق الاقتصادي بواد والمجتمع السوري بواد آخر، فالهم الأكبر للفريق الاقتصادي هو تطبيق السياسات الاقتصادية والمالية التي تتطابق مع متطلبات وأوامر البنك الدولي، مع معرفة هذا الفريق بأن هذه الوصفات لا تطبق إلا في بلدان تعاني من عجز في ميزان المدفوعات وعجز في الموازنة وحجم ديون داخلية وخارجية كبيرة وأمراض اقتصادية كبيرة، وهذه السلبيات بعيدة عن واقع الاقتصاد السوري..

• كان للإعلام بمختلف وسائله، والصحافة خاصة دور هام في تشخيص الآثار السلبية الناجمة عن تطبيق هذه السياسة، وبالكشف عن المغالاة بحجم المبالغ المدفوعة لقاء الدعم وتبيان الأسباب الحقيقية وراء مشكلة عجز الموازنة إن وجد، وقد تعامل الإعلام بدور حيادي إيجابي، فقدم وجهات نظر لأشخاص من خلفيات فكرية وإيديولوجية وطبقية مختلفة، وكان السبب الرئيسي لبلورة الآثار السلبية الكبيرة التي ستنجم عن سياسة إعادة توزيع الدعم ضمن الحلول المقترحة من الفريق الاقتصادي.

• لقد كان هناك إجماع شعبي كامل ضد معظم السياسات المالية والنقدية والاقتصادية وخاصة التصريح حول إعادة توزيع الدعم  بالأسلوب الذي طرح، وذلك لأن مجرد التصريح الذي أدلى به النائب الاقتصادي أدى إلى زيادة الأسعار بنسب كبيرة جداًّ أعجز معظم المواطنين عن دفع تكاليف غلاء الأسعار، هؤلاء المواطنون الذين أصبحوا مضطرين لعدم شراء كثير من السلع الضرورية غذائياّ، وحتى تلك السلع التي كانت تدعى سلعة الفقراء في حالة الاضطرار كالبطاطا.. والسؤال هو: هل يمكن أن يمر هذا التصريح مرور الكرام، ومن يتحمل آثاره الكاوية على معيشة ونفسية المواطن؟

• أدى الخوض في هذا الموضوع إلى إعادة لفت الانتباه إلى حجم الأموال المفقودة من خلال تهريب الوقود والتهرب الضريبي والتهريب والهدر والفساد، وسرقة الأموال العامة. والتي تقدر بأضعاف حجم الدعم.

• أعادت السياسات الجديدة التي اتخذتها وزارة الاقتصاد الاعتبار وبقوة للمؤسسة العامة الاستهلاكية والمؤسسات العامة للتخزين وتسويق اللحوم والمواد الغذائية بحيث أصبحت هذه المؤسستين تبيع بمليارات الليرات السورية بعد أن كانت تبيع ببضعة ملايين، وذلك بعد أن أعطيت هاتان المؤسستان بعض هوامش التحرك وبعض المرونة، وبالتالي هذا يدلنا على أن هناك كثيرا من مؤسسات القطاع العام التي تعتبر خاسرة وهي مٌخسرة لعدم إعطائها الصلاحيات..

• كان التوقيت الذي طرح به الموضوع غير مناسب نهائياً من حيث الأوضاع السياسية الصعبة على المستوى الإقليمي والعالمي والضغوطات التي تمارس على بلدنا..

• دلت النتائج السابقة أن الإصلاح الاقتصادي كان الشغل الشاغل للفريق الاقتصادي، ولكن أهم هدف يتأمل من هذا الإصلاح لم نتوصل إليه وهو تحسين المستوى المعيشي للمواطنين حيث أن كل زيادة في الرواتب والأجور كانت تترافق بغلاء الأسعار بنسبة أكبر من هذه الزيادة وبالتالي أصبح هناك تراجع في مستوى معيشة المواطنين، وهنا لابد من القول إنه حان الوقت لإيلاء الإصلاح الإداري أهمية أكبر وخاصة في مجال إعداد الكوادر القادرة على السير بمسيرة التنمية الاقتصادية وبالاجتماعية نحو الأمام..