أزمة أخرى غير محتملة
لقد حصل ما كان متوقعاً. فقد أدت الأزمة العقارية لصيف العام 2007 في الولايات المتحدة إلى أزمة مصرفية ومالية، آخر أعراضها الانهيار المصرفي الذي جرى منتصف كانون الثاني 2008. لكنّ أصل هذه الأزمة هو في الواقع أبعد من ذلك.
فقد نتجت عن تحويل الاقتصاد الرأسمالي العالمي إلى اقتصاد مالي، الذي تقوم به السياسات النيوليبرالية منذ ثلاثة عقود وتروج له. بوسع سادة العالم المجتمعين في مجمع كرادلة النيوليبرالية في دافوس أن يكونوا فخورين. ألم يطالبوا بالحرية التامة لتحرك رؤوس أموالهم، ونالوها، بهدف توجيه إعادة الهيكلة الصناعية (اندماجات، امتصاصات، نقل لأماكن الإنتاج...)؟ ألم يحصلوا على الضوء الأخضر لخلق عددٍ لا يحصى من «الابتكارات» المالية، عبر تحويل كل منتج (مواد أولية، حصص إطلاق غاز الكربون...) إلى أسهم، أي إلى مواد مضاربة؟ ألم يكونوا بذلك قادرين على تحقيق قيم مضافة هائلة في البورصة للمساهمين، إضافةً إلى أرباح للأسهم تتزايد مع تزايد البطالة والفاقة؟
الأزمة الحالية هي هبوطٌ إجباري، يميزه دخول اقتصاد الولايات المتحدة المحتمل في الانحسار بعد أزمة الإقراض وأزمة البورصة. ربما كان هذا الانحسار أصعب تطويقاً من غيره، وكما هي العادة، ستعقبه اضطرابات مشابهة في أوروبا وبقية أرجاء العالم. لا أحد يجهل معنى ذلك: بطالة، ضغط متزايد على القدرة الشرائية والحماية الاجتماعية، نقل أماكن الإنتاج، تصدير رؤوس الأموال. سيكون الانحسار الجديد رافعةً لترتيباتٍ جديدة. في اقتصادٍ عالمي فتحت فيه الحدود التجارية والمالية، يساهم كل اضطرابٍ جديد في تنافس عمال العالم بأكمله، وتزايدٌ كبير في التفاوتات. وكل أزمة تزيد مخاطر النزاعات الجيوسياسية في بيئةٍ تتنازع فيها المؤسسات المالية والثروات الكبرى على قيادة عالمٍ لا بوصلة له سوى المردودية المالية.
إنّ اقتراحات آتاك والحركة المناهضة للعولمة واقعية وملحة أكثر منها في أي وقتٍ مضى: فرض ضرائب على العمليات المالية، منع عمليات إصدار السندات، إعادة تعريف وضع المصارف المركزية ومهماتها، دفع الدول إلى تحمل مسؤولياتها كي تعقد اتفاقات تعاون بدلاً من اتفاقات التبادل الحر، إعادة نظامٍ نقدي دولي منظم. اليوم، لم يعد الوقت وقت الترويج لقيم البورصة، بل وقت أولوية قيم الديمقراطية والتضامن والحقوق الاجتماعية والحفاظ على الكوكب.
■ ترجمة قاسيون