تجيير الإعلام في خدمة منظمة التجارة العالمية
منذ أن تغير اسمها في 15 نيسان 1994 من «الغات» إلى «منظمة التجارة العالمية»، وخارطة الاقتصاد العالمي في تغيير دائم، لتبرز أهم مفاعيلها وتأثيراتها في حركة السلع والخدمات ورأس المال والمعلومات والأيدي العاملة عبر الحدود الوطنية والإقليمية. وفترة التحول هذه كان أبرز مقدماتها انهيار الاتحاد السوفيتي، وما تلاه من تعاظم نشاط حركة الأسواق المالية وقيام تكتلات اقتصادية كبرى.
ومع أخذها شكلاً ومضموناً جديدين، يكون قد اكتمل تشكيل مثلث مؤسسات النظام الاقتصادي العالمي الإمبريالي المدمر والخطر برؤوسه الثلاثة: (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية)، وهكذا راح يتنامى دور المؤسسات الدولية في رسم مسار التنمية للدول النامية والتحكم فيه وسيطرة دول الشمال الغني على النصيب الأوفر من الاقتصاد العالمي عبر شركاتها وفروعها المنتشرة في أنحاء العالم، المتحكمة بعمليات الإنتاج وتوزيع الدخل العالمي وحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية على حساب دول الجنوب الفقير.
الانضمام شرٌ لابد منه
فمن أجل جدية سورية في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عقدت قبل أسبوعين في دمشق ندوة تخصصية للإعلاميين حول قواعد وأنظمة منظمة التجارة العالمية، برعاية وزارة الاقتصاد والتجارة بالتعاون مع وزارة الإعلام وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدمشق.
شملت محاور الندوة مقدمة تعريفية عن منظمة التجارة العالمية، وكيفية معالجة الصحافة والرأي العام لموضوعات التجارة العالمية، والمتابعات التي تتم في سورية حول الانضمام للمنظمة، إضافة إلى استعراض تجارب بعض الدول العربية في المجال الإعلامي خلال عملية الانضمام، والدروس المستفادة لتفعيلها بما يحقق المصالح الاقتصادية والتجارية والتنموية السورية، والتأكيد على دور الصحافة في مساندة قضايا مفاوضات الانضمام إلى المنظمة والتي تتطلب إعلاماً ناضجاً ماهراً وقادراً على تهيئة المجتمع لمرحلة مهمة من مراحل التغيير، لاسيما مع تزايد الاندماج والترابط بين الدول في ظل تحرير نظام التجارة العالمية.
شارك في الندوة التخصصية التي استمرت على مدى يومي 15 و16/6/2008 عدد من الإعلاميين ورجال الصحافة، وأكد كل من حاضر في الندوة أن الهدف الأساسي منها هو تعريف المشاركين، ولاسيما الصحفيين والإعلاميين، بجدية سورية في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وإلى دور الصحافة في مواكبة الجهود بالتوجه لاقتصاد السوق الاجتماعي وإيجاد البيئة التشريعية والتنافسية المناسبة للانخراط في الاقتصاد العالمي، والوصول إلى إعلام فعال ومدرب على المسائل الفنية يستطيع أن يدافع عن مجمل القضايا الوطنية بموضوعية.
وتم توضيح أمر مهم، وهو أن الخوف من منظمة التجارة يعود إلى أن الناس لا يعرفون منظمة التجارة، وما هي الاتفاقيات التي عقدت فيها، وما هي التزاماتها، وأن موضوع انضمام سورية للمنظمة ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً، بل يستغرق بعض الوقت.
شتان ما بين الثرى والثريا
حسناً إذا كان الخوف أننا لا نعرف منظمة التجارة، فدعونا نذكركم بنقاط بسيطة من بحر هذه المنظمة التي تتسم بهيمنة النظام الرأسمالي بمبادئه وآلياته.
إن هذه المنظمة ومنذ ميلادها كرست حدة العلاقة اللامتكافئة بين الشمال الغني «المصنع» المتمثل بأميركا وأوروبا واليابان والجنوب الفقير. إذ زاد من تحكم الشمال المنتج بأكثر من 87 % من الواردات العالمية وأكثر من 94 % من صادراته، حيث انطلقت الشركات المتعددة الجنسية التي تتوزع رؤوس أموالها في أكثر من دولة، لتجبر الجنوب على مبادئ استثمارية جديدة، تدعمها في كل ذلك برامج الإصلاح لصندوق النقد الدولي، وتوسيع امتيازات الاستثمار الأجنبي، لتصبح التنمية دخول دول الجنوب والانضمام إليها بالتي هي أحسن؟
وإذا كان البعض بالندوة قد أشار بالقول «نعيش اليوم في ظروف العولمة التي تترافق مع التغيير المتسارع لدور الدول في تقسيم نظام العمل الدولي الناتج عن الانفتاح الاقتصادي العالمي وانضمام معظم الدول إلى منظمة التجارة العالمية وتوقيع المزيد من الاتفاقيات التجارية الثنائية والمتعددة الأطراف»، فلابد من التوضيح أن البداية الفعلية لهذه العولمة كانت مع ظهور النظام العالمي الجديد الذي أشعل الحروب في القارات الخمس من أجل مصالحه والخروج من أزماته الخانقة والتي وصلت إلى حد التريليون دولار، والسيطرة على كل مناطق ومنابع النفط، والتحكم في مصادر المواد الأولية الاستراتيجية وتشكيل أسواق دولية مترابطة.
والعولمة منذ ظهورها لم تشع الرخاء والازدهار في العالم كما يعتقد البعض، بل إنها أدّت بفعل السوق وآلياتها إلى التقليص المستمر في الخدمات الاجتماعية وخاصة التعليم والصحة والسكن والرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى تعميق الهوة والتفاوت في الدخول على الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية.
فوفقاً لإحصاءات البنك الدولي، فإن معدل الدخل لمليار ونصف المليار من الناس يقل عن دولار واحد في اليوم، كما أن مداخيل خمسين مليون شخص لا يمثلون سوى واحد في المائة من سكان العالم، تعادل مداخيل مليارين و700 مليون نسمة من الناس الأشد فقراً.
إلى الحضن العربي
إن منطقة التجارة العربية الحرة مازالت دون المأمول منه، لذلك من الأفضل للدول العربية التوجه إلى الاتحاد الجمركي الإقليمي بدل الانضمام وبصورة منفردة إلى اتفاقات الشراكة الأوروبية المتوسطية، أو من توجهها إلى إقامة المناطق الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تقف بصراحة ضد التكامل الاقتصادي العربي والاندماج الإقليمي للدول العربية الذي سيكون إطاراً حقيقياً للنمو الاقتصادي العربي.
أخيراً لماذا يتم دائماً التوجه إلى الإعلام والإعلاميين من أجل تمرير أية خطة أو مصطلح جديد في الحياة الاقتصادية كقانون رفع الدعم الذي أصر على تمريره الفريق الاقتصادي رغم علمه بخطورة ما يقدم عليه. على الإعلاميين أن يكونوا دائماً على حذر من كل مصلح «بريء»، وفضح السلبيات التي ستكون عواقبها وخيمة على الوطن والمواطن.
يذكر أن مديرية منظمة التجارة العالمية ومنذ إنشائها أواخر عام 2006 لدى وزارة الاقتصاد والتجارة، قامت بالعديد من النشاطات والورشات خلال عامي 2007 ـ 2008 وصلت إلى إحدى عشرة ورشة من أجل الانضمام، وذلك بالتعاون مع جهات عربية ودولية.
إن النظام التجاري العالمي المستهدف ما هو إلا وسيلة لوصول الدول الصناعية الحر والسهل إلى مكامن الخامات والموارد في الأسواق العالمية من جهة، ولإيصال سلعها القادرة على المنافسة لأسواق الدول النامية من جهة ثانية، وبالتالي فإن أحوال النمو المستدام للدول النامية والفقيرة أصبحت مخيبة للآمال، وخاصة بعد رفع الحواجز والقيود الجمركية والحمائية والتي قادت إلى واقع مؤلم لهذه الدول ومستقبل أشد إيلاماً حيث:
1 - نصف سكان العالم يعيشون بأقل من دولار يومياً
2 - 20 % من سكان الدول الغنية يستهلكون 86 % من السلع والخدمات العالمية.
3 - مليار شخص أمي في القرن الـ 21.
4 - تكلفة ساعة العمل في الدول المقدمة 30 دولار عام 2005 وفي الدول النامية 2 دولار.
أخيراً: تهيمن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي واليابان على منظمة التجارة العالمية، ويجري من خلال المفاوضات والمؤتمرات تكريس مصالح هذه الدول، فإذا اتفقت فيما بينها تنجح هذه المؤتمرات، وتفشل إذا اختلفت، واتفاقها واختلافها يكون في جميع الأحوال على حساب مصالح الدولة النامية.
ونحن في سورية إذا ما رغبنا بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية وتحقيق مصالحنا، فالبداية والنهاية ليست في جنيف، بل هنا، وتحديداً عند الإجابة على السؤال المحوري: «كيف نعزز قدراتنا الإنتاجية التنافسية»، وما هو دور كل منا، وما هي حدود مسؤوليته؟؟.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.