إعداد وحوار: جهاد أسعد محمد إعداد وحوار: جهاد أسعد محمد

رداً على تصريحات وزير النفط للصحافة.. انخفاض استهلاك الوقود ليس ترشيداً.. بل انخفاض للأنشطة الاقتصادية!

أثارت الأرقام التي أوردها وزير النفط سفيان العلاو عن حجم الاستهلاك المحلي للوقود في اللقاء الذي أجرته معه الزميلة «بورصات وأسواق» مؤخراً، جدلاً واسعاً، وخاصة لدى الاقتصاديين والمهتمين والعارفين بحقيقة الأمور، وأكدت مجدداً أن بعض كبار المسؤولين في الحكومة، مازالوا مصرين على المناورة من خلال اعتماد طرقٍ حسابيةٍ لا تمت لعلم الاقتصاد بصلة، بهدف محاولة إخفاء النتائج الكارثية لسياساتهم الملبرلة عبر ذر الرماد في العيون..

وسعياً من «قاسيون» لوضع القارئ بالصورة الحقيقية لما يتوارى خلف هذه التصريحات والأرقام اللا مسؤولة التي يوردها بعض المسؤولين الحكوميين، أجرت حواريين مع كل من د. عابد فضلية ود. حيان سلمان، الاقتصاديين المعروفين.. وأجرت معهما حواراً سريعاً.. 

د. عابد فضلية:

العجلة الاقتصادية أمست شبه متوقفة! 

• د. عابد، في حديثه مع (بورصات وأسواق)، أكد وزير النفط سفيان العلاو أن الشعب السوري (يحرق) 25 مليار دولار من الوقود سنوياً.. ما رأيك بهذا الرقم الخيالي؟

لقد حوّل وزير النفط الغاز والمازوت وكل ما يولد الطاقة، إلى وحدة واحدة، وهذا غير دقيق.. الرقم لا يستطيع أحد أن يؤكده أو أن ينفيه إلاّ إذا كانت لديه معطيات وافية. وفي العموم إذا كان رقم استهلاك الطاقة كبيراً فهذا لا يعني هدراً، بقدر ما يعني أن هناك نشاطاً اقتصادياً، الأمم المتطورة الصناعية هي التي تستهلك الوقود أكثر من الدول الأخرى، مثلاً: هل تصرف موزامبيق مثل دولة صناعية كبرى؟ الوزير استخدم المؤشر بشكل عكسي، يقول: نحن نهدر الوقود، وهذا الكلام غير صحيح.. 

• وزير النفط يقول: نحن نستهلك 370 ألف برميل يومياً منها 170 ألف برميل مازوت، 100 ألف برميل فيول، 50 ألف برميل بنزين، إضافة إلى 4 مليون طن من الغاز يومياً، ما دقة هذه الأرقام.

الأرقام السابقة عندما تخرج من فم وزير، نحن كمواطنين وإعلاميين إذا لم نكن نملك أرقاماً من مصادر حقيقية لا نستطيع إيراد أرقام مخالفة؟ إذا أتينا بأرقام أخرى سيقال لنا مصدركم غير صحيح.. هو وزير وعضو حكومي.

ولكن كيف يثبت لنا الوزير أن هناك هدراً؟! هو يسوق هذه الأرقام ليبرر ارتفاع أسعار المازوت، ثم ليقول: انخفض استهلاك المازوت عن العام السابق في أيار بنسبة 32 % وفي حزيران بنسبة 25 %.. يريد الوزير أن يقنعنا أن ما يجري هو ترشيد.. المازوت يستهلك لعشرين غرضاً، واستهلاكه المنزلي هو أقل الأغراض أهمية، إذاً هذا الخفض ليس ترشيداً، إنه انخفاض للأنشطة الأخرى (نقل ـ سير ـ توليد طاقة ـ صناعة ـ خدمات ـ سياحة..إلخ، وهذا يعني فيما يعنيه أنه أصبح لدينا انخفاض بالنشاط الاقتصادي، انخفاض خطير، ومعنى هذا أن العجلة الاقتصادية التي تقاس باستهلاك الطاقة أمست شبه متوقفة!

هذا يستدعي الخوف والحذر والتشاؤم، وينذرنا بأن هناك مشكلة.. فحركة المواطن في بلدنا، وكما هو باد للعيان، تباطأت كثيراً. 

• هل ارتفاع أسعار الطاقة والمازوت تحديداً من يقف وراء هذا التباطؤ؟

ارتفاع أسعار المازوت كأحد تجليات السياسة الاقتصادية المتبعة، أدى إلى بطء نشاط الصناعة والنقل والسياحة والخدمات، ولم يؤدّ إلى الترشيد الذي قد لا تتجاوز نسبنه 5 %.. لقد تراجع الاستهلاك، ولكن هذا ليس ترشيداً لأن من يدفع ثمن الوقود هو القطاع الخاص، وبالتأكيد هو لا «يكب» المازوت على الطرقات ويهدره. 

