«الاستث/عمار».. الجديد!
بدأ الإنسان حياته على هذا الكوكب جامعاً للثمر، واستمر كذلك إلى أن تطورت قدراته ففكر في إنتاج الثمر، وترافقت القدرة على الإنتاج حين ظهورها لدى الإنسان مع قدرته على الإعمار أي بمعنى أقرب؛ استعمار الأرض وحرثها تمهيداً لقطف ثمارها المنتجة.
وهنا لابد من التنويه إلى أن الاستعمار والاستثمار الإنسانيين للأرض وخيراتها اشتدا أكثر فأكثر مع تحول الملكية المشاعية إلى ملكية خاصة، فما كان إلاّ أن انقسم الاستعمار إلى نوعين: داخلي قديم (من سكان الأرض الأصليين)، وخارجي حديث (من سكان أراض أخرى شحت خيرات أرضهم أو ازداد طمعهم التملكي)، وكذلك انقسم الاستثمار..
ولكن كلمة الاستعمار- بمعناها التقليدي العسكري والخارجي- احتلت موقعاً سلبياً في نفوس الشعوب التي رزحت تحت الاحتلالات الاستعمارية في العصور الحديثة. وبعد انحسار الاستعمار بشكله القديم وتحرر الشعوب من مستعمريها إبان الحرب العالمية الثانية، وتحديداً بعد انكفاء التجربة الشيوعية المتجددة بالضرورة، اتخذ الاستعمار لبوساً جديداً كانت سمته الأساسية هي الاحتلال المالي، أي بكلمة أبسط وأقرب إلى قلوب الشعوب: الاستثمار!..
وبهذا استبدل الطغاة الاستعمار بالاستثمار ليعاودوا نهب الخيرات، ولكن.. بشكل مالي هذه المرة، كون الاحتلال العسكري بات يكلف غالياً جداً، فضلاً عن أنه يوقظ الشعوب على حقوقها، ومن البديهي أن كلمة استثمار تعود في أصلها اللغوي إلى الفعل "ثَمَرَ"؛ وتحمل هذه الكلمة معنىً موازياً ومتلازماً لـ "استعمار" التي تعود إلى "عَمَرَ"؛ وبهذا فإننا أمام مصطلحين يفيدان معنيين متوازيين ومتلازمين: الاستفادة بشكلها الطبيعي كنتيجة لفعل سابق. وإذا ما تمت ملاحظة اشتراك الكلمتين السابقتين (استثمار واستعمار) بالصفات نفسها من حيث الجهة (داخلية وخارجية)، والبعد نفسه بالمعنى الفلسفي (رأس المال بتجلياته العسكرية والمالية)، يمكن القول إن الاستثمار هو الاستعمار نفسه ولكن بفرق بسيط هو: تحطيم عين الاستعمار أمام الشعوب، بحيث يتم اليوم خداعها بـ"الثاء" بغية تسهيل سرقة الثمار لحفنة من اللصوص المقنعين.. ألاّ هل بلغت؟!