التنمية في ظل عدم الاستقرار السياسي، والتهديد الأمني في المنطقة..

في إطار الاهتمام بالبحث العلمي، أُحدِث مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية في جامعة دمشق مطلع عام 1995، ليعطي هذا الاهتمام بعده الاستراتيجي من خلال تنمية وتعميق روح البحث والدراسة، في مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وطنياً وقومياً وعالمياً. ويولي المركز أهمية خاصة لقضايا الأمن القومي، ولما يجري في العالم من تطورات وتحولات، في محاولة علمية جادة لاستشراف أثر هذه التطورات والتحولات على مستقبل سورية والوطن العربي..

وضمن سعيها لاستقطاب الباحثين والدارسين، دعا المركز إلى ندوة تحت عنوان «التنمية في ظل عدم الاستقرار السياسي، والتهديد في المنطقة العربية» في 9 ـ 10/7/2008. 

إشكالية العلاقة بين التنمية والاستقرار

في الجلسة الأولى ألقى د.مدين علي محاضرة بعنوان «إشكالية العلاقة بين التنمية والاستقرار» تناولت محوراً أساسياً من محاور الندوة، وقد سلطت الضوء على مفهوم عدم الاستقرار السياسي وعناصره الداخلية والخارجية، والمؤثرات التي يتعرض لها سواء بفعل العوامل الخارجية أو الداخلية، ومفاهيم التهديد الأمني ومضامينه، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودرجة جدية هذه المخاطر أو التهديدات، حيث أنها تتراوح بين الشديدة وضعيفة التوتر.

ومن زاوية أخرى اتجهت المحاضرة لتسليط الضوء على الشروط المطلوبة للتنمية الاقتصادية اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، وذلك بغية تعميم المخاطر التي تهدد شروط التنمية.

ثم تناولت المداخلة مصادر التهديد الخاصة بالمنطقة العربية والتي يندرج في طليعتها تواجد الكيان الصهيوني، كقوة احتلال له أهدافه التوسعية، بالإضافة إلى مخاطر السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وعناصر الصراع والتهديد الناجمة عن السياسات الاقتصادية التي تفتقد إلى العدالة الاجتماعية، وقد ركزت المحاضرة أيضاً على كيفية التعاطي الرسمي مع عناصر التهديد وميزت بين منهجين، داخلي: يتسم بالقوة وعدم التسامح حتى إذا كان مرتبطاً بتوزيع الفائض الاقتصادي، بينما اتبع في الخارج منهج التكييف السلبي مع شروط الأجندة الخارجية.

وأخيراً أكدت المحاضرة أن المشكلة الأساسية في المنطقة العربية لا يمكن مقاربتها بين التنمية وعدم الاستقرار، وإن هناك تأثيراً متبادلاً بينهما. وأكد د.مدين أن مكمن القضية يتجلى أساساً في أزمة مشروع بناء الدولة الوطنية على أسس عصرية، وبما يجسد طموح الأمة في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

تهديدات التنمية

وفي الجلسة الثانية حاضر الدكتور محمد سمير مصطفى، أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي بالقاهرة، حول تهديدات التنمية ونمذجتها في البلدان العربية، في عالم متغير تسوده القوة الأحادية، وتقتات الشركات العابرة للحدود على موارد شعوبه الآخذة في النمو، فتلوح عند خط الأفق تهديدات كثيرة، منها على سبيل الذكر لا الحصر: التهديد العسكري، التهديد الغذائي، التهديد المائي، التهديد البيئي، التهديد البشري الاجتماعي، التهديد المتصل بالوفاق الوطني، وأخيراً تهديد العولمة.

وتوصل المحاضر في النهاية إلى خلاصة أن الدول النامية، ومنها البلدان العربية، تتعرض لجملة من التهديدات التي تمثل أخطاراً بالغة، تتحول إلى ضعف مؤقت، أو ضعف طويل المدى إذا لم يتم هندستها ومواجهتها.

أهمية توفير العدالة الاجتماعية

أما المحاضرة الثالثة فقد قدمها د.عدنان سليمان، حول أهمية توفير العدالة الاجتماعية والانسجام المجتمعي لعمليات التنمية في المجتمعات المهددة أمنياً.

وأكد سليمان أن متغيرات النظام العالمي الاقتصادية والسياسية، تفرض إعادة صياغة الأدوار، انتقالاً إلى التفكيك والتفتيت والاختراق المسبق، واختراق المشروع القومي العربي وتفكيكه.

إن الدول العربية تمتلك أكبر ثروة نفطية في العالم، ما يجعل مفاهيم وعبارات مثل: الصراع العربي الإسرائيلي، القومية العربية، الأمة العربية، مقاومة الاحتلال، مجرد مفاهيم ومعاني تقليدية، تتآكل بفعل الإعلام والخطاب الرسمي العربي.

وهكذا فإن التهديد الأخطر، هو الذي تعرض له المشروع الأمني القومي العربي، في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، والمشروع الأمريكي في المنطقة، ما دفع بالأمن القومي العربي، تحت وطأة التعثر والاختراق القسري أو الطوعي (اتفاقات مع إسرائيل)، إلى اختزاله والانكفاء على كفاية الأمن القطري الوطني، الذي لم ينجح هو الآخر في تحقيق الأمن والسلام الداخلي، بحكم فقدان السيطرة على أمنه المائي والغذائي والاقتصادي والتنموي.

وأوضح سليمان أن من المفارقات التاريخية، أن النظام العربي يستثمر ما قيمته ألف مليار دولار سنوياً في الخارج، في بنوك وصناديق سيادية عالمية. ويستمر عجز النظام العربي، في إعادة إحياء أو تفعيل المشروع النهضوي العربي، باعتباره مشروع ثقافة وهوية وتعزيز الانتماء، وتتحول مؤسسة الجامعة العربية التي تجمع العرب شذراً وخجلاً وقلماً، إلى مجرد منسق تجسد الخلافات العربية.

وفي المحاضرة الرابعة تحدث د.معتصم سليمان عن الأوضاع الاقتصادية في ظل تطورات الصراع العربي ـ الصهيوني، وبيّن أن التنمية تعني الاستقلالية العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، والقدرة على اتخاذ القرار الحر الذي يحقق المصالح الوطنية للدولة، ولا تمتلك أي من الدول العربية هذه الإمكانية للتنمية. وتحدث عن دور الإستراتيجية الأمريكية في الصراع العربي ـ الصهيوني وأثرها على الأوضاع الاقتصادية العربية، منذ النكبة وحتى الآن.

العلاقة بين التنمية والاستقرار

وفي اليوم الثاني للندوة ألقى د. منير الحمش المحاضرة الخامسة تحت عنوان: «مقاربة الواقع العربي في ضوء العلاقة بين التنمية والاستقرار». وبدأ بسرد تاريخي لبعض المحطات والمواقف التاريخية، وتوصل إلى استنتاج هام وهو أن العلاقات الاقتصادية العربية ـ العربية محكومة بمستوى العلاقات السياسية بين الدول العربية، ولا تخضع لمستوى التطور الاقتصادي وضروراته ولا إلى مستوى تطلعات الشعوب العربية في تحقيق التكامل الاقتصادي. وأكد  د.الحمش أننا نواجه في الوطن العربي حالة لا يكفي أن نقول عنها أنها عملية إعاقة للتنمية، بل إنها عملية تدمير مقومات التنمية. وهذا من شأنه التأثير على جميع مؤشرات التنمية البشرية، وخاصة الفقر والبطالة والتضخم وإلى ذلك من مؤشرات التعليم والصحة، عدا عما يخلقه الاحتلال أو التهديد الأمني، من آثار سياسية وثقافية تمس حياة الناس السياسية ووعيهم الثقافي ومستقبلهم الإنساني.

إن ما يلفت الانتباه هو التوجهات نحو شراء وتكديس الأسلحة بلا مبرر، ما دام هذا السلاح لا يستخدم من أجل التحرير. تلك الأسلحة التي تتقادم في مخازنها والتي تم تكديسها لإرضاء المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.

وأكد الحمش أن مواجهة التحديات التي تواجه الأمة العربية، هي المضي بعملية التنمية القُطرية من جهة، والعمل في إطار التنمية العربية القومية من جهة ثانية، والهدف هو إقامة اقتصاد قوي ومتين على الصعيد القُطري، وإقامة تكتل اقتصادي قومي متين. والسؤال هو كيف يمكن التوصل إلى ذلك؟

وختم د. الحمش حديثه بالقول: «إن العلاقة بين الاستقرار والتنمية علاقة وطيدة، بل إنها تكاد تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، فلا تنمية في غياب الاستقرار، ولا استقرار بدون تنمية.

ويأتي هنا دور الواقع على الأرض، ليذكي هذه العلاقة، ويوضح مكوناتها، فالواقع المعيشي يفرض شروطه على كل من التنمية والاستقرار في آن معاً، ويبقى علينا أن نسعى إلى التأثير على هذه الشروط، وإخضاعها لصالح عملية التنمية، ومن أجل ضمان الاستقرار، في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية».

الإصلاح والسياسات الاقتصادية

أما المحاضرة السادسة فكانت للدكتور غسان ابراهيم بعنوان الإصلاح والسياسات الاقتصادية، في المجتمعات المهددة أمنياً، وإن التنمية في ظل التهديد تفترض اختياراً وانتقاءً عقلانياً موضوعياً لأهم العناصر الجيدة فيها، أي لبعض عناصرها، ولاسيما الاقتصادية. إذ أن الجانب أو المكوّن الاقتصادي للإصلاح، يشكل البنية التحتية الضرورية لإنجاز الإصلاح المجتمعي.

وأكد ابراهيم أن التهديد الأمني يستدعي إعلان النفير العام أو المجتمعي، وبالتالي تحشيد كل الإمكانيات والطاقات والقدرات المتوفرة والكامنة، من أجل الصمود والاستمرارية والمواجهة الفعالة، لذلك فإن هناك أسئلة تطرح نفسها بقوة: ما طبيعة الإصلاح المجتمعي؟ وما طبيعة الثقافة الحاضنة له؟ ما القوى الاجتماعية الرافعة والحاضنة له؟ وما التوجه المستقبلي للمجتمع المهدد أمنياً؟ وماذا يستهدف «التهديد الأمني» بالضبط.

أما الورقة الأخيرة في الندوة فكانت للدكتور رفعت لقوشة بعنوان «التنمية والتهديد: إعادة اكتشاف العدالة الاجتماعية».

آخر تعديل على السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2016 11:48