• هذا التباطؤ في عجلة حركة الاقتصاد، ما انعكاساته على الاقتصاد الوطني بشكل عام؟

الحلقة مفرغة، ارتفاع الأسعار عادة يؤدي حسب مرونة الطلب إلى قلة الطلب، ويؤدي إلى انخفاض الأرباح، وانخفاض الطلب الكلي الذي يؤدي إلى ضعف الحركة والكساد، الذي يؤدي بدوره إلى ضعف العجلة الإنتاجية، وهذا يؤدي إلى قلة التشغيل، وقلة التشغيل تؤدي إلى ضعف الدخل الذي يولد الطلب، وقلة الطلب تؤدي إلى الكساد.. وهكذا...

هذا ما يبطئ النمو الاقتصادي ويضعف القوة الشرائية..

لدينا مشكلتان حدثتا في الوقت ذاته، وكلاهما نتج عنهما بطء عجلة النمو الاقتصادي: ارتفاع الأسعار العالمية خارجياً، ورفع أسعار المازوت داخلياً، وكلا الأمرين حدثا بشكل متزامن، وأقسم بالله أن عدوتنا «إسرائيل» ما كانت لتتمنى لنا أو تسعى لأكثر من ذلك، وهنا لا أتهم أحداً، ولكن المسألة بهذا المستوى من الخطورة!!..

ارتفاع الأسعار العالمي خفّض القوى الشرائية لدى المواطن السوري، وفي الوقت ذاته ارتفعت الأسعار بشكل جنوني عندنا، مرة بسبب ارتفاع الأسعار العالمي، ومرة بسبب ارتفاع سعر المازوت.. الذي أدى لارتفاعات شاملة.. فحتى الحلاق رفع أجرته، ولم تبقَ سلعة في الاقتصاد السوري ثابتة على سعرها القديم أو قريبة منه.. 

• كيف ترى انعكاسات كل ذلك اجتماعياً؟

لدينا بطالة، والبطالة تعني أنه لا يوجد دخل، وأن دخل رب الأسرة يوزع على أكبر عدد من أفراد عائلته، ولدينا معدل أجور منخفض، وبنتيجة السياسة الضريبية المعمول بها منذ سنوات ازداد العبء على أصحاب الدخل المحدود.. علماً أن معظم العاملين لدينا عاملون بأجر، وليست لأجورهم قدرة شرائية تذكر، ومن جهة أخرى فإن تطور الخدمات العامة كالخدمات الهاتفية مثلاً «النقال ـ الثابت» زاد من المتطلبات كماً ونوعاً، في ظل انخفاض كبير للقوة الشرائية، مما يؤزم المسألة أكثر فأكثر، وإذا طال الزمن ونحن على هذه الحال سيؤدي ذلك إلى مشاكل خطيرة وسيتسبب بإحباط اجتماعي ضمن العائلة السورية، واضطرابات اجتماعية، وسينتج عنه استشراء الجريمة والنهب والسرقة والعهر، وازدياد الأمراض الاجتماعية وتفكك عرى المجتمع.. 

د. حيان سلمان:

ارتفاع أسعار المازوت أدى إلى بطء عجلة الاقتصاد.. 

• د. حيان، لاشك أنك قرأت تصريحات وزير النفط حول أرقام استهلاك النفط محلياً، وعن الترشيد المزعوم الذي حدث بعد رفع أسعار المازوت، كيف تنظر لمفهوم الترشيد اقتصادياً، وهل كان هناك هدر للطاقة فعلاً قبل رفع الدعم؟

في المبدأ لا يمكن أن تهدر طاقة مشتراة، والترشيد يطبق في مطارح محددة مثل بعض الخدمات (الماء – الكهرباء..)، ويمكن اعتماده ضد الضياع والفساد والهدر، أما اعتماد لغة زيادة السعر لمادة أساسية وحيوية وتنعكس على مستوى معيشة المواطن وإنتاج المنتج، فهذا لا يعدّ ترشيداً..

لقد أدى ارتفاع أسعار المازوت إلى بطء عجلة الاقتصاد، وأثّر فيها سلباً، وهذا سيبدو واضحاً إذا ما قمنا بدراسة مقارنة بين الناتج الإجمالي بين فترات ما قبل رفع الدعم وما بعده.. لقد تضرر المزارعون بسبب عدم جدوى محاصيلهم، نتيجة ارتفاع تكاليف السقاية، وهذا ينطبق أيضاً على المؤسسات الإنتاجية الصناعية الصغرى والمتوسطة، وأثر أيضاً على حركة الصادرات، وعلى قيمتها، لذلك نرى أن الكثير من دول العالم تقوم بدعم منتجيها ومزارعيها ومنتجاتها، وليس رفع الدعم عنهم، وهنا أحب أن أشير إلى أن أكبر قوتين تدعمان وتخصصان أموالاً للدعم هما الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي..

علينا أن نحقق الأمن الغذائي مع الاحتفاظ بمخزون استراتيجي للسلع الأساسية مثل القمح، القطن، الخضار والفواكه، وأضيف إليها الزيتون.

من الجميل استخدام الرقم إذا كان دقيقاً، ولكن يجب عدم تقديم أي رقم قبل التأكد من صحته. أما الدعم فلا يمكن أن ينظر إليه فقط من وجهة نظر اقتصادية بحتة، أي بلغة (التاجر)، وإنما ينظر إليه من خلال وجهة نظر اقتصادية ـ اجتماعية تنتمي إلى مفهوم الاقتصاد السياسي، تراعى فيها مصالح الفئات المنتجة في المجتمع.. 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.