عناصر الطلب النهائي وأثرها على النمو الاقتصادي (3 - 3) ريعية الاقتصاد السوري
تتحدد معدلات النمو الاقتصادي بعناصر الطلب النهائي المتمثلة في الاستهلاك، الاستثمار، التصدير، التغير في المخزون حيث اختلفت مساهمة كل عنصر من عناصر الطلب النهائي في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة المدروسة، وكانت مساهمة كل عنصر للعامين 2005، 2006 على التوالي:
الاستهلاك (11.6 %)، (5.47 %)، والاستثمار (1.96 %)، (1.97 %)، والتصدير (0.5- %)، (13.49 %)، أما التغير في المخزون فبلغت مساهمته (1.89 %) عام 2004، و(13.92- %) عام 2006.
وبلغ المعدل الوسطي للبطالة (28.36 %) خلال فترة الدراسة، حيث كان معدل البطالة (29.23 %) عام 2005، وبلغ (28.78 %) عام 2006.
إن التأثير المتبادل لعناصر الطلب النهائي ومعدلات البطالة ودور كل منهما في الآخر يظهر في مؤشرات ملموسة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، حيث أن ارتفاع معدل البطالة المترافق مع معدلات نمو عالية نسبياً يدل على غياب الاستثمارات في القطاعات المنتجة. إن ارتفاع معدل مساهمة الاستثمار في الفترة المدروسة دون امتصاص لأي جزء من البطالة فيه، يعكس أن هذه الاستثمارات كانت في القطاعات غير المنتجة، مما أدى لزيادة كبيرة في حصة الاستهلاك كمساهم في معدل النمو، ووصل وزنه إلى 89 % من الناتج الإجمالي المحلي، ويعني هذا أن الاستهلاك كان من حصة التراكم التي بلغت (11 %) فقط، وهو ماأدى في فترة الدراسة على المستوى الاقتصادي إلى خسارة جزء كبير جداً من مخزوننا السلعي، وأدى على المستوى الاجتماعي إلى خلل في التركيبة الاقتصادية الاجتماعية ناتجة عن شبه انعدام فرص العمل لفئات واسعة من الشباب المنتج الذي يظهر أثره على أرض الواقع في اتجاهين: الأول ازدياد معدلات الهجرة الداخلية والخارجية وما له من تأثير سلبي على الاقتصاد والمجتمع، أما الثاني فيتمثل بارتفاع معدلات الجريمة التي بدأنا نتلمسها كأفراد على المستوى الشخصي في معظم تحركاتنا، وكمجتمع بدأ يتخوف من سرعة ارتفاع معدلاتها...
وينعكس هذا بدوره بكلفة الفرصة الفائتة الناتجة عن خسارة إنتاجية العاطل عن العمل، وهي ليست إلا خسارة لجزء هام من الحجم الكلي للناتج المحلي الإجمالي الذي سينعكس على باقي المنظومات.
فغياب الاستثمار الحقيقي الناتج عن غياب في التراكم، يدفع لضعف الترابط في العلاقة بين النمو والتراكم الذي ينعكس بدوره على عائدية رأس المال، وهو انعكاس لواقع اعتمد تحويل أموال الاستثمار إلى المضاربات العقارية ذات المردود المادي الكبير والسريع على حساب عمليات الإنتاج الوطني (التراكم)، مما شجع في ظل غياب الحد الأدنى من العائدية المرجوة والضغط الناتج عن متطلبات المعيشة إلى دفع أصحاب الحيازات الزراعية للاستغناء عن جزء كبير من أراضيهم لتعويض النقص الناتج عن عملية الإنتاج بغرض الاستهلاك، والتي يعتبر وجودها (الأرض) مع تفاقم مشكلة الغذاء والأمن الغذائي ضرورة ملحة كعامل رئيسي في العملية الإنتاجية، وذلك في ظرف عالمي بدأت تظهر فيه مشكلة الغذاء بشكل ضاغط ومواجهتها مسؤولية محلية وعالمية تزداد تعقيداً. وساهم بذلك أيضاً انخفاض سعر الفائدة التي أدت إلى سحب المدخرات وتحول جزء كبير منها، إن لم يكن معظمها، إلى الاستثمار في قطاع العقارات التي أدت إلى مضاربات كبيرة، إلى جانب فائض سيولة الطفرة النفطية الذي وظف في القطاع نفسه، فانعكس كل ذلك بشكل كبير وأثر على أداء الاقتصاد، وتجسد بارتفاع كبير في أسعار العقارات والسلع والخدمات الأخرى، مترافقاً مع نمو كبير في معدل نمو الاستثمارات في قطاع الإنتاج غير المادي الذي بدوره انعكس سلباً على بنية النمو الفعلية للناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن المعلن من الحجم الاستثماري لم يخلق الكثير من فرص العمل المتوقعة أو المطلوبة، وهذا بدوره يفسر الكلفة العالية لفرصة العمل في الاستثمارات المعلنة غير المنتجة (المضاربات) واقعاً، فوصلت إلى 25 مليون ل.س، مما انعكس بكلفة وسطية عالية لفرصة العمل على مستوى المنشأة وعلى مستوى الاقتصاد. وهو ما حمل الاقتصاد أعباءً منظورة نتلمسها اليوم وأخرى غير منظورة نتوقع منها الأسوأ.
أما طبيعة التصدير التي عادة ما يرتجى منها دعماً للاقتصاد فبقيت معتمدة على المنتجات الزراعية الخضار والفواكه أو الحبوب إضافة إلى المحاصيل الإستراتيجية ذات المردود القليل والقيمة المضافة المنخفضة.
ولم يكن لمساهمة الاستهلاك التي بلغت (11.6 %) عام 2005 من الناتج المحلي الإجمالي أي أثر فعلي في زيادة معدلات النمو لطبيعته الاستيرادية وبالتالي كانت الحصة الأكبر من استهلاكنا مستوردة تغطي من مدخراتنا وليست من الإنتاج الفعلي. وهو ما كان له كبير الأثر على الاقتصاد الوطني وأدى إلى تراجع حصة الاستهلاك الفعال في نمو الناتج المحلي، حيث بلغ الاستيراد 10.43 % عام 2005 وبالإضافة إلى التحول الكبير بالقوة العاملة من قطاع الإنتاج المادي وخاصة من قطاع الزراعة إلى قطاع الإنتاج غير المادي قطاع الخدمات الأخرى، أي تغير جوهري في هيكلية اليد العاملة السورية.
إذاً إن كل من ارتفاع الاستيراد وانخفاض التصدير الفعال إضافة إلى انخفاض الاستثمار الفعلي أدى إلى التأثير في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلية، حيث امتص الاستيراد الجزء الأكبر من عملية النمو الاقتصادي، وحد بالتالي من عمليات النشاط الاقتصادي في القطاعات الإنتاجية الفعلية.
أما الشكل الرياضي لكل ما سبق يعبر عنه بمعامل الارتباط بين معدل البطالة والناتج المحلي الإجمالي فيظهر بقاء ارتفاع معدل البطالة والذي وصل إلى 34.26 % مترافقاً مع معدل نمو بلغ 6.75 %، وهو ما يشير إلى ضعف الارتباط بينهما الذي يعكس ضعف الإنتاج في القطاع المادي، وتأتي القيمة السالبة للتغير في المخزون التي وصلت إلى /166574-/ مليون ليرة سورية عام 2006 مؤشراً إضافياً داعماً لغياب العملية الإنتاجية.
وهو مايثبت رياضياً ريعية الاقتصاد السوري في ظل ارتفاع نسبي في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي مترافق ارتفاع في معدلات البطالة.
مكرساً على أرض الواقع بـ:
- نسب النمو لم تؤثر في تخفيض نسبة البطالة.
- ضعف دور الاستثمارات في توليد فرص عمل تتناسب وقيمة الاستثمارات وطبيعتها.
- النمو في الاقتصاد السوري انعكاس لعناصره غير الإنتاجية التي لاتستطيع بسبب طبيعتها امتصاص هذا الكم من الوافدين الجدد.
- غياب التخطيط على مستوى المنشأة الذي ينعكس بدوره على المستوى الإقليمي والوطني وبالتالي ارتباك في إدارة الموارد والعناصر الفاعلة في الاقتصاد.
* دراسة أنجزت في معهد التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في دمشق بإشراف الدكتور أنترانيك توماس والدكتور أديب كولو